انتهت، فجر الجمعة، 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بالعاصمة تونس، أولى جلسات الاستماع العلنية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، التي تنظمها هيئة الحقيقة والكرامة (هيئة دستورية مستقلة)، ويشارك فيها عدد من ضحايا "الاستبداد" منذ الاستقلال الداخلي لتونس عام 1955 حتى 2013. وتُعقد جلسات الاستماع بنادي "عليسة" في ضاحية سيدي بوسعيد (شمال العاصمة)، وهو فضاء كانت تقيم به زوجة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وصديقاتها حفلاتهن الخاصّة. وتستمر هذه الجلسات، التي واكبتها وسائل إعلام محلية وأجنبية، ليومين (الخميس والجمعة) من الساعة الثامنة والنصف بالتوقيت التونسي (7.30 تغ) إلى منتصف الليل (11.00 مساء تغ) يستحضر خلالها 10 رجال ونساء ملامح الظلم والانتهاكات التي تعرضوا إليها. رد الاعتبار وقالت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، سهام بن سدرين، خلال كلمة ألقتها بالمناسبة: "هذا اليوم هو يوم رد الاعتبار للضحايا ولصمودهم ومقاومتهم وتضحيتهم .. فكل هؤلاء قاوموا من أجل أن توفر تونس مستقبلاً زاهراً لأبنائها". كما اعتبرت أنّ "هذا اليوم مشهود في تاريخ تونس، وهي لحظة تاريخية وعلامة فارقة في مسار بناء دولة القانون، نحتفي فيها بأبطال تونس"، مشيرة إلى أنه "قبل 10 سنوات، لم يكن أحد يتوقع هذا الحدث، وهو ليس مهم للتونسيين فحس؛ب بل لعالم يسوده القتل والحروب". و"الحقيقة والكرامة"؛ هيئة دستورية تم تأسيسها بمقتضى قانون 53 لسنة 2013، المؤرخ في 24 ديسمبر/كانون الأول 2013، والمتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، بهدف ضمان مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد. وتشرف الهيئة على تطبيق قانون العدالة الانتقالية للنظر فيما يتردد عن تجاوزات حقوق الإنسان بين 1 يوليو/تموز 1955 (تاريخ صدور القانون والاستقلال)، و24 ديسمبر/كانون الأول 2013، ثم حكم الحبيب بورقيبة (1957- 1987)، مروراً بعهد زين العابدين بن علي (1987- 2011)، وانتهاء بحكومة الترويكا (2011- 2013). وفي تصريحات إعلامية على هامش الجلسة، قال رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي: "مثل هذا الحدث قد لا ينعقد إلّا مرّة في القرن أو لا يعقد أصلاً.. وتجربة تونس تعدّ الثانية في العالم العربي بعد تجربة المغرب". وأضاف: "المناضلون يشهدون يوم انتصار، يعيدون فيه كتابة التاريخ بعيداً عن كل منزع إقصائي أاو ثأري للاتجاه نحو المستقبل، متصافحين متصالحين موحَّدين متعاونين، من أجل الانتقال السياسي الديمقراطي وتعزيز الانتقال الاقتصادي". "لن نترك الجلّادين يفلتون" وفي تصريح لـ"الأناضول"، قالت فاطمة الوزرغي التي فقدت ابنها أحمد في أحداث ثورة 2011: "انتظرنا هذا اليوم التّاريخي بفارغ الصبر.. فهيئة الحقيقة والكرامة هي ملاذنا الأخير ولن نترك الجلادين يفلتون من العقاب.. لم ينصفنا القضاء". من جانبه، قال عمر بوزريبة، أحد ضحايا الاستبداد زمن بن علي، إن "هذه الجلسات مهمة، لكن لا ننكر وجود قوى ردّة ومعارضين لكشف حقيقة الانتهاكات، لكننا صامدون وثابتون ومستعدون للتضحيات لكشف الحقيقة والمستور للعالم بأكمله". وبحسب الفصل الثامن من قانون العدالة الانتقالية، الصادر في 2013، فإن الانتهاكات تتمثل في القتل العمد أو الاغتصاب والعنف الجسدي والتعذيب والإخفاء القسري والإعدام دون توافر ضمانات المحاكمة العادلة، إضافة إلى انتهاكات متعلقة بتزوير الانتخابات، وبالفساد المالي، والاعتداء على المال العام، والدفع إلى الهجرة الاضطرارية لأسباب سياسية. وستنظر الهيئة، خلال جلسات علنية أخرى تتواصل لأكثر من سنة، في ما يفوق 65 ألف شكوى وملفاً بعد أن قامت بنحو 12 ألف جلسة سرية للاستماع إلى ضحايا الانتهاكات منذ بداية أعمالها وحتى اليوم.
مشاركة :