الظروف الاقتصادية القاسية التي تمر بها مصر في هذه الآونة قد تؤدي إلى عصيان مدني واسع النطاق، وفي مجتمع يؤيد نحو %75 منه الحكم وفق الشريعة الإسلامية تتزايد فرص السعي لإسقاط النظام، الذي لن يستطيع الاعتماد على قوته الشرطية والعسكرية إلى ما لا نهاية. طرأ شيء سيئ في الآونة الأخيرة على المحور الذي بين مصر والمملكة العربية السعودية، وعلى الرغم من السخاء السعودي الواضح تجاه مصر في العامين الماضيين، عندما نقلت ما لا يقل عن 25 مليار دولار إلى نظام السيسي، فإن رفض مصر المشاركة في الائتلاف الذي ترأسه السعودية والذي يحارب في اليمن، وتصويتها لصالح القرار الروسي في موضوع سوريا، كل ذلك أثار استياء السعودية التي تخشى الهيمنة الشيعية الإيرانية على المنطقة وأدى إلى حدوث صدع بين البلدين، وكانت النتائج فورية، وفي أوائل أكتوبر قررت شركة النفط السعودية الكبيرة أرامكو وقف نقل النفط إلى مصر، حتى إذا أعلنت مصر أن الأمر هو عبارة عن خلاف في الأعمال التجارية، فمن المفهوم أن الأمر يتعلق بعقوبات. الوضع الاقتصادي في مصر سيئ، ففي الأسبوع الماضي أجبر نقص العملة الأجنبية الحكومة على اتخاذ خطوة دراماتيكية: في أعقاب ضغوط صندوق النقد الدولي الذي تسعى مصر للحصول منه على مساعدة بقيمة 11 مليار دولار، قامت مصر بتخفيض قيمة الجنية المصري بما يقرب من %50 مصدر الدخل التقليدي المهم لمصر، وهو السياحة، انهار مع سقوط الطائرة الروسية في سيناء قبل عام. وألغت روسيا رحلاتها إلى مصر، وكذلك ألغت بريطانيا رحلاتها إلى شرم الشيخ، والنتيجة هي كارثة للسياحة، حيث يأتي ما يقرب من نصف السياح من هذين البلدين. العلامة البارزة هي سعر السكر: فإذا كان سعر كيلو السكر في الصيف 5 جنيهات مصرية، فسعره اليوم 11 جنيهاً، وأعلن السيسي: «نحن نختنق، ولكننا سنخرج من هذا»، ولكن الشعب لا يتقبل وعود السلطة. فالسيسي لم يطهر إسطبلات نظام مبارك الفاسدة، وهو يؤسس حكمه على منافع للطبقات القوية. والقطاع القابل للانفجار، شباب مصر، لم يتلقوا علاجاً أسوأ من ذلك: فقد اتخذت قرارات تميزه بشكل سلبي، فعلى سبيل المثال، أنشأ الشباب حركة «عاطلون مع الماجستير» احتجاجاً على إلغاء القانون الذي أعطى الأكاديميين أفضلية القبول للتوظيف في القطاع العام، وعادت المحسوبية، وأرقام البطالة بين الشباب حلَّقت في السماء، والبيانات الرسمية تتحدث عن نسبة %27 من الشباب العاطلين عن العمل، ولكن التقدير هو أن النسبة لا تقل عن %40. لقد أشادت وسائل الإعلام الغربية بالربيع العربي، ولكنها في أغلب الأحيان تجاهلت الحقائق الأساسية: %75 من المصريين يؤيدون الشريعة، أي الحكم الإسلامي، باعتبارها قانون الدولة، و%85 منهم يؤيدون عقوبة الإعدام للمرتد عن الإسلام، كل ذلك يدل على أرض خصبة لقيام الحركات الدينية، كالإخوان المسلمين، وحركة النور السلفية وأولئك الذين بايعوا «تنظيم الدولة» خاصة في سيناء. إن مسيرات الاحتجاج المخططة من شأنها أن تؤدي إلى عصيان مدني واسع النطاق، يحاول النظام أن يحارب هذه الظاهرة بالقوة، كما أنه يتهم عناصر أجنبية بتدبير محاولات انقلاب، ومن المشكوك فيه أن تكون ممارسة القوة الشرطية والعسكرية كافية لقمع السكان لمدة طويلة، فالجوعى لا يخافون كثيراً من محاولة إسقاط النظام.;
مشاركة :