تأسست صحيفة جمهورييت بعد أقل من عام من تأسيس جمهورية تركيا الحديثة، وواصلت الصحيفة تغطية الأخبار على مدى مئة عام تقريباً. ورغم اعتقال تسعة من موظفيها والمشاكل القانونية المتراكمة ضدها إلا أن الصحيفة العريقة تعهدت بأن لا يسكت صوتها. تأسست صحيفة جمهورييت (الجمهورية) في عام 1924 كداعم أساسي للدولة العلمانية الحديثة التي أسسها مصطفى كمال اتاتورك على أنقاض الإمبراطورية العثمانية. ولكن في السنوات الأخيرة تبنت الصحيفة خطاً قوياً ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم ما وضعها على طريق التصادم مع الرئيس رجب طيب إردوغان. و اليوم السبت (5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) أمرت السلطات التركية باعتقال تسعة صحافيين ومدراء تنفيذيين في الصحيفة من بينهم عدد من أبرز الصحافيين في تركيا مثل رئيس تحريرها مراد سابونجو والكاتب الصحافي المناهض لإردوغان قدري غورسيل ورسام الكاريكاتير موسى كارت. وهم متهمون بالارتباط بالمتمردين الأكراد وبمحاولة الانقلاب التي وقعت في منتصف يوليو/ تموز الماضي. وقالت الصحيفة على صفحتها الأولى في رسالة إلى الحكومة "سيذكركم التاريخ بالعار". ونظم أنصار وموظفو الصحيفة وقفة تضامنية مع زملائهم وحملوا نسخاً من عددها الأخير. وقال الكاتب ايدين انغين أحد الموظفين الذين افرجت عنهما المحكمة ووضعتهما تحت المراقبة "ان هذه القضية سخيفة وليس ذلك فحسب بل هي غير أخلاقية". وقال في تلاوة لرسالة رئيس التحرير "ننحني أمام شعبنا وقرائنا. ولا ننحني أمام أي شخص آخر". "بيئة عدائية" تملك صحيفة جمهورييت مؤسسة تضمن استقلاليتها رغم انها لا تضمن أمنها المالي بعكس العديد من الصحف التركية التي تملكها شركات صناعية كبيرة والتي تكون وفق الناقدين أكثر عرضة للتأثر بنفوذ الحكومة. وعلى عكس الصحف الاخرى فان جمهورييت لا تفرد الكثير من المساحة لأخبار المشاهير وصور نجوم الدراما التركية اثناء اجازاتهم، بل تولي اهتماما أكبر بالفنون. ويعود تاريخ عدد من الصحف المحلية وذات الاهتمامات الخاصة في تركيا الى الحقبة العثمانية، إلا أن جمهورييت هي اقدمها الصحف الرئيسية. وتوزع الصحيفة ما يزيد عن 50 ألف نسخة، ولكن تأثيرها كصوت مستقل كان كبيراً جداً. واتخذت الصحيفة قراراً مهماً في فبراير/ شباط 2015 عندما عينت وبعد سنوات من النزاعات الداخلية، الكاتب المعروف ومخرج الافلام جان دوندار رئيساً للتحرير. واخذ دوندار الصحيفة باتجاه اليسار ودفعها الى تبني خط مناهض للحكومة، وفي مايو/ أيار 2015 نشرت الصحيفة على صفحتها الأولى خبراً تقول فيه إن الحكومة ترسل أسلحة إلى المسلحين في سورية. وحذر إردوغان دوندار بانه "سيدفع ثمناً باهظاً"، وفي مايو/ أيار 2016 صدر بحق دوندار حكم بالسجن لمدة خمس سنوات وعشرة أشهر بتهمة الكشف عن أسرار الدولة. وصدر بحق مدير مكتبه في أنقرة ارديم غول حكم بالسجن خمس سنوات. كما ان دوندار مطلوب في القضية الحالية ضد جمهورييت. ولكن وبانتظار صدور حكم الاستئناف في الحكم الصادر بحقه، تمكن دوندار من الفرار إلى المانيا، وتعهد من هناك بإنشاء وسيلة اعلامية جديدة ناطقة بالتركية. كما أثارت الصحيفة غضب السلطات في مطلع 2015 من خلال إعادة نشر رسم كاريكاتير للنبي محمد عقب الهجوم على صحيفة شارلي ايبدو الفرنسية في باريس. واستقال دوندار من منصبه رئيساً للتحرير في أغسطس/ آب 2016 وقال إن العودة الى تركيا لمواجهة القضاء "بمثابة وضع راسي تحت المقصلة". وفي 2015 منحت منظمة "مراسلون بلا حدود" الصحيفة جائزة حرية الصحافة تكريماً لجهودها في الدفاع عن حرية الإعلام "في البيئة التي تزداد عدائية، ولتغطيتها الشجاعة" للأحداث.
مشاركة :