الليبراليون العرب حيّروا عقلي معهم، فمن ناحية تكوينهم، فهم خليط من مجاميع شتى يمثلون تيارات متناقضة لو اجتمعوا في غرفة واحدة، فإن سيارة الإسعاف لا بد أن تكون على أهبة الاستعداد. ومن ناحية أخرى، تراهم يدعون إلى الديموقراطية والحريّة والعدالة، مجموعة القيم التي يدعو لها كل عاقل محترم، ومع ذلك فهم أول من يشجّع الانقلابات العسكرية ويقف مع الديكتاتوريات حين ينجح خصومهم في الانتخابات. الليبراليون العرب، هم نادٍ مفتوح لكل من هبّ ودبّ من أجل تسلم بطاقة العضوية التي كتب فيها، ممنوع دخول الإسلاميين، تلك هي عقدتهم الرئيسيّة والتي تجمعهم رغم أن قلوبهم شتى، ليس مهماً أن تكون مسيحياً ملتزماً ولا يهودياً ولا حتى بوذياً، المهم ألا تكون إسلامياً، هذا هو العامل المميز الوحيد لليبراليين. الدكتور فؤاد زكريا، أستاذ الفلسفة الذي عمل في جامعة الكويت منذ العام 1974 ومنها أخذ شهرته، كان أول من أعطى الدليل الملموس على الحيرة التي تشبّع بها عقل الليبراليين العرب. فقد وقف زكريا ضد العملية الانتخابية الحرة في الجزائر، وأيّد الانقلاب العسكري في نهاية 1991، واستغل قدراته المميزة في الفلسفة لصياغة المصطلحات الإعلامية التي تهدف إلى خلق معايير تبدو منطقية لتبرير التخلي عن الديموقراطية. ومنذ ذلك التاريخ أصبح لدى الليبراليين العرب هاجس يسمى الانتخابات، وأصبحت كل أدبياتهم تُنادي بالديموقراطية والمشاركة وتكوين الأحزاب لكن بشروط خاصة، شروط أبسط ما يقال عنها أنها تعكس كمية النفاق السياسي الذي يمكن أن يُصاحب العملية السياسية من أجل استخدام القيم الليبرالية للوصول للسلطة. لم يعد الليبراليون يحبون الانتخابات بل أصبحوا أقرب إلى الحكم الفردي والحكم العسكري وانقلبت قواعد اللعبة السياسية في عالمنا العربي. فالإسلاميون الذين يمتلكون الشارع، يطالبون بالانتخابات، والإسلاميون الذين لا يملكون جزءاً كبيراً من الجماهير، يتقربون من السلطة، والليبراليون ينامون في حضن السلطة بينما يطالبون بالديموقراطية وتبادل السلطة في الاعلام. ألم أقُل لكم أن التيار الليبرالي يثير حيرة أكثر العقول اتزاناً... اليوم تبرز على الساحة، عقول ليبرالية محافظة تملك قيم الإسلام والغيرة على عقيدته، وهي أيضا تؤمن بالليبرالية السياسية في عناصرها الرئيسيّة، تبادل السلطة والانتخابات الحرة وتكوين الأحزاب. هذه الليبرالية لو توسعت لردمت الهوة بين أبناء المجتمع العربي، ولأزالت التناقضات بين المفهوم والتطبيق في كل الأحزاب العربية. كل ما نتمناه أن تتوازن التيارات السياسية في عالمنا العربي من أجل أن تصبح مدارس تُعلّم الديموقراطية لأبنائنا، بما يخلق مجالاً عاماً للممارسة السياسية السليمة. kalsalehdr@hotmail.com
مشاركة :