شهد الجنيه المصري بالآونة الأخيرة سلسلة من التراجعات التاريخية في مستواه مقابل الدولار الأميركي بعدما ترك البنك المركزي المصري الباب مشرعا أمام خفض محتمل في قيمته، ثم واصل تهاويه بعد إصدار الأخير قرار تعويم تلك العملة لتحويل اعتمادها على العرض والطلب في السوق قبل أن يعاود الارتفاع مجددا في مستهل الأسبوع الجاري بعد أن زادت السيولة الدولارية في البنوك بعد أيام من موافقة صندوق النقد الدولي على قرض قيمته 12 مليار دولار الأمر الذي حدا بمصريّي الخارج إلى إعادة حساباتهم بما يتعلق بتحويل الأموال إلى بلادهم حسب المصلحة والمنفعة المرجوة من تأرجح عملتهم الوطنية، ولم يكن المقيمون في قطر بمعزل عن دائرة الأحداث المتلاحقة بهذا الشأن. وعلى هذا النحو، أكد عدد من المقيمين المصريين في الدوحة لـ «العرب»، حرصهم على التعامل بحذر مع تلك التقلبات تحسبا لما يتبعها من ارتفاع في أسعار السلع وتكاليف المعيشة في وطنهم، إذ شدد أولئك على أن مرسلي التحويلات المالية لا يستشعرون فرقا ملموسا في قيمة المبالغ التي يتم تحويلها إلى هناك، فيما يظهر ذلك عند الجهة المستقبلة، مما يشكل استقرارا على معدلاتها الطبيعية إلا أن الفارق يكمن في دفعهم إلى زيادة المبلغ المحول ليحقق الفائدة لدى الطرف المقابل. ولفت هؤلاء إلى أن الأوضاع الراهنة، قد تدفع بجمهور المدخرين من المقيمين والراغبين بالاستثمار في بلادهم، إلى الانقضاض على قطاع العقارات المرشحة للتضخم بعد التراجعات الأخيرة التي شهدتها العملة، حيث أكد خبراء عقاريون على أن قرار تعويم سعر صرف الجنيه الذي أحدث توازن في السوق العقارية المصرية وخلق بيئة محفزة للمغتربين المدخرين على الاستثمار في قطاع العقارات السكنية أكثر والتخلي عن حيازة الدولار الذي يتعرض إلى الهزات صعودا وهبوطا، فيما أدى إلى ارتفاع مواد البناء التي تنعكس بطبيعة الحال على أسعار العقارات بالارتفاع لكنها تبقى تدريجية ومتوازنة، وكانت شركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار «سوديك» المصرية قد أعلنت أمس الأول عن رفع أسعار الوحدات السكنية بنسبة تتراوح بين 20 و%30. فيما أشار المقيمون أن التحويلات المالية للأغلبية ما زالت تتمحور حول الإيفاء بالالتزامات العائلية وتسديد الأقساط والقروض المترتبة عليها بالمقارنة مع من يتجهون صوب الاستثمار العقاري والذين لم تتخط نسبتهم حاجز %2 حسب وصفهم، إذ إن تلك الأوضاع تكبح طموحاتهم ولا تساهم برفع سقف التوقعات الإيجابية، بينما تتحفظ شريحة منهم على الأموال حتى يتسنى لمستقبلي الحوالات هناك الاستفادة من فروقات السعر الملحوظة، ما من شأنه أن يدفع بمزيد من التوجه نحو السوق الموازية لتحقيق تلك المكاسب. ارتفاع متوازن وفي هذا السياق، قال ميسر صديق، خبير عقاري معتمد والرئيس التنفيذي لمجموعة إبهار العقارية: «بصفتنا وكلاء لما يقارب 23 من كبريات الشركات العقارية في مصر، قد لمسنا ارتفاعا ملحوظا على أسعارها نتيجة تعويم الجنيه أمام الدولار، وبات هناك خيارات أمام المستثمرين ممن لديهم رغبة بالتعامل في السوق العقارية، إذ إن العقار ما زال لديه الأصول الثابتة التي يتحكم بها قانون العرض والطلب حيث إن هناك فرقا بين الاستثمار والادخار، بالإضافة إلى الزيادة المستمرة بالنسبة للعرض والطلب، حيث إن دولة مثل مصر بكثافتها السكانية لا بد أن تشهد زيادة مستمرة وثابتة على الأخير، وبالتالي على أسعار الوحدات السكنية، ولكن أنصح بأن يكون دائما ارتفاعا متوازنا مع السوق ونحن كشركة نختار الشركات التي تكون في موقع متميز وذات مصداقية في الأداء والتسليم وتوازن السعر ما بين العرض الذي يقام في الدوحة مع نفس العرض في الشركة ذاتها، والنصيحة أن من يغالي في الأسعار من تلك الشركات سوف تجد نفسها خارج السوق». ازدياد الطلب وأكد أن تعويم سعر صرف الجنيه الذي تم مؤخرا، يشكل حافزا في حالة التوازن الطبيعي بين سعر الصرف داخل البنوك وخارج السوق، بحيث يشجع على الاستثمارات العقارية، إذ إنه عندما يجد العاملين بالخارج عندنا ثباتا بالأسعار، فإن طريقة التحويل تكون سريعة وواضحة ومتوازنة مما يحفز على زيادة الطلب في مقابل العرض في السوق العقارية المصرية، وهذا هو ما يحدث في الوقت الراهن ولهذا يحدث هذا الارتفاع. ولفت إلى أن المستثمر الذي يعلم جيدا كيف يضع مدخراته وأمواله سوف يقارن ما بين الاستفادة من الودائع التي ارتفعت %20 من سعر الفائدة عليها حاليا، ولكنها لفترة محددة لامتصاص تحويل الدولارات من السوق الموازية نحو نظيرتها الحقيقية، وهناك فريق آخر يفكر في أن الاستثمار في سوق العقار أفضل بكثير منه في حيازة الدولار وهزاته ارتفاعا وانخفاضا، وذلك لأن العقار عليه طلب مستمر لليوم والمستقبل، ويتزايد بنسبة ثابتة وأرفع من الدولار. وأشار إلى أن مواد البناء تأثرت بارتفاع الدولار في مقابل الجنيه مما أدى إلى ازدياد في أثمان العقارات المباعة، وحتى لو كانت مرشحة لمزيد من الارتفاع فستكون ضمن أسعار معقولة وغير مبالغ فيها حتى تكون السوق متزنة، وللمستثمر أن يختار في بيئة العقارات التي تزداد بشكل ثابت وتدريجي يحكمها العرض والطلب، وتعويم سعر صرف الجنيه هما خطوتان متميزتان في اعتدال السوق الاستثمارية المصرية وأن أي استثمار يحكمه استثمارات مالية وتترجم إلى استثمارات لمواد البناء حتى ينتج القيمة المضافة المتمثلة في العقار على الأرض، وبالتالي يجب على السوق أن تكون قادرة على تصحيح نفسها بنفسها وهي بالتأكيد ظاهرة صحية. تأثير طفيف من جانب آخر، قال مينا شاكر، مقيم مصري في قطر: «نقوم بتحويل الأموال بكميات قليلة وتتسم بالثبات نوعا ما وبالتالي لا نشعر بفرق كبير بسبب انخفاض سعر الجنيه المصري، وانخفاضه المتوالي بالفترة الراهنة سيكون بمصلحة المقيمين ممن لديهم التزامات في مصر مثل شراء عقارات بالأقساط على التسعيرة القديمة، أما من يرغب بالاستثمار هناك حاليا فسيواجه ارتفاعا في الأسعار بكل تأكيد». وأشار إلى أن من يهتم بالاستثمار هو فقط من يستطيع أن ينتهز الفرصة من حالة تراجع الجنيه التي شهدها في الأسابيع الماضية والتي ما زالت مستمرة وفي حال كان مرشحا لمزيد من الهبوط أمام الدولار الأميركي، أما على الصعيد الشخصي فهو ينوي البحث عن مسكن له في بلاده بالمرحلة المقبلة الأمر الذي سيجعله يضع انخفاض العملة المحلية نصب عينيه حيث من المتوقع أن تشهد أسعار العقارات مزيدا من الارتفاع وقد تصل إلى مبالغ خيالية لاسيَّما بعد تعويم العملة الذي جرى مؤخرا، لافتا أن ذلك من شأنه أن يؤثر بشكل ملموس على ذوي الدخل المنخفض من المقيمين أكثر من غيرهم. تضخم الأسعار من جانبه، قال أحمد فتحي: «أنا مقيم هنا في قطر منذ 7 سنوات، وقد اختلف فرق السعر بالتحويلات كثيرا في الوقت الحالي عن السابق، وبرأيي فإن انخفاض العملة المصرية يعود بالفائدة الكبيرة على المقيمين إلا أنه يلحق الضرر بالمواطنين في مصر لاسيَّما بعد القرار القاضي بتعويمها حيث من المحتمل أن تتضخم الأسعار وترتفع بشكل كبير». ولفت إلى أن المقيم سيتضرر لاحقا من هبوط الجنيه إلى أدنى المستويات في حال قرر العودة إلى البلاد والتأسيس للمعيشة هناك من الصفر حيث إنه قد اعتاد على مستوى معيشي معين ومصاريف ربما لن يستطيع الإيفاء بها هناك بسهولة، مشيراً إلى أن انخفاضها بالنسبة للدولار قد يفيد بالتحويلات المالية إلى مصر إذ إنه يحدث فرقا ملحوظا عند المستلم هناك كما أنها تعتمد على قيمة المبلغ المرسل، إلا أنه وبعد تعويم العملة فإن تكاليف المعيشة والمستلزمات والعقارات سترتفع وبالتالي لن تكون الاستفادة كبيرة بل ستصبح متعادلة، وعندها سيتحقق النفع لمن قام بالاستثمار في تلك المجالات في وقت سابق. ادخار واستثمار وأكد أن انخفاض الجنيه قد يدفع الكثير من المقيمين ممن يدخرون أموالهم لشراء العقارات حتى يتسنى لهم البيع بسعر أعلى في حال خضعت العملة لمزيد من التراجع الذي سينعكس بدوره على ذلك القطاع بمزيد من الارتفاع حيث من المتوقع أن يرتفع الدولار في مقابله إلى أكثر من 25 جنيها، وهناك العديد من المؤشرات التي تدل على تحرك شريحة كبيرة في هذا الاتجاه. وأوضح أن فئة قليلة من المقيمين التي قد تتخوف من انخفاض الجنيه والقيام بالاحتفاظ بمدخراتهم إلى حين استقراره أو ارتفاعه مجددا وقد تصل إلى %2 فقط من مجموع المصريين في الدوحة حيث إن الغالبية تقوم بإرسال الأموال إلى مصر بشكل ثابت على حسب الالتزامات هناك دون الاكتراث إلى وضع العملة، إلا أن هناك الكثير من التخوف والحذر بسبب تلك الأوضاع وتسبب إرباكا للأهداف المرسومة لكل منهم وربما تغيير الخطط في سبيل تأمين أنفسهم، إلا أن تراجعها يفيد ممن ترتب عليهم أقساط أو قروض هناك لأن قيمة المبلغ ستختلف عما كانت عليه سابقا، إذ سيصل الفرق إلى أضعاف، منوها بأن تراجع أو انهيار العملة المصرية وإن كان له بعض النتائج الإيجابية فسيكون له آثار سلبية وكارثية بخروجها من سلة العملات. إيجابيات وسلبيات بدوره، قال محمود صلاح: «أنا مقيم في قطر منذ عامين فقط، وأقوم بإرسال مبالغ دورية كحوالات إلى مصر، والتراجعات الأخيرة على الجنيه كان لها عدة آثار إيجابية وسلبية بكل تأكيد، والمنحى الإيجابي يتمثل في أن الانخفاض يحدث فرقا بالتحويلات ويجعل المبلغ أكبر لدى المستلم، أما الجانب السلبي يكمن في أنني أعيش هنا وحيدا وعائلتي هناك لأن تكاليف المعيشة سترتفع بالنسبة لهم». سوق موازية وأشار إلى أن فرق السعر جراء تهاوي العملة المصرية لن يحدث فرقا كبيرا بالنسبة لمقيم في بداية مشواره وراتبه ليس مرتفعا، حيث إنه إذا ما قرر أن يؤسس لمستقبله هناك أو محاولة شراء عقار للسكن أو محاولة الاستثمار في أي مجال من المجالات فسيجد أن أسعارها ستتفاقم وترتفع بشكل كبير مما يثقل كاهله، بل سيقتصر الأمر على الإنفاق على متطلبات بسيطة ورمزية، لافتا إلى أن مثل تلك الأوضاع تكبح طموحات المقيم ولا ترفع سقف التوقعات لأكثر من ذلك. ولفت إلى أن الوضع الراهن ربما يحد قليلا من حجم التحويلات المالية أملا بمزيد من ارتفاع الدولار الأميركي في مقابل الجنيه حتى يتسنى لهم كسب مبالغ أكبر هناك، وبالتالي سيولد ذلك مزيدا من التوجه نحو السوق السوداء أو الموازية، حيث إن المغترب عن بلده يسعى لتحقيق المكاسب بأي وسيلة كانت والمتوافرة حاليا عن طريق إرسال الأموال بالدولار، مشيراً أن انخفاض الجنيه سيرغم المقيم على زيادة المبلغ المحول لإحداث فرق ملموس هناك. جدير بالذكر، وحسب تأكيدات صيارفة في السوق المحلية أن تحويلات المقيمين المصريين في قطر بالدولار الأميركي قد نمت بأكثر من %90 قبل ساعات من قرار البنك المركزي المصري بتعويم الجنيه مقابل الدولار.;
مشاركة :