هناك نكتة في الولايات المتحدة الأميركية، انتشرت منذ خمسة أيام، تقول إن أفلام الرعب فقدت زخمها، ولم تعد مرعبة منذ وصول الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض! المقصود بالطبع أن الحياة الواقعية أصبحت مخيفة أكثر بوصوله إلى سدة الحكم. 10 ملايين دولار غير مستحقة هي ميزانية Shut In، وشاهدنا أفلاماً أفضل بكثير أنتجت بمليون واحد فقط. كيف أنتج فيلم بتلك الميزانية الضخمة، وكل أحداثه تدور في منزل واحد معزول في مزرعة أو ما شابه، وشارع يستحيل أن يكون بعيداً عنه. مفاجأة وحيدة المفاجأة الوحيدة في الفيلم هي قبول ممثلة موهوبة مثل ناومي واتس أداء بطولته. وهذا ما ينطبق على فيلم Shut In أو «المحبوس» عن طبيبة نفسية تدعى ميري بورتمان (ناومي واتس)، تترمّل عندما يتعرّض زوجها لحادث سير، وتعيش بعد ذلك في بيتها المنعزل مع ابنها المصاب في الحادث نفسه، ثم تحدث ظواهر غريبة في البيت تتعلق باختفاء طفل أصم، كانت ميري تعالجه نفسياً، في عاصفة ثلجية هبت ذات يوم على المنزل. من سمات الأفلام الضعيفة أن علامات ذلك الضعف تظهر جلية من المشاهد الأولى، فهذا الفيلم مثلاً يفرط كثيراً في توظيف الصدف لخلق الحالة المثالية التي يجب أن تعيشها بطلة الفيلم لتتعرض للظواهر المطلوبة لخلق أجواء القصة. فمثلاً، يبدأ الفيلم بلقطة بيت معزول وسط مزرعة، ما يعطي انطباعاً بأن العائلة تعيش بمعزل عن التجمعات السكانية، وتلك الحالة المثالية التي نعنيها في الفقرة السابقة، ونرى زوج البطلة يخبرها بأنه سيأخذ ابنه ستيفن (تشارلي هيتون) إلى مدرسة داخلية. ثم يقطع المخرج فارين بلاكبيرن إلى لقطة هادئة لميري، وهي في حالة استرخاء تضع قدميها في البركة القريبة من المنزل. فنعلم أن المشهد التالي سيحمل مفاجأة، وهي غالباً حادث، وهذه استراتيجية معروفة في كل أفلام الرعب والأكشن، تسمى بكل بساطة هدوء ما قبل العاصفة. وبالفعل ننتقل إلى مشهد الأب وابنه في السيارة، حيث يدور نقاش بينهما، يتطور إلى جدل قبل أن يقع الحادث! الآن نعلم أن المخرج يريد إبعاد أو إلغاء شخصية الزوج ليهيئ الأجواء لعزل بطلته. معادلة الأفلام السيئة فلنتغاضَ عن مشكلة انعزال البيت، رغم أنها غير ضرورية لقصة الفيلم غير المنطقية أصلاً، ولنناقش مسألة معادلة أفلام الرعب السيئة: أولاً: يحدث موقف تتعرض له الشخصية البطلة، وتدخل في حالة شك عميق في معتقداتها الإيمانية أو العلمية حسب خلفية الشخصية ومؤهلاتها. ثانياً: تذهب الشخصية لتشتكي إلى أقرب الناس إليها، وفي هذا الفيلم هو طبيب نفسي مثلها اسمه د. ويلسون (أوليفر بلات)، الذي يكذبها ويعارضها بشدة ثم يتفق معها. في حالة الاعتراض: يكون لدينا فيلم مثل «بارانورمال آكتفيتي»، وبالطبع ينتصر «الجن» في النهاية. وفي حالة الاتفاق: يكون لدينا فيلم مثل «إنسيدياس» أو «ذا كونجورينغ». في هذا الفيلم لا يحدث أي شيء من سيناريوهات الأفلام المذكورة، لأن الفيلم يحاول التلميح إليها في البداية كنوع من التضليل، وخلق حالة تناقض بين طبيبة تؤمن بالعلم تتعرض لظواهر خارقة للعادة. إنما يذهب الفيلم في اتجاه آخر، لكنه غير بعيد عن تلك الأفلام، هو اتجاه صانع الأفلام الأميركي من أصل هندي إم نايت شيامالان، الذي أطلقه في آخر التسعينات بفيلم «الحاسة السادسة» إلى أن اهترأ في عام 2004 من خلال فيلم «القرية»، وتعريف هذا الاتجاه هو: قصة الفيلم ليست كما تبدو عليه، ثم تحدث مفاجأة من العيار الثقيل في النهاية، تقلب كل قصة الفيلم رأساً على عقب، إلى درجة أنه يفقد معناه وكل صلة له بالمنطق. نعم شيامالان أفرط كثيراً في هذا الاتجاه إلى أن ابتعدت الاستوديوهات عنه. كاتبة هذا الفيلم كريستينا هودسون (هذا أول نص سينمائي لها) متأثرة بشدة بشيامالان، خصوصاً فيلم «علامات» عام 2002، لكنها أيضاً لا تخفي تأثرها بأفلام كثيرة غيره، مثل «البريق» عام 1980 لستانلي كوبريك (نتحدث عن لقطة تحطيم الباب بالفأس). طاقات ضائعة نعود إلى سمات الأفلام الضعيفة التي تستمر في الظهور حتى منتصف الفيلم، عندما نلاحظ أن بلاكبيرن ملأ فيلمه بقفزات فزع مضللة لا تحمل جديداً أو أي إضافة إلى القصة. المشكلة أن قفزات الإفزاع المضللة إن كثرت تعطي الفيلم رتابة. (ينبغي التنويه أن فيلم «لا تتنفس» لم يتضمن قفزة فزع واحدة مضللة). كذلك من سمات الضعف أن القصة تنطلق فعلياً من الدقيقة 50 وتنتهي عند 90، أي أن كل ما يحدث قبل الدقيقة 50 عبارة عن تطويل غير ضروري، فقط كي يخرج الفيلم من فئة الأفلام القصيرة إلى الروائية! وعندما يكشف الفيلم مفاجأته (التي يفترض أن تكون من العيار الثقيل) في النهاية فإنها مضحكة مبكية من شدة السُخف والهراء، مفاجأة تكشف ضعف الكاتبة الشديد واستعجالها لصنع فيلم تدخل به هذا المجال. نكاد نجزم بأن مفاجأة النهاية هنا هي أساس فكرة الفيلم، أي أن هودسون وضعت النهاية السخيفة وأعجبت بها ثم بدأت بكتابة الفيلم من نهايته إلى بدايته. الفيلم يضيع كل المواهب التمثيلية الموجودة فيه، ناومي واتس هنا من أجل التسويق وقبض أجرها فقط، وأما الطفل توم (جيكوب تريمبلي من فيلم «رووم»)، فهو الآخر تائه ومتورط في دور طفل أصم، يستخدمه بلاكبيرن ليكون أداة للقصة لا أكثر. أوليفر بلات يظهر ليكرر جملة: ماذا تقولين؟ هل تستمعين لما تقولينه؟ لا وجود للأشباح، يجب عليك أخذ قسط كاف من النوم.. وهلم جرا. أما شرير الفيلم فهو يتجول في المنزل بعد انكشاف أمره، عفواً بعد أن قرر كشف نفسه، لأن الشخصية رغم كونها طبيبة نفسية إلا أنها لا تستحق أن تكون في مهنتها، لحماقتها الشديدة، وفشلها في قراءة سلوك مرضاها! (لم نفسد شيئاً لمن لايزال راغباً في مشاهدة هذا الفيلم البائس).
مشاركة :