لماذا فاز ترامب وخسرت كلينتون؟

  • 11/11/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

روبرت بيري الهزيمة الصاعقة التي منيت بها هيلاري كلينتون تعكس سوء تقدير فادح من قبل الحزب الديمقراطي ، لعمق الغضب الشعبي على نخبة سلطة تهتم فقط بمصالحها الخاصة وتعامل معظم الأمريكيين بازدراء. في المحصلة النهائية، بدت هيلاري كلينتون على أنها تمثل مؤسسة نخبوية، فاقدة لأي صلة بالشعب، في حين برز دونالد ترامب على صورة معبر حقيقي عن سخط شعبي كان يغلي تحت سطح أمريكا. ومن الواضح أن رئاسة ترامب تثير الكثير من المخاوف، خصوصاً أنها ترافقت مع سيطرة الجمهوريين على الكونغرس. إذ إن ترامب وكثيرين من الجمهوريين ينكرون حقيقة التغير المناخي، ويؤيدون تخفيض الضرائب التي يجب أن يدفعها الأثرياء، ويريدون رفع القيود والضوابط عن وول ستريت ( قطاع المال والأعمال ) وعن صناعات نافذة أخرى - وكل هذه السياسات هي التي تسببت أصلاً بالاضطراب الاقتصادي الذي تعانيه الآن الولايات المتحدة والقسم الأكبر من العالم. علاوة على ذلك، أقل ما يمكن قوله بشأن ترامب هو انه شخصية ملغزة تثير الارتياب. فهو يفتقر للخبرة والدراية اللتين يتوقع الناس أن يروها في كل رئيس. وهو يميل إلى العنصرية، والاعتقاد بتفوق العرق الأبيض، والتعصب تجاه المهاجرين، والتحامل ضد المسلمين. وهو أيضا يؤيد ممارسة التعذيب، ويريد بناء جدار عملاق على طول الحدود الجنوبية لأمريكا. ولكن أحد الأسباب التي جعلت كثيرين من الناخبين الأمريكيين يختارونه هو أنهم شعروا أنهم بحاجة إلى قوة تحطم المؤسسة النخبوية التي حكمت وأرست حكم أمريكا طوال العقود الماضية. إنها مؤسسة لم تحتكر كل الثروة الجديدة التي أنتجتها أمريكا فحسب، بل إنها دفعت أيضاً باستخفاف ، الجيش الأمريكي إلى خوض حروب لا لزوم لها، كما لو أن أرواح جنود الطبقات الشعبية لا قيمة لها. وفي السياسة الخارجية، سلمت المؤسسة النخبوية صنع القرار إلى المحافظين الجدد وأصحابهم دعاة التدخلات العسكرية - وجميعهم يشكلون مجموعة نخبوية متغطرسة أخضعت في كثير من الأحيان مصالح أمريكا لمصالح إسرائيل ، وحلفاء آخرين لأمريكا من أجل مكاسب سياسية ومالية. وبالرغم من كل عيوبه، كان ترامب واحداً من الشخصيات السياسية البارزة القليلة التي تجرأت على تحدي المؤسسة، حتى على الجبهتين الساخنتين للصراع الدائر حالياً في سوريا ومع روسيا. وفي المقابل، اختارت كلينتون وكثيرون من الديمقراطيين نوعاً من الكارثية الفجة (الكارثية هي توجيه اتهامات بالخيانة والتآمر من دون اهتمام بالأدلة )، وذهبت كلينتون إلى حد وصف ترامب بأنه دمية فلاديمير بوتين. وإنه لأمر غير عادي أن تكون هذه الأساليب قد فشلت. ترامب تحدث عن تعاون مع روسيا بدلا من المجابهة وبالنتيجة، يشكل انتصار ترامب رفضاً لسياسات صقور المحافظين الجدد، وهي السياسات التي تبلورت في وزارة الخارجية الأمريكية ومراكز أبحاث المحافظين الجدد والصقور، والتي غذتها دعاية تولت نشرها وسائل الإعلام الغربية الرئيسية. وقد كان الغرب، وليس روسيا، هو الذي أثار المواجهة حول أوكرانيا. وبالمثل، استراتيجية تغيير النظام في سوريا شملت التعاون حتى مع مجموعات إسلامية جهادية، بما فيها القاعدة. ورغم أن الرئيس باراك أوباما لم يتحمس لسياسات التدخل التي حملت لواءها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، إلا أن أوباما خضع في النهاية للضغط السياسي، ووافق على تدريب وتسليح المعارضة المعتدلة في سوريا التي انتهى بها الأمر أن أصبحت تقاتل إلى جانب القاعدة و جبهة فتح الشام وغيرهما. وزعماء الحزب الديمقراطي اصطفوا خلف كلينتون وعملوا كل ما أمكنهم من أجل إيصالها إلى البيت الأبيض. ولكنهم تجاهلوا واقع أن كثيرين من الأمريكيين أصبحوا يرون في آل كلينتون تجسيداً لكل ما هو خاطئ في واشنطن الرسمية. وهذا ما أتى بالرئيس المنتخب ترامب. وكانت نتيجة كل ذلك أن الناخبين الأمريكيين دفعوا الآن بالولايات المتحدة والعالم إلى المجهول بانتخابهم ترامب رغم افتقاره للخبرة والدراية في مجموعة كبيرة من القضايا. وهناك أيضاً سؤال ملح وعاجل: هل سيعتمد ترامب على جمهوريين تقليديين سبق أن فعلوا الكثير لتوريط أمريكا والعالم في مشكلات كبرى، أم انه سيأتي إلى البيت الأبيض بواقعيين ذوي تفكير جديد يعيدون ترتيب السياسة في خدمة مصالح الشعب الأمريكي وقيمه؟ * صحفي استقصائي أمريكي - موقع كونسورتيوم نيوز

مشاركة :