التعليم ودوره في ترسيخ قيم التسامح والإخاء - ثقافة

  • 11/12/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

عالمنا الذي نعيش فيه اليوم مذهل بأبعاده الإنسانية الجديدة. عالم تتقارب فيه الثقافات وتذوب معه الحدود وتتنوع فيه القيم وأنماط الحياة، في مشهد كوني جديد لا سابق له ولا مثيل، أدى بلا شك الى بروز ظواهر اجتماعية جديدة نتاج هذا الانصهار الثقافي. وما أحوجنا اليوم الى تضافر الجهود لكي نتناغم مع هذا التنوع ونسخره لمصلحة أبنائنا. ومع بداية العام الدراسي الجديد، فإن من أولى الأولويات أن نزرع وننمي في وجدان أبنائنا تقبل الاختلاف والتنوع، وضرورة التعايش والتسامح في أعمق دلالاته الانسانية، وهذا يشكل الاساس الحصين للانصهار المجتمعي وتذويب الفروقات وقبول الآخر. فالأجيال الحاضرة، غير قادرة على مواجهة التطرف والغلو لأنها لم تزود بالمهارات والقيم التي تكفل لها ممارسة التسامح وقبول الآخر والايمان بقيم السلام في المراحل الدراسية الاولى. والمناهج الحالية خير شاهد ودليل على ذلك، والنماذج العدوانية القائمة في عالمنا المعاصر أيضا هي الاخرى تولد في نفوس الابناء النزوع الى العنف والكراهية ضد الآخر والانسانية أيضا على حد سواء. ومن أجل ذلك يتوجب على صناع السياسة التربوية العمل على إيجاد استراتيجيات متقدمة لترسيخ دعائم التسامح والاخاء والسلام في عالم متنوع مختلف مريب، تركز فيه على نشر الثقافة التسامحية وتقبل التنوع والاختلاف، ضمن اطر المهارات التربوية القابلة للتطبيق، وخلق هامش من التفكير والنقد والمناقشة بعيدا عن النزعة الإقصائية ومنطق امتلاك الحقيقة المطلقة. باعتقادي فإنه يجب عدم الاكتفاء بإزالة وحذف عبارات معينة واردة في مقرر دراسي هنا أو هناك من دون التنبيه الى وجوب خلق مناهج حديثة مواكبة لعملية الاندماج الثقافي العالمي، ترسخ مفهوم نسبية الحقائق، وتؤكد على تنوع المدارس الفكرية منذ بدء الخليقة، واعتبار ذلك مبدأ طبيعيا وحقا إنسانيا لا إشكال فيه، إضافة الى التركيز على مفهوم التسامح كناتج جوهري من عملية التنوع والاختلاف، وأن ذلك لا يبقى عند حدود تحمل آراء الآخرين ورغباتهم، بل يتطلب احترام هذه الآراء والدفاع عن حقهم بإبداء تطلعاتهم وتصوراتهم حتى وإن لم يقتنع بها. ويجب التفكير أيضا في تأهيل المعلمين والمربين لتعليم فنون التسامح وقبول الآخر وتأصيل قيمه الأساسية عبر ورشات عمل خاصة ودورات متخصصة تمكنهم من نقلها الى وجدان أبنائنا بطرق متنوعة، مع التركيز على ضرورة المعرفة العميقة لمفهوم التسامح بدلالاته ومعانيه ومن ثم امتلاك القدرة على توظيفها وتطبيقها الواقعي في مواقف عملية تتطلب ممارسة فنون التسامح وقبول الاختلاف واحترام الآراء المتباينة. ومن المؤسف اليوم أن المناهج المدرسية تكاد تفتقر الى التربية التسامحية التي هي اساس التقدم والازدهار في المجتمعات المعاصرة، وإن وجدت هنا أو هناك فإنها تقتصر على المعلومات النظرية حول حقوق الانسان والمواطنة بعيدة كل البعد عن التطبيق العملي لهذه المعلومات في مجال الحياة الاجتماعية اليومية والمعيشية للطلبة. وأخيرا، لا بد من التنبيه للدور الحيوي والمساند الذي يجب أن نقوم به نحن أولياء الامور في خلق البيئة الاسرية السليمة لجعل الأبناء يتقبلون مفهوم التسامح والإخاء فبطبيعة الحال لا يمكننا إلقاء الثقل برمته على المدرسة في هذا الجانب، وعلينا جميعا أن ننظر الى هذه التربية بوصفها الحياة الحقة التي يجب أن يعيشها الابناء في كل لحظة لكي نتمكن من بلوغ الهدف المنشود من قبول للآخر والتعايش السلمي معه. ولعلنا يجب أن نحتذي دائما بكلمة لفيلسوف التسامح الفرنسي فولتير إذ يقول: «إنني لا أوافق على ما تقول، ولكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقوله». gm@oic-kw.com

مشاركة :