في الطريق إليه حاولت تصور الأسئلة التي سأطرحها ضمن اللقاء، وكيف سأشاكسه كي أصل إلى إجابات خارج السياق المألوف، ثم تضاربت الأفكار وتشابكت الخيوط أكثر، لكني عند ميناء آخر لازلت أحاول لملمة بعض البديهيات التي أعرفها عن المقاهي الثقافية، تلك التي سبق واطلعت على تجربتها فيما قرأت من المجلات أو الجرائد، فما الجديد الذي يمكن أن يقدمه رسام الكاريكاتور البحريني وصاحب مقهى – مشق آرت غاليري علي البزاز في هذه التجربة ذات الشق الاستثماري / الثقافي المزدوج؟ بلغته حيث هو في بيته الثاني، يتنقل من مكان لآخر في المقهى، يتفقد تفاصيل المكان، يصغي لوشوشة اللوحات وصخب ألوانها، يتبادل أحاديث ودية سريعة مع رواد المكان، يرتب بعض الكتب فوق الأرفف، ينقل بعض الأغراض وهكذا، أستقبلني بابتسامة طيبة مرحبة، شربت قهوته فكان لي معه الحوار التالي: •ألا ترى أن تجربة مشروع مقهى ثقافي "مغامرة" في بلد عربي الثقافة ليست على سلم أولوياته؟ ـ أنظر.. مشروعي هذا بالأساس يـُـعد مغامرة بالفعل. أنا أتفق معك، فأنا لسـتُ رجل أعمال، ومجال كهذا جديد على الجو في مملكة البحرين، لأن الناس غير معتادة على هذا النوع من المقاهي، أنت تطرح تجربة وكل العيون تراقبك. •الفكرة التي عندك كيف تقدمها للناس بشكل صحيح؟ وكيف أنت ها هنا تضيف لمستك؟ ـ بالنسبة لي قبلت هذا التحدي وقررت بعد سنوات تنفيذ الفكرة من مجرد كونها كذلك إلى واقع حي يتنفس. وها أنت ترى .. وجدت الاقبال من المثقفين والتفاعل الايجابي وبدأنا نعمل معا والحمد لله، العمل مستمر حيث هناك فرص جيدة متاحة نستطيع من خلالها تحريك الراكد الثقافي في ساحتنا المحلية، بل تجاوزنا ذلك كما ترى أمامك، جزء كبير من اللوحات المعروضة في المقهى لفنانة تشكيلية سعودية، وفرنا لها الفضاء المفتوح بالمقهى كما نوفر دورات وورش فنية في الرسم بأسعار مناسبة لكل من يحب، هنا عندك مساحة مفتوحة للجميع حيث الكل يتنفس الثقافة. •المثقف بمعنى آخر مستعد لتقبل فكرة المقهى الثقافي لكسر روتينية الساحة؟ أنت هنا .. أتراهن على مزاجية المثقف؟ هي مراهنة محفوفة بالمخاطر، ألا تراها كذلك؟ ـ تقبل المثقف من هذه الناحية من عدمه لا يقلقني أو يشكل هاجسا بالنسبة لي ولستُ أراهن على مزاجية هذا المثقف ولا انتظره! أنا لديَ رؤيـة أعمل وفقها، جزء من كوني صاحب مقهى عليَ ان أحسن التفكير في استراتيجيات النجاح كي أقدم الجديد، أنا لا أبيع الشاي أو"المعسل" كأي مقهى تقليدي، بل أخلق فرص وأدعو الناس إلى التعاطي مع الثقافة، الشريحة التي أستهدفها في رؤيتي تتجاوز المثقفين، تضم الرسامين والموسيقيين والشعراء وصولا إلى هذه الجماعات الأدبية ذات الطابع الشبابي، كل هؤلاء شركائي في نجاح مشروعي. •برأيك .. الحراك الثقافي اليوم في البحرين أيحتاج لمثل هذه المبادرات الاستثمارية؟ وهل تضيف إلى رصيده أم هي عبءُ عليه؟ ـ أيما بادرة هنا أو هناك لاشك تضيف إلى الساحة مهما صغر حجمها وتأثيرها، من متابعتي لمست أن هناك نقصا في الأماكن المفتوحة للمثقفين لإقامة الفعاليات الثقافية والفنية، فسعيت بفكرة هذا المشروع كي أسد بعض النقص الحاصل بغية توفير مكان للقاء بلا حواجز، مكان يجمع المثقفين على مختلف مشاربهم. هنا في المقهى ولدت أفكار ومشاريع كثيرة إنطلاقا من طبيعة الجو، لذا هناك جدوى، هذه المبادرات تساهم بتحريك الساحة بشكلٍ ما، وضعنا الثقافي راكد لأسباب وعوامل مختلفة لا أريد الخوض فيها، وطبعا تحتاج أنت لأكثر من مجرد مقهى، تحتاج مبادرات أخرى، فالوضع المثالي يحتاج رؤية ممنهجة وبيئة وإمكانيات يمكن أن نبني على أساسها خطاب ثقافي يتمتع بصحة أفضل. •طموحك الشخصي بالنسبة لهذا المشروع؟ وهل هناك جهة ثقافية رسمية دعمت توجهك؟ ـ طموحي الشخصي بالنسبة لهذا المشروع الآن مرحليا خطوة خطوة، المقهى لن يتعدى حدود إمكانياته، لكن أحرص الآن على تغطية الكلفة التشغيلية من جانب استثماري وبذات الوقت أسد النقص والفراغ في الساحة. وكما أشرت منذ قليل؛ أريد لهذا المكان أن يكون منطلق لمشاريع ومبادرات لها قيمتها بحيث تخرج عن الإطار الروتيني السائد في فعل الثقافة. أنت هنا تريد رؤية أجيال جديدة تتعاطى الخطاب الثقافي وتتفاعل مع الآخرين. أنت ترى هناك ركنا للمكتبة، نحن نهدف إلى هدم هذه الحواجز بين القارىء والكاتب، نخلق تفاعلا إيجابيا منتجا بين الطرفين، نبيع هذه الإصدارات لرواد المقهى وهناك هامش ربح رمزي للمقهى. أخطط لكي أتوسع أكثر في فكرة المكتبة، من المهم أن يكون الكتاب حاضرا كرفيق وجليس بحيث نحرض القارىء على توسيع رؤيته المعرفية، كما أن المؤلفين حينما يتواجدون في المقهى، فهذا المكان يتحول إلى منتدى ثقافي عامر بالمعرفة والأدب، مشق غاليري فضاء ملون له حنان الوطن وهو للجميع.
مشاركة :