مرض الكبد الدهني "FLD - Fatty liver disease" هو مرض صامت، بشكل عام، ليست له أعراض، وخصوصاً في مراحله الأولى، وقد كان ينظر إليه في السابق على أنه من الحالات الحميدة دائماً، ولكن الآن الأمر ليس كذلك، فقد تبدأ الحالات بسيطة، ولكنها من الممكن أن تتقدم وتتفاقم إلى تليف الكبد وسرطان الكبد، وهي عملية قد تستغرق بضع سنوات، وهو الوباء القادم والمرشح بقوة لتهديد حياة المصريين بصفة خاصة بعد القضاء على فيروس "سي" نتيجة قلة الحركة، وعدم ممارسة الرياضة بانتظام، وتناول الوجبات السريعة المحتوية على الدهون، وعدم تناول الفواكه والخضراوات. يعتبر الكبد المركز الرئيسي لعملية تمثيل المواد الدهنية، وجود كمية معينة من الدهون في الكبد هو أمر طبيعي، فالجدير بالذكر أن الكبد السليم يحتوي على أقل من 5% من وزنه دهنيات، هذا ويعتبر الكبد متشحماً (دهنياً) إذا زادت نسبة الدهون فيه على 5% من وزنه، وقد تزيد هذه النسبة كثيراً في الكبد الدهني، وقد تصل أحياناً إلى 40%. وهناك دائماً فرصة لترسيب الدهون به لولا وجود ما يسمى العوامل المزيلة للدهون التي تعمل على إزالة الدهون المترسّبة في الكبد "lipotropic agents"، وأهم هذه المواد مادة تسمى الكولين Choline، وهناك مواد أخرى مثل: الميثيونين، وفيتامين بي 12، وحمض الفوليك، وفيتامين ج، والليسثين، وهذه المواد بعضها يحتوي على الكولين، أو تستخدم في تكوين الكولين. نقص هذه المواد في الجسم يتيح الفرصة لتراكم الدهون بالخلايا الكبدية فتحدث حالة الكبد الدهني، وفي هذه الحالة، فإن الدهن الزائد الموجود داخل خلايا الكبد يكون على صورة جلسريدات ثلاثية Triglycerides، وتترسب هذه الدهنيات داخل الخلايا، وتتجمع بالتدريج حتى تكاد تملأ الخلايا الكبدية كلها. هناك نوعان من مرض الكبد الدهني: الأول هو الناتج عن الكحول، والآخر هو غير الكحولي. السبب المباشر وراء الكبد الدهني الكحولي هو الإفراط في استهلاك الكحول، ومن أشهر من أصيب به تيمور لنك الرهيب سلطان التتار، حيث تزعم بعض الروايات أنه مات بفعل مستحضر معمول من تقطير الخمر صنعه له أطباؤه بناء على أوامره؛ ليقاوم البرد حيث أذاب كبده، وهو الحاكم الذي تباينت الآراء حوله بين من اتهموه بالتشيع، ومن رأوا فيه سُنياً مخلصاً، ومن أخرجوه خارج الملة الإسلامية تماماً، وهذا ينقلنا إلى مرض لا يقل عن المرض الذي نتحدث عنه وطأة وهو تقديس الحاكم ورفعه إلى دائرة الألوهية أو الهبوط به إلى أسفل سافلين لدى العوام، والعوام كما يعرفهم عبد الرحمن الكواكبي في "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد": هم قوة المستبد وقوته، بهم عليهم يصول ويطول، يأسرهم فيتهللون لشوكته، ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم، ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً، وإذا قتل منهم ولم يمثل يعتبرونه رحيماً. تيمور لنك صورة للحاكم البراغماتي الذي يقتل ويذبح ويمثل بخصومه، ومع ذلك فهو يحمل قسطاً وافراً من الفصام يجعله لا يفارق صلاة الجماعة، ويبني المساجد وهي صورة شديدة الارتباط بالعصور الإسلامية المختلفة، إلا أننا دائماً ما نظلل من التاريخ ما نشاء، ولا ننظر بموضوعية، فكما أسر تيمور لنك السلطان العثماني بايزيد في أنقرة، ووضعه في قفص، وأسر زوجته الأميرة الصربية أوليفيرا لازاريفيتش وأجبرها على الرقص عارية في قصره احتفالاً بنصره على زوجها -ولهذا وصم بالتشيع ومحاربة السنة!- فعل من الأفاعيل المنكرة بطوائف أخرى بشكل لا يقل وحشية عما فعل ببايزيد وزوجته فذبح سكان دلهي بالكامل من أجل نشر الإسلام والقضاء على الهندوسية!! كما دمر بغداد للمرة الثانية، وأمر جنوده بحصد رؤوس المسيحيين في العراق. الطريف أن هذا الرجل شديد الدموية اختار قبر عائلته ليكون بجوار قبر قثم بن العباس بن عبد المطلب، ابن عم الرسول، كما بنى مسجد بيبي خانوم على 450 عموداً من المرمر، واستخدم في البناء مائة فيل هندي، وله أشعار إسلامية صوفية مكتوبة، وكان لا يفارق صلاة الجمعة، ويصلي قائماً رغم عرج ساقه! أما الكبد الدهني غير الكحولي فهناك عوامل خطر تقف وراءه، تشمل ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم، وارتفاع ضغط الدم، ومع انتشار السمنة -خاصة تراكم الشحوم في البطن؛ لأن الخلايا الدهنيّة في البطن تكون مقاومتها للإنسولين أكبر، وتكون مجاورةً للكبد، ويمكن تحديد سمنة البطن عن طريق قياس محيط الخصر- ومرض السكر من النوع 2، مما يؤدي إلى مقاومة الجسم للإنسولين، وما يتبع ذلك من زيادة مستوى الأحماض الدهنية الحرة في الدم، ارتفاع هرمون اللبتين في الدم (سمُي بهذا الاسم نسبةً للاسم الإغريقي "ليبتوز" يعني رفيعاً أو نحيفاً، وهو هرمون تنتجه الخلايا الدهنية؛ حيث يرسل إشارات كيميائية للحد من الرغبة في الطعام واستهلاك الطاقة المخزنة في الجسم على شكل دهون)، يظهر عند المصابين بالسمنة ومرض السكري النوع "2"، مما قد يساهم في تلف الكبد، كما أن انخفاض مستويات هرمون أديبونيكتين في الدم -تنتجه الدهون تحت الجلدية لتنظيم استهلاك الدهون والسكريات بالإضافة إلى تأثيره المضاد للالتهابات في بطانة الأوعية الدموية- له ارتباط مع وجود مرض الكبد الدهني غير الكحولي ومع التليف الكبدي. ولا بد من الإشارة إلى خطورة زيادة تناول سكر الفركتوز -تتم إضافته إلى الكثير من الأغذية المصنعة كمادة تحلية، وفي المشروبات الغازية، وشراب الذرة- إذ إن تراكم الدهون الثلاثية الناتجة عن أيض الفركتوز في خلايا الكبد من شأنه إتلاف خلايا الكبد. ومن عوامل الخطر الأخرى التهاب الكبد الفيروسي وفقدان الوزن السريع وسوء التغذية واستعمال المريض الكثير من الأدوية، مثل أقراص منع الحمل، تناول بعض الأدوية الّتي تعمل على تثبيط الجهاز المناعي عند الأشخاص المصابين بأمراض المناعة الذاتيّة (مثل الميثوتركسات)، إضافة إلى استخدام العلاج الكيماوي في علاج بعض الأورام (مثل الفلورويوراسيل وفئة مركبات البلاتين)، حيث تتضاعف فرص الإصابة بالكبد الدهني مع استعمال هذه الأدوية لفترة طويلة. المبالغة أيضاً في استهلاك المواد الكربوهيدراتية تهدد بالإصابة بالكبد الدهني؛ حيث تختزن في البداية في صورة جليكوجين ثم لا تلبث الزيادات أن تتحول إلى جلسريدات ثلاثية. وقد كشفت بعض الدراسات الحديثة عن أن الخلل في أنواع البكتيريا المعوية وأعدادها يلعب دوراً بارزاً، حيث لوحظ زيادة في نمو البكتريا المعوية عند مرضى التهاب الكبد الدهني غير الكحولي بالمقارنة مع الأشخاص السليمين، بالإضافة إلى زيادة نفاذية الأمعاء لدى هؤلاء المرضى، الذي قد يكون مرتبطاً بالنمو الزائد للبكتريا في الأمعاء الدقيقة. وقد يظهر الكبد الدهني الحاد في الأشهر الثلاثة الأخيرة عند السيدات اللواتي لم يسبق لهن الحمل، وخصوصاً في حمل التوأم، مما يؤثر سلبياً على الأم والجنين معاً. في الغالب لا تكون هناك أعراض واضحة للكبد الدهني، وقد يعاني المريض من آلام في الجزء العلوي الأيمن من البطن، وتظهر على المريض علامات التعب والإرهاق، وقد يظهر اصفرارٌ في العين، ويتمّ اكتشاف الكبد الدهني من خلال الفحوصات الروتينيّة من خلال ارتفاع إنزيمات الكبد، كما أن الأشخاص البدناء المصابين بالتهاب الكبد الدهني غير الكحولي يظهر لديهم مستوى مرتفع من بروتين C - reactive protein في الدم، وهو أحد العوامل الالتهابية، مقارنة بالأشخاص البدناء غير المصابين بالتهاب الكبد الدهني غير الكحولي. يعتمد علاج الكبد الدهني في المقام الأول على السبل الوقائية، كتجنب السمنة المفرطة، خصوصاً المتركزة بمنطقة البطن، الإنقاص التدريجي للوزن ولكن ليس بشكل مفاجئ، أي بمعدل يتراوح بين 4 و6 كيلو شهرياً فقط، وهو العلاج الأفضل والأكثر فاعلية، وغير هذا العلاج من محاولات علاجية تعتبر جيدة، ولكنها ليست بحل أفضل وأنجح من تخفيف الوزن، إلى جانب ممارسة الرياضة التي تسهم في زيادة استجابة الجسم للإنسولين. أما ما يخص العلاج الدوائي، فالدراسات ما زالت في طور البحث لتقييم دور العوامل المخفضة لمستوى الدهون والعقاقير التي تزيد من تأثير الإنسولين، مثل "روزيغليتازون" و"بيوغليتازون" الخافضين من مقاومة الجسم للإنسولين، وهو السبب الرئيسي للكبد الدهني، إلا أن نتائجهما غير واعدة، خاصة بعد أن ربطت وكالة الغذاء والدواء بين الروزيغليتازون وحدوث مشكلات في القلب، مما أدى لتوقفه. كما أظهرت بعض الدراسات أن عقار "بيوغليتازون" لم يسهم في تحسين حالة المصابين بالتهاب الكبد الدهني غير الكحولي من غير المصابين بمرض السكر. ومن الأدوية الأخرى التي تشير بعض الدراسات إلى أنها قد تكون علاجاً فاعلاً عقار "ميتفورمين" الشهير والمستخدم في علاج مرض السكر؛ حيث يعمل على تخفيض امتصاص الجلوكوز من الأمعاء، ويعمل على تحسين الإنسولين ورفع كفاءته، فتقل الأحماض الدهنية، إلا أنه لا توجد دلائل كافية لاستعماله. توجد بعض المواد التي تحمي خلايا الكبد بشكلٍ عام، مثل: الأروثوديكس، وغيرها، هذه المواد معروفة بحمايتها للكبد من السموم، بالإضافة إلى أهمية مضادات الأكسدة مثل الفيتامين C والفيتامين E والفيتامين A، والتي تساعد في الحفاظ على خلايا الكبد، كما ينصح المريض بتناول الخضراوات الطازجة والفاكهة، حيث تحتوي على الكثير من مضادات الأكسدة، كما توجد أعشاب مفيدة كاليقطين (القرع)، وهو غني بفيتامين "بي" ومادة الكولين وكذلك بذور الحلبة التي تحتوي على الهلام النباتي والألياف اللازمة لوقاية الكبد من الالتهاب ومصدر للكولين، فضلاً عن أهمية الكركم لاحتوائه على مادة الكركومين الواقية للكبد، بالإضافة إلى الشاي الأخضر الذي بخصائصه القابضة يساعد على القضاء على الميكروبات المتسببة في التهاب الكبد واحتوائه على الثيوبرومين والكاتكينات اللتين تعملان على الوقاية من تلف الخلايا، إضافة إلى خل التفاح إلى السلطات أو إلى ماء الشرب بحد أقصى ملعقتان صغيرتان يومياً يعتبر مفيداً في تنقية الجسم من المواد السامة، وتنشيط خلايا الكبد، كما يساعد في إنقاص الوزن من خلال تنشيط عمليّات الأيض في الجسم، ويحتوي خل التفاح على مضاد الأكسدة (البيتا كاروتين)، فيعمل على إزالة الجذور الحرّة. من أكثر ما يريح الكبد هو استعمال ملعقة صغيرة من زيت الزيتون على الطعام وهو من الزيوت الأحادية غير المشبعة، النتائج الجديدة حول دور البكتيريا في نشوء مرض الكبد الدهني هي الأخرى قد تمخض عنها طرق علاجية إضافية، ومنها استخدام البروبيوتيك (Probiotic)، والبروبيوتيك أو المغذيات الحيوية هي عبارة عن مجموعة من الكائنات الحية الدقيقة (بكتيريا أو خمائر) تعمل على تحسين التوازن الطبيعي للجهاز البكتيري المعوي، بما يعود بالنفع في تحسين تمثيل الدهون بالجسم، وإزالة الكوليسترول والدهون الثلاثية. أما الحالات التي يتفاقم فيها مرض الكبد الدهني ليتحول إلى التليف الكبدي أو إلى ورم بالكبد تكون هنالك حاجة، أحياناً، إلى زرع كبد معافى. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :