وتُثير استماتة المرزوقي على الاستمرار في هذا الخطاب التصعيدي الذي ساهم في تدحرج المشهد السياسي إلى الحد الذي أوصل البلاد إلى الوضع الذي تعيشه حاليا، علامات استفهام متعددة. العربالجمعي قاسمي [نُشرفي2016/11/05، العدد: 10446، ص(4)] تتزاحم الأولويات المدرجة في خارطة المشهد التونسي، وسط سيل من التكهنات والاستنتاجات التي تُعبر في جزء منها عن حالة من التخبط الناتج عن تبدلات تكاد تكون متعارضة وأحيانا متناقضة، أصبحت تُحيط بالطبقة السياسية في البلاد حتى جعلتها تفقد البوصلة الدالة إلى طريق المصلحة الوطنية العامة. وتُركز هذه الأولويات من جهة الحكومة على إنجاح المؤتمر الدولي حول الاستثمار المُقرر عقده يومي 29 و30 نوفمبر الجاري، وتمرير مشروع قانون المالية للعام 2017، وهما مسألتان هامتان سيكون لهما كبير الأثر على الواقع التونسي بأبعاده السياسية والاقتصادية، وكذلك الاجتماعية. وفي المقابل، تبدو تلك الأولويات من جهة البعض من القوى المحسوبة على المعارضة تُركز على قضايا ثانوية مُرتبطة بحسابات ضيقة، تبدأ بالتشكيك في أداء الحكومة، ولا تنتهي عند الدعوة إلى التظاهر بخطاب شعبوي تتشكل فيه المواجهة والتحالف تبعا لقرب أو بعد الاستهداف السياسي ومقاربته المتصلة بالتطورات المُرتقبة. ويعكس هذا المشهد خارطة من الاشتباكات السياسية، يسعى كل طرف إلى محاولة الإمساك بخيوطها حتى يتفرغ لاحقا لإدارتها، تهدئة بحسب الخطاب الحكومي، أو تأجيجا وفقا للمعارضة التي تدفع بمقتضيات مصالحها التي لا ترتهن للحسابات الموضوعية، ولا تخضع للقراءات المتأنية. ومن خلف هذه الصورة المشحونة بضجيج متصاعد، كسر المنصف المرزوقي الصمت الذي التزمه خلال الأشهر الماضية، ليطل على الإعلام، في ظهور بدت دوافعه مُريبة، ما أثار أسئلة وتساؤلات اختلفت في مضمونها، ولكنها أجمعت على أنها تدفع إلى رسم خارطة أطماعه، تبعا لإحداثيات التعويل على موقعه ودوره. وبلغة غلبت عليها إلى حد بعيد مصطلحات ومفاهيم التصعيد، دعا المرزوقي القوى السياسية إلى “التظاهر لدفع السلطة إلى التسريع بإجراء انتخابات بلدية طال انتظارها منذ بدء الانتقال السياسي في البلاد عام 2011”. ولم يكتف بتلك الدعوة التي جاءت في تدوينة نشرها في صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي، وإنما ذهب إلى حد اعتبار أن السلطة الراهنة، “يتضح يوما بعد يوم وفي كل المجالات أنها أعجز من أن تحكم بلدا كتونس”. وقبل ذلك، هاجم المرزوقي الحكومة الحالية، بل أنكر أصلا معرفته برئيسها يوسف الشاهد بعبارات وحركات عكست عبثية خطابه السياسي الذي وقف ولا يزال وراء لغة المواجهة للترويج لمشروعه السياسي، أي حزب “حراك تونس الإرادة”، بالرغم من تعثره المُتكرر، وفشله المُستنسخ من حزب “المؤتمر من أجل الجمهورية” الذي انقسم إلى خمسة أحزاب. وتُثير استماتة المرزوقي على الاستمرار في هذا الخطاب التصعيدي الذي ساهم في تدحرج المشهد السياسي إلى الحد الذي أوصل البلاد إلى الوضع الذي تعيشه حاليا، علامات استفهام متعددة، لا سيما وأن الجميع يُدرك أن مثل هذا الخطاب يرتقي إلى العبث على حافة الهاوية، أو الرقص على صفيح منزلق قد يجرفه قبل أن يصل إلى غيره. ويُمكن القول إن مثل هذا الخطاب التصعيدي، يدخل في سياق البناء على الوهم، من خلال اللعب على متناقضات المشهد السياسي، وبالتالي فهو لا يعكس ميلا نحو العمل السياسي رغبة فيه أو تعويلا على نتائجه، بقدر ما يعكس سعيا إلى تدوير الأزمات التي تُراكم من عبثية محاولاته للتموقع من جديد كلما تغيرت المعادلات التي تُقلص من أطماعه. لكن المفارقة الجديدة التي تُعيد وجودها تبعا لمشهد التموقع السياسي الذي يدفع باتجاه محاولة فرض موازين قوى جديدة تُلغي الخارطة السياسية التي أنتجتها انتخابات أكتوبر 2014، أوتشكيل خارطة جديدة تكون على مقاس بعض الأطماع التي تستيقظ بين الحين والآخر، لم تقتصر على تصريحات المرزوقي الذي يبالغ في اللعب على وتر ارتفاع منسوب التصعيد السياسي.فقد شملت أيضا حمادي الجبالي الأمين العام الأسبق لحركة النهضة الإسلامية، وأول رئيس حكومة ما بعد انتخابات 2011، الذي عاد فجأة إلى دائرة ضوء التصريحات الإعلامية التي شدت إليها الانتباه ارتباطا بتوقيتها الذي جاء بعد أن خفت صوته خلال الفترة الماضية إلى حد التلاشي. وقفز الجبالي هو الآخر بعيدا في افتراض تفاصيل المشهد التالي الذي يلغي ما سبقه، أي نتائج انتخابات أكتوبر 2014، أو على الأقل يوصد الباب أمام ما راكمته من تداعيات سياسية أطاحت إلى حد ما بالأطروحات المتصادمة، وذلك في سياق سياسي جديد أفرز حكومتين كان لحركة النهضة الإسلامية حضور فيهما. وبدا الجبالي في انتقاده للوضع الراهن كأنه على توافق وتناغم مع المرزوقي رغم اختلاف المواقف وتناقضها في أحيان كثيرة التي التقت مع ذلك عند دائرة التصعيد في سياق قراءة سياسية لا تتلاقى ولا تتقاطع مع مخرجات الواقع، وإنما تعكس أحلاما وتمنيات خارج سياق المشهد السياسي العام. وعلى وقع هذا الضجيج المتصاعد، يبدو أن عودة المرزوقي إلى الأضواء لا تعني أن الأمر سيقف عند هذا الحد، أو أن مريدي ومحترفي التوتر سيكفون عن النفخ في جمر التصعيد، بل العكس صحيح، حيث سنرى في قادم الأيام المزيد من مثل هذه المواقف في سياقات مختلفة وتحت عناوين تتشابه في الشكل وإن تباينت جزئيا في المضمون.. كاتب من تونس الجمعي قاسمي :: مقالات أخرى لـ الجمعي قاسمي المرزوقي يلعب على متناقضات المشهد السياسي بخطاب تصعيدي, 2016/11/05 السراج يستبق مؤتمر لندن باجتماع في تونس لترتيب بيته الداخلي, 2016/10/31 خطر الصواريخ المحمولة على الكتف يعود إلى الواجهة في تونس, 2016/10/29 معركة سرت تجدد جدل القواعد الأميركية في تونس, 2016/10/28 اتصال هاتفي من الرئاسة ينجح في امتصاص غضب المحامين التونسيين, 2016/10/27 أرشيف الكاتب
مشاركة :