غياب إيران عن الاجتماع الطارئ الذي دعت اليه منظمة التعاون الإسلامي مؤخرا في مكة المكرمة، كان أمرا متوقعا. فإيران تدرك حجم المأزق الذي وقعت فيه بسبب قصف الانقلابيين الحوثيين الذين تدعمهم للعاصمة المقدسة بصاروخ باليستي في نهاية شهر أكتوبر الماضي. ولم يكن بإمكان مندوبها في المنظمة مواجهة الإجماع الإسلامي ضد انتهاك حرمة المشاعر المقدسة، رغم التحفظ العراقي المخجل على قرارات الاجتماع، التي تضمن دعوة الأمم المتحدة اتخاذ الإجراءات الدولية التي تكفل عدم تكرار الاعتداء، وتحميل الداعمين له -في إشارة إلى إيران- المسؤولية المشتركة في تنفيذه. الموقف الإيراني في منظمة التعاون ينسجم مع التوقعات التي تشير وبوضوح إلى أن الدور الإيراني في المنطقة العربية قد ينحصر وبشكل كبير مع تغير سياسات كثير من الدول الغربية تجاه المنطقة. فجون بولتون المرشح لوزارة الخارجية الإمريكية قال في لقاء مع صحيفة هافينغتون بوست أمس الأول ( الخميس): «إن رجال الدين في طهران هم أكبر تهديد للسلام والاستقرار في المنطقة والعالم (...) وإن الحل الوحيد بعيد المدى لتحقيق السلام هو تغيير النظام في طهران». كما أن مايك بومبيو المرشح لرئاسة الاستخبارات المركزية الأمريكية أشار في تغريدات له إلى أن «توسيع العقوبات على برنامج التسلح الإيراني يعد أمرا أساسيا لحماية أمريكا». منتقدا تعامل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما مع إيران، قائلا إن «إيران تتخذ رهائن أمريكيين، وحلفاؤهم (في المنطقة) يقصفون السفن الحربية الأمريكية، بينما تعمل قيادتنا بقوة لإخراج الاقتصاد الإيراني من مأزقه». هذه التصريحات تنسجم أيضا مع تشكل رأي عام إقليمي ودولي رافض للاصطفاف المذهبي الذي تقوده إيران، سواء في العراق أو في سورية أو في لبنان وليس آخرا في اليمن. فتدخل قوات إيرانية برئاسة قاسم سليماني إلى جانب قوات نظام بشار الأسد المعززين بالقوات الروسية وعناصر ما يسمى بـ(حزب الله) اللبناني لمواجهة قوات المعارضة السورية، بالإضافة إلى الدعم الإيراني لقوات الحشد الشعبي في العراق، ولجماعة الحوثي في اليمن، فضلا عن دعم (حزب الله) الذي استمر في تعطيل الاستحقاق الرئاسي في لبنان، كل ذلك يؤكد على تكريس إيران لكل جهودها في سبيل زعزعة أمن واستقرار المنطقة العربية، بل والإقليم ككل. والسببب يعود في ذلك إلى أن إيران دولة تقوم سياستها على تصدير الثورة، وفي اعتقاد كثيرين أن هذه السياسة جاءت منذ مقدم الخميني للسلطة منذ ثورته على الشاه في نهاية 1979، لكن الأكثر صحة أن إيران تعاني نظاما سياسيا لا يتماشى مع حركة العصر، ومن إشكالات اقتصادية متراكمة زادت من وطأتها الثورة الخمينية على الشعب، الذي يرفض معظم مكوناته، لا سيما الأحوازيين والأذريين والأكراد، حكم «الثوار» الذين لا يشكلون أكثرية شعبية، ويؤمنون بأن حل إشكالات إيران المزمنة لا يكون إلا بالهروب إلى الأمام. لكن وفي ظل المستجدات الدولية التي يشير بعضها إلى مراجعة للعلاقات مع طهران، بما في ذلك الاتفاق النووي الإيراني، إلى جانب تغير سياسات كثير من دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا ودول الخليج العربي وهو ما امتد ليشمل كثيرا من الدول الأفريقية والآسيوية نحو إيران، كل ذلك يشير لقرب انحسار الدور الإيراني.. على الأقل خلال السنوات القليلة القادمة.
مشاركة :