النسخة: الورقية - دولي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يتهم السعودية وقطر في لقاء تلفزيوني مع قناة «فرنسا ٢٤» بدعم الإرهاب في بلاده. انتهت الجملة الافتتاحية، ومن نهايتها سأبدأ الحديث. من الواضح أن المالكي يعمل في الوقت الراهن على تمديد فترة بقائه في كرسي رئاسة الوزراء العراقية لأطول مدة ممكنة. هل محاولات سحبه وطرقه لفترة تربعه على صدر العراقيين متعلقة بغريزة حب السلطة والاستئثار بنشوة صاحب القرار النافذ الأوحد، أم برسالة طائفية معينة مطلوب منه حملها وتمريرها بما يخدم مصالح جهات غير عراقية، أم تتعلق بأجندة خفية هدفها رسم حدود وسياسات المنطقة على المدى المتوسط والبعيد؟ لا يمكنني الجزم، ولا أستطيع الانحياز إلى أي من الأسباب الثلاثة بشكل كامل، لكن ما أعرفه، وما أنا متأكد منه أن البقاء في السلطة ورسم وتنفيذ قرارات السلطة التنفيذية بالقوة أو بالخيار في أي مكان بالعالم يحتاج إلى جدر حماية. النظم الديموقراطية ذات الأجهزة الفاعلة ديموقراطياً تحميها صناديق الاقتراع التي جاءت بها للحكم، والنظم الدينية يحميها جدار الاستئثار بكلمة الله واحتكار تفسيرها وإعادة تدوير الأوامر الإلهية والنطق الرسولي بما يخدم المصالح الاقتصادية والسياسية والمجتمعية للنخبة الحاكمة، والنظم الديكتاتورية المستبدة تستند في وجودها إلى جدار القمع والبطش واستخدام القوة في إسكات أي صوت معارض، أما النظم الأوليغارشية التي تصرف كل خيرات البلاد لفئة معينة من دون غيرها من الفئات الأخرى، فتحتمي بجدار «تجهيل» الشعب وإظهاره دائماً بمظهر العاجز عن إدارة شؤونه بنفسه، وقصر المعرفة السياسية والوصاية المجتمعية على الفئة الأوليغارشية. هذه بإيجاز جدر الحماية التي تضمن سير المركبة التنفيذية في أي نظام حكومي عالمي، لكن لا وجود لهذه الجدر في العراق حالياً، فنوري المالكي ليس قادراً على لبس طاقية صدام حسين الديكتاتورية والتعامل مع مخالفيه بلغة البطش والقمع، لأن الواقع العراقي الحالي يمنع ذلك، لثلاثة أسباب: الأول يتمثل في أن ذلك يتعارض مع البرنامج السياسي الذي يتبناه المالكي في الوقت الحالي والمتمثل في خصوعه «الاسمي» لمشروعية النزال الحزبي على مستوى البرلمان أو أجهزة المجتمع المدني، والسبب الثاني يتعلق بالصيرورة التاريخية، فالشعوب «الموحدة بالسلاح» التي تتخلص من نظام سلطوي قمعي تتحول تحت مظلة الحرية المفاجئة إلى تيارات وقوى عدة يستحيل معها تفعيل سياسات القمع والبطش الشاملة، أما السبب الثالث الذي يمنع المالكي من لبس طاقية الديكتاتورية المطلقة فهو حرصه على إبقاء خط تواصل مع القوى الغربية التي يمكن أن تسحب اعترافها بشرعيته إن مارس مثل هذا السلوك الصدامي. المالكي أيضاً لا يستطيع الاحتماء بجدار الدين، فهو غير قادر على «إمامة» الشعب العراقي وتخديره بالفتاوى الدينية والفرامانات المقدسة، لأنه من جهة ليس مرجعاً دينياً تخضع له الرقاب، ولأنه من جهة أخرى عاجز عن كسب ولاءات المرجعيات الدينية العربية في العراق، التي يمكن - في حال اتحادها معه - القيام بهذا الدور نيابة عنه. وهو أيضاً غير قادر على ركوب موجة الأوليغارشية وتجهيل فئات الشعب العراقي، لأن ذلك غير متحقق بسبب طبيعة الشعب العراقي. وهو بالضرورة غير قادر على الاستناد إلى جدار صناديق الانتخابات النزيهة، وأشدد على كلمة النزيهة، لأنه يعي أن في ذلك - إن فعل - خروجاً من اللعبة السياسية المحلية برمتها. الأمر الوحيد الذي يستطيع فعله المالكي في الوقت الراهن اختراع الأعداء في الداخل والخارج، لخلق معادل موضوعي لوجوده في السلطة، هو الآن يبني جدره الخاصة ليس إلا في محاولة لتمديد وجوده في السلطة، لأحد الأسباب الثلاثة في بداية هذه المقالة أو لغيرها. داخلياً، فكر كثيراً ثم قدر، ثم اختار الهجوم على الأنبار واتخذها عدواً داخلياً بحجة محاربة الجماعات الإرهابية فيها في هذا الوقت تحديداً، على رغم أن الوقائع النظرية تقول إن الإرهابيين موجودون في العراق منذ سقوط صدام حسين، وها هو اليوم يسير بالعراق - لأجله شخصياً - إلى المآل السوري. وخارجياً، أدار نظرته على الخريطة المحيطة ببلده، فلم يجد عدواً «مناسباً» يتخذه غير السعودية، فاتخذها كذلك. هكذا بكل بساطة! * كاتب وصحافي سعودي toalhayat@hotmail.com
مشاركة :