بعد حوالى ست سنوات على الثورة التي أطلقت شرارة «الربيع العربي»، استرجع التونسيون مساء أمس الخميس (17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) صفحات ماض أليم مع بدء «هيئة الحقيقة والكرامة» جلسات الاستماع العلنية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان التي حصلت في البلاد بين 1955 و2013، في خطوة تاريخية نحو «المصالحة الوطنية». وعلى أمد يومي الخميس والجمعة وانطلاقاً من الساعة 20,30 (19,30 ت غ) سيروي نحو عشرة رجال ونساء الانتهاكات التي تعرضوا لها، بالأساس في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة (1987/1956) والرئيس المخلوع زين العابدين بن علي (2011/1987). وتنقل إذاعات وتلفزيونات محلية وأجنبية مباشرة جلسات الاستماع العلنية التي بدأت مساء أمس (الخميس) بالنشيد الوطني وكلمة لرئيسة هيئة الحقيقة والكرامة. في 24 ديسمبر 2013 صادق البرلمان على «قانون العدالة الانتقالية» الذي احدثت بموجبه هيئة الحقيقة والكرامة، وهي هيئة دستورية، المكلفة تفعيل هذا القانون. ووفق هذا القانون، تتمثل مهام الهيئة في «كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان» الحاصلة في تونس منذ الأول من يوليو/ تموز 1955ـ أي بعد نحو شهر من حصول تونس على الحكم الذاتي من الاستعمار الفرنسي، وإلى 31 ديسمبر/ كانون الأول 2013 و»مساءلة ومحاسبة المسئولين عن الانتهاكات وتعويض الضحايا ورد الاعتبار لهم». وهذه «الانتهاكات» هي «كل اعتداء جسيم أو ممنهج على حق من حقوق الإنسان صادر عن أجهزة الدولة أو مجموعات أو أفراد تصرفوا باسمها أو تحت حمايتها». وهي أيضاً «كل اعتداء جسيم وممنهج على حق من حقوق الإنسان تقوم به مجموعات منظمة» مثل «القتل العمد والاغتصاب وأي شكل من أشكال العنف الجنسي والتعذيب والاختفاء القسري والإعدام دون توفر ضمانات المحاكمات العادلة». وأمام هيئة الحقيقة والكرامة مدة أقصاها خمس سنوات لإنجاز مهامها. وقال المسئول في هيئة الحقيقة والكرامة، خالد الكريشي للصحافيين «من خلال جلسات الاستماع، سنشارك في كشف حقيقة الانتهاكات (...) لنطوي هذه الصفحة ونمر مباشرة إلى المصالحة الوطنية». وأضاف أن من سيدلون بشهاداتهم في جلسات الاستماع العلنية «لا يمثلون أنفسهم فقط» بل «أجيالاً كاملة من كل التيارات السياسية ومناضلي حقوق الإنسان، والصحافيين، والنقابيين، والطلاب». وستعطى كل ضحية ما بين 30 و45 دقيقة لرواية شهادتها. وستغطي الشهادات فترات تاريخية ومناطق «مختلفة» بحسب رئيسة الهيئة سهام بن سدرين التي وصفت جلسات الاستماع بأنها «لحظة تاريخية سيتم تدريسها لأبنائنا وأحفادنا في الكتب». وفي بيان قالت منظمة العفو الدولية وصفت هذه الجلسات بأنها «فرصة تاريخية لوضع حد للإفلات من العقاب عن الجرائم الماضية (...) وانتهاكات الحقوق الإنسانية». وأضافت أن «تقليد الإفلات من العقاب هذا ما زال يطغى على الواقع» على الرغم من «التقدم» الأخير في تونس. وكان مقرراً إجراء جلسات الاستماع بقصر المؤتمرات في قلب العاصمة تونس لكن تم نقلها إلى «نادي عليسة» بسيدي بوسعيد الضاحية الشمالية للعاصمة. وهذا النادي هو من ممتلكات عائلة بن علي التي صادرتها الدولة، وفيه كانت ليلى الطرابلسي زوجة بن علي المكروهة شعبياً، تنظم أنشطة اجتماعية. وسيحضر الجلسات الوزير المكلف العلاقات مع الهيئات الدستورية وحقوق الإنسان مهدي بن غربية. وقالت مراسلة «فرانس برس» إن السلطات نشرت تعزيزات أمنية حول مقر النادي. ويبدو الجو هادئاً بما في ذلك في القاعة التي سيدلي فيها الضحايا بشهاداتهم.
مشاركة :