أثار كلام الرئيس اللبناني ميشال عون والبطريرك الماروني بشارة الراعي أمس خلال الزيارة الرسمية الأولى لرئيس الجمهورية خارج قصر بعبدا بعد انتخابه رئيساً، بكركي، جرياً على تقليد متّبع، ردين سريعين من كل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان. إذ اعتبر عون أن «كل مؤسساتنا أصيبت بالوهن، بسبب التمديد المتمادي للمجلس النيابي، والعجز الذي وقعت فيه السلطة»، وحدد الراعي في مفاهيم بكركي للعهد الناجح وكان جازماً لناحية رفض «استبدال سلّة الشروط بالتشبث بالحقائب وبوضع الفيتو من فريق على آخر»، في تعليق على المفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة. ورافق عون وزير الخارجية جبران باسيل. وكان في استقباله، إلى الراعي، بطاركة الكاثوليك والمطارنة الموارنة والسفير البابوي غابريال كاتشا لتزامن الزيارة مع انعقاد الدورة العادية لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك. وكانت المحطة الأولى في كنيسة الكرسي البطريركي حيث رفعت صلاة الشكر. عون: عذاباتنا معنوية وقال عون إن «أكثر ما يؤلم وطننا في هذه المرحلة هو الفساد المستشري الذي سدّ شرايين الدولة وجعلها في حال عجز دائم». وعزا سبب الفساد الأساسي الى «الانحطاط الذي ضرب المجتمع، فأصبحت كل مرتكزات الحكم خارج نطاق الكفاءة والأخلاق». واعتبر أن «كل عمل سلطوي لا يحترم بمعاييره القوانين والأخلاق يصبح جريمة، لأنه يسبّب الأذى للأفراد وللمجتمع». ورأى أن الكنيسة هي الضامنة للقيم، «ولا نستطيع منفردين أن نقوم بأي واجب علينا إلا بمعاضدة الجميع، لذلك نعود إلى الكنيسة التي تمتلك السلطة المعنوية، والتي تدافع عن القضايا الكبرى، العدالة، القيم الإنسانية، والأخلاق لتساعد شعبنا في التربية وليس فقط في التعليم». وأكد أن «الأخلاق رادع لكل مسؤول، وتمنعه من ارتكاب الشواذ». واعتبر أنه «إذا كانت التنشئة السياسية هي علوم واختصاص فإن القضايا التربوية مرجعها الأخلاق، والأخلاق تعلو مرتبةً عن القوانين». وأكد أن «المشرق يمر بجميع مسيحييه، بفترة قد تكون الأصعب، لأنها تحاول اجتثاث جذور المسيحية في الشرق، فما يصلنا عن العراق من بيوت للمسيحيين هُدمت في الموصل فور خروجهم منها ولم تنتظر القنابل، يؤكد المقولة، وأننا في لبنان نعيش هذه الأخطار، وإن لم تكن عذاباتنا جسدية فالعذابات المعنوية ترافقنا وتواكب أحلامنا لتحولها أحياناً إلى كوابيس». واستذكر «دور البطريرك الياس الحويك الذي عمل على وحدة لبنان وسيادته والتاريخ الذي سبق، خصوصاً عذابات الموارنة في مختلف مراحل التاريخ، سواء قبل قدومهم الى لبنان أم بعده، مع المماليك، مع الأتراك، ومع كل الفاتحين. ومن هنا نبدأ حياتنا الجهادية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه». الراعي: انها فرصتكم وأكد الراعي في كلمته «دعمنا الكامل للرئيس عون بوصفه رئيس الدولة، ورمز وحدة الوطن، ولكونكم تسهرون على احترام الدستور والحفاظ على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه»، لافتاً إلى أن «انتخابكم وحّد ما بين كبريات الكتل السياسية والنيابية التي تجاوزت انقسامات الماضي، وما بين فئات الشعب، كمقدمة لمصالحة وطنية شاملة تحتاج إلى استكمال في بداية عهدكم بتحقيق مشاركة جامعة ومتوازنة في الحكم والإدارة». واعتبر أن «الخلاف بين مكونات المجتمع يضعفه ويهدده». ورأى أن انتخابه «أتى وفاء لنضاله الطويل، كربان لسفينة الوطن، نحو إقامة الدولة القادرة والعادلة والمنتجة، وسط رياح معاكسة، تعصف في منطقتنا المشرقية، ولبنان يتلقى الكثير من نتائجها السلبية. ما يقتضي التزام الدستور والميثاق الوطني نصاً وروحاً من القيادات السياسية والمسؤولين في الدولة». وخاطبه قائلاً: «إنها فرصتكم، لتطبيق وثيقة اتفاق الطائف تطبيقًا فعلياً، منعاً لشل قرارات الدولة في كل حين، وتجنباً لتفكيك أوصالها. وهذا يشكّل الخطر الأكبر على الكيان». وشدد على ضرورة التسريع بـ«إقرار قانون جديد للانتخابات يكون حافزاً لمشاركة كل فئات الشعب في هذا الواجب الوطني، ويؤمن المناصفة التي نص عليها اتفاق الطائف، ويساهم في تجديد النخب في القيادة الوطنية، ويضمن حق مساءلة الشعب لمسؤوليه ومحاسبتهم». ورأى أن «من أولى الأولويات أن يوفق رئيس الحكومة المكلف (سعد الحريري) بالتعاون معكم في تأليف مجلس الوزراء الجامع، بروح المشاركة الشاملة لا المحاصصة». وقال: «لا يجوز في أي حال استبدال «سلة الشروط» بصيغ التشبّث بحقائب وباستخدام «الفيتو» من فريق ضد آخر»، معتبراً أن «هذا أمر مخالف للدستور ووثيقة الوفاق الوطني، ويُدخل أعرافاً تشرع الباب أمام آخرين للمبادلة بالمثل، وتعرقل مسيرة قيام دولة الحق والقانون». وأمل بـ «إزالة هذه الغيوم السوداء عن بداية عهدكم». ولفت إلى أن «من مقتضيات قيامة الدولة التي ترغبون فيها، محاربة الفساد، ووضع حد لتدخل أهل السياسة في الإدارة العامة والقضاء والأجهزة الأمنية، واعتماد الكفاءة في المؤسسات والمحاسبة». وشدد على ضرورة «اعتماد سياسة إبعاد لبنان عن الصراعات الخارجية، كما وعدتم في خطاب القسم، جريًا على خط سلفكم والحكومة. فلا يخفى على أحد دور الكنيسة في تعزيز ثقافة التعددية في الوحدة، والعيش معًا مسيحيين ومسلمين ما جعل لبنان صاحب نموذج تحتاجه المنطقة التي تمزّقها الحروب المذهبية». واستذكر الراعي نهج البطريركية «الذي رسمه البطريرك الحويك أبو لبنان الكبير وما استكمله من بعده، البطريرك انطون عريضة الذي قال في خطابه الشهير: إن هذا الصرح ليس وقفًا على الطائفة المارونية فحسب، بل هو بيت جميع اللبنانيين». وكان عون عرض أوضاع وزارة الدفاع مع نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع سمير مقبل الذي قال: «ثمة آمال معلقة على الرئاسة، لاسيما في هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان. وأتى خطاب القسم ليعبر عن تطلعات اللبنانيين باستعادة مؤسسات الدولة قدراتها في المجالات كافة، لاسيما في المجالين الأمني والعسكري». والتقى عون الوزير السابق فيصل كرامي. بري يرد: تعطيل انتخاب الرئيس أسوأ من التمديد علق رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري على كلام رئيس الجمهورية ميشال عون من بكركي، عن أن «الوهن في المؤسسات بسبب التمديد للمجلس النيابي»، بالقول: «فعلاً، التمديد سيء والمؤسسات أصيبت بالوهن كما قال فخامة الرئيس، ولكن تعطيل انتخاب الرئيس كان أسوأ على المؤسسات بما في ذلك المجلس النيابي». وردّ نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان على ما أدلى به البطريرك الماروني بشارة الراعي أمام رئيس الجمهورية ميشال عون في بكركي، قائلاً: «كان المسلمون الشيعة ولا يزالون أكثر حرصاً على إقامة دولة العدالة والمساواة، وهم قدموا التضحيات والتنازلات لإنجاز الاستحقاقات الدستورية وتحقيق الاستقرار السياسي، وعلى مر التاريخ كان الشيعة مقهورين ومظلومين ومحرومين حتى حق الدفاع عن مناطقهم، ولم نسمع مثل هذا الكلام الذي نسمعه اليوم، لأننا نطالب بشيء هو مشاركة حقيقية في السلطة. ولم نأل جهداً ولم نوفر فرصة لتحقيق الشراكة الحقيقية بين المكونات السياسية والطائفية، ليظل لبنان الوطن النهائي الجامع لكل بنيه. وحرصنا على الدوام على تذليل العقبات وإزالة العراقيل أمام العهد الجديد حين طرحنا ضرورة إنجاز تفاهمات جديدة ضمن سلة حل متكاملة لتجنب أزمات نحن بالغنى عنها، ولإزالة الغيوم السود عن سماء هذا الوطن».
مشاركة :