عندما عشت في حالي يا أمي

  • 11/11/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

خوف الأم الشديد والمتواصل على أبنائها من كل شيء في الوجود، من السفر في رحلة مع أصحابك، أو العمل بعيداً سواء في بلدك أو بلد أخرى، والخوف يزداد أثناء تأديتك للخدمة العسكرية، خصوصاً بعد الثورة واضطراب الأمن، ويصل الخوف إلى قمته عندما تجد اعتراضاً منك على حكومتك أو رئيسك قائلة: "يا ابني.. إحنا مش أد الحكومة"، تلك الكلمات التي تخرج بأشكال مختلفة من بيئة لأخرى، ولكنها تحمل معنى واحداً أننا لا شيء أمام قوة الحكومة. وعندما تجدك مصرّاً على السير في طريق ترى بقلبها بداية هلاكك غالباً تقول: "يا ابني.. عيش في حالك، واسكت مش انت اللي هتغير الكون)، والشاب يخاف على غضب الأم، أو ست الحبايب كما سماها الفن المصري، ويرجع للقرآن فيجد قول الله عز وجل: "فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما"، فيسكت الشاب ويعيش في حاله ويسمع الأخبار، فيصاب بالحزن على ما وصل إليه بلده من ارتفاع الأسعار وانهيار في الاقتصاد والتعليم والصحة وإعلام كاذب ينشر الفتن، ويحرض على العنف، ويصفق دائماً للنظام الذي وصل بنا إلى القاع. يعود الشاب إلى أمه متحدثاً في هدوء واحترام: عشت في حالي فرفضوا! (إزاي يا ابني؟!) في الصباح عندما أذهب إلى المدرسة أشعر بمعاناتك، فالمواصلات في ارتفاع مستمر، وأنت لا تبخلين عليَّ بشيء، وفى المدرسة أتلقى أسوأ تعليم، وفي النهاية لا أجد وظيفة تماماً كإخوتي لم يعمل أي منهم بمؤهله الدراسي، وعندما مرض والدي واحتاج لإجراء عملية جراحية، لم نجد مكاناً لنا في التأمين، وقمنا ببيع كل ما نملك لإجراء العملية في مستشفى خاص، وعندما أفتح التلفاز أجدهم يبعثون برسائل لنقاتل كل من خالفهم في الرأي. إن كنت لا أفكر وأعقل الأمور لاندفعت خلفهم ورددت كلامهم كما يفعل الكثير، وألتمس لهم الأعذار، فكل شيء موجه ضدهم لإحداث تشويش على تفكيرهم، فالفن موجه بأغانيه وأفلامه ومسلسلاته أننا خير جنود الأرض، وأننا نملك أذكى طفل في العالم، وأننا لا نتحمل فراق بلدنا، وفي الواقع الشباب يهرب بكل الطرق المتاحة الشرعية وغير الشرعية، ألم تشاهدي مركب رشيد؟ كلها رسائل نشرها الإعلام والفن الهابط الذي ينقل من الخارج دون أدنى إبداع على مدى سنين؛ لضمان بقائهم وبقاء النظام الذي يحميهم ويشجعهم. يا أمي.. عشت في حالي ظنوا أنني جاهل وساذج ومتأثر بإنتاجهم الفاشل، وكثير من أصدقائي مثلى يفكرون، وسنعمل على فضح كذبهم، ونشر الحقائق للناس، سنواجه رسائلهم، وعندها لن يكون لهم مكان ولا لنظامهم الفاشل، حتى الدعاة يا أمي، فجأة ينتجون أفلاماً ويبدعون في الغناء، ولكن في عالم آخر، ويدعوننا إلى الصبر والفرج قريب، وعندما نحدثهم عن التنوير والتغير، يقولون إننا دعاة ولا علاقة لنا بالسياسة، إذن لماذا ولصالح مَن يدعوننا للصبر والعمل؟! لصالح نظامهم الذي يقوم بحمايتهم وتوفير المناخ المناسب لذرع أفكارهم التي لا تغني ولا تسمن من جوع في الشباب تحت راية التجديد. أمي العزيزة.. دمرونا صحياً ونفسياً وعلمياً، ووجهوا الجهلة لتشتيت فكرنا في قضايا تُحدث تداخلاً في الثقافات، وتجعل شبابنا أكثر حيرة، فالفنان الحقيقي لا يقف في وجه الحق، ولا ينقل عن غيره دون إبداع حقيقي، والداعية يجب أن يتجه للقضايا التي تفيد الشباب، فالدين لا يحتاج لفلسفة، وأرجو منك يا أمي العزيزة السماح لنا بمواجهة فكرهم العقيم والفاسد بفكر إبداعي وصالح، دون عنف ولا مؤامرات. إذن تريدون الثورة مرة أخرى؟ لا يا أمي لا فائدة من ثورة دون التخلص أولاً من التداخل الثقافي والفكر الفاسد الذي زرعته الأنظمة الفاسدة على مدار عقود طويلة، وبعدها سيعرف كل فرد ما له وما عليه، ولن يسمحوا بنمو ديكتاتور على أرضنا. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :