تدور عجلة الليل والنهار في إيقاع منتظم وتدور معها الساعة الداخلية لجسم الإنسان في ارتباط وثيق إن حدث به تغيير - كأن يسهر الشخص ليلاً وينام نهاراً- فإنه يؤدي إلى اضطراب المزاج والشعور بالإجهاد والقلق ، لذلك ليس على الإنسان إلاّ الالتزام بذلك النمط ومجاراته لاجتناب الكثير من المشكلات الصحية التي يتكشف المزيد منها من وقت لآخر. تتمثل الساعة البيولوجية لجسم الإنسان في دورة النوم واليقظة اليومية التابعة بصورة طبيعية لشروق الشمس وغروبها، وهي دورة تتأثر بها صحة الإنسان من خلال تأثر أعضائه الداخلية بها فقد ظهر من خلال الدراسات العلمية الأخيرة أنها لا تؤثر فقط في نشاط الشخص ومزاجه وإنما تؤثر أيضاً في كفاءة قيام القلب بوظائفه وفي الشعور بالجوع كما أن جهاز المناعة يعمل بنمط يومي معين لذلك فإن بعض التغيرات التي تطرأ على النمط اليومي المعتاد، كالعمل بنظام الورديات أو الانتقال من منطقة بالعالم إلى منطقة أخرى تختلف عنها كثيراً في التوقيت، أمور تحدث اضطرابا في الوظائف الجسدية والعقلية، وإن كانت بصورة مؤقتة إلا أن الاستمرار فيها يحدث آثاراً تراكمية على صحة الجسم من خلال اضطراب أعضائه نتيجة تغير نظام اليوم الذي اعتادته وتوصلت بعض الدراسات الحديثة إلى أن العديد من حوادث الطرق وإصابات العمل ناتجة عن قلة النوم خلال الليلة السابقة، كما وجد أن كثيراً من حالات النوبات القلبية تحدث عقب أسبوع واحد من تعديل التوقيت (التوقيت الشتوي والتوقيت الصيفي) بالدول التي تتبع ذلك النظام ويتضح مما سبق أن أفضل ما يقوم به الشخص للحفاظ على صحته هو الحفاظ على النمط الطبيعي للساعة البيولوجية للجسم. الساعة البيولوجية يبدو التعبير غريب بعض الشيء ولكنه أمر حقيقي وليس مجازياً حيث أن هنالك منطقة بالدماغ تسمى نواة التأقلم تقع أعلى النقطة التي تتجمع بها ألياف العصب البصري، وهي مسؤولة عن الحفاظ على الوقت، ويساعدها موقعها في استقبال المعلومات التي تحتاج معرفتها عن الضوء حتى تضبط إيقاع الجسم بشكل يومي وعندما يحجب الشخص عن ضوء الشمس ويبقى في الظلام المستمر فإن دورة تلك الساعة تطول لتصبح 25 ساعة. يعتبر هرمون النوم الميلاتونين هو المسؤول عن إيقاع الجسم الحيوي اليومي، فعندما يأتي المساء وتتضاءل كمية الضوء الواصلة للنواة التأقلمية بالدماغ فان إنتاج الميلاتونين يرتفع وتصل إشارات للدماغ لأن يبقى الجسم في وضع النوم، وعندما يصبح الصبح ويطلع ضوء الشمس تتراجع معدلات الهرمون ويبدأ ايقاع الساعة البيولوجية للنهار. بما أن الساعة البيولوجية هي كيان له علاقة بأعضاء الجسم الداخلية فإن جميع وظائف أعضائه تتأثر بذلك الكيان ويغس ذلك ما يلي: الإصابة بالسكري: ترتبط الجينات المنظمة لمستقبلات هرمون النوم في الوقت ذاته بإفراز الانسولين ما يجعلها شريك في عملية الإصابة بداء السكري، فعندما يحدث تغيير بنمط عمل تلك الجينات فإن ذلك يحدث اضطراب بالتواصل بين الساعة البيولوجية وإفراز الأنسولين وهو أحد أكبر عوامل خطر الإصابة بداء السكري. القلب يحتاج للتنظيم إيقاع القلب: بالرغم من أن القلب إلى حد ما يضبط إيقاع الجسم، إلا أنه مثله مثل بقية أعضاء الجسم الأخرى يعتمد على الساعة البيولوجية بالدماغ للحصول على المعلومات، فقد اكتشفت الدراسات من قبل أن حالة عدم انتظام ضربات القلب الحادة تحدث أكثر بأوقات معينة من اليوم أما في الصباح الباكر أو في الليل بالرغم من الأخيرة أقل درجة، واتضح السبب وراء ذلك مؤخراً حيث وجد أن العامل الجيني المرتبط بإيقاع الساعة البيولوجية بالدماغ ينظم أيضاً النشاط الكهربي للقلب لذلك فان التغير بنمط الساعة البيولوجية يؤثر في انتظام ضربات القلب. المناعة الجسدية: يعلم الجميع أن الأرق وقلة النوم يعرض الشخص للإعياء وعلى ما يبدو فإن السبب هو أن بعض المواد الكيميائية المسؤولة عن الوظائف المناعية، كإنتاج السيتوكينات، تتراجع كفاءتها خلال اليوم التالي لليلة لم ينم فيها الشخص جيداً، ووجد أن الأطفال الرضع الذين أعطوا لقاح التحصين وقت الظهر ثم ناموا جيداً بعد ذلك، كانت استجابتهم المناعية له أفضل الاضطرابات النفسية تتدخل التغيرات بالساعة البيولوجية في كثير من الحالات المزاجية التي نتعرض لها مثل حالة الاكتئاب وحالة الاضطرابات العاطفية الموسمية وحالة ثنائي القطب، فاضطراب النوم، بحيث يكون أكثر عن المعدل الطبيعي أو اقل منه، يعتبر أحد الأعراض الرئيسية للاكتئاب وبعض الاضطرابات المزاجية الأخرى، والعلاقة بين إيقاع الجسم والمزاج علاقة معقدة ويبدو أنها ناتجة عن مدى إنتاج الدماغ للمادة الكيميائية السيروتونين والتي يتم إنتاجها بحسب دورة الضوء والظلام وخلال الأوقات من العام التي يكون فيها اليوم أكثر طولاً أو أكثر قصراً، ويتم إنتاجه بمعدلات أعلى في الوقت من اليوم الذي يكون به ضوء أكثر. ارتبطت كذلك بعض الأمراض العقلية بإيقاع الساعة البيولوجية بالجسم كمرض الزهايمر والشلل الرعاش واضطرابات التوحد وغيرها، ووجد الباحثون أن تغير إيقاع اليوم للشخص يمكن أن ينبئ عن الإصابة بضعف الإدراك الناتج عن تقدم العمر وينبئ كذلك عن حالة الخرف. واكتشفت الأبحاث التي أجريت على ذبابة الفاكهة، أن تنكس الدماغ يحدث بدرجة أسرع عندما تكون هنالك مشاكل بوظائف الجينات الرئيسية للساعة البيولوجية بروتين الكبد الكبد كغيره من أعضاء الجسم الأخرى يتناغم إيقاع عملياتها الايضية مع إيقاع دورة الليل والنهار، فقد توصل علماء من خلال دراسة نشرت نتائجها حديثاً، إلى أن أكثر من 500 بروتين بالكبد يتغير بقوة على مدار اليوم بنواة الخلية، فقد قام الباحثون بمراقبة التراكم الزمني لأكثر من 500 بروتين مختلف بنواة خلايا الكبد لدى الفئران ووجد أنها ترتبط بدورة الليل والنهار على مدى الـ24 ساعة وهو ما يفسر العلاقة بين التغذية والإيقاع الأيضي، فالجسم يقوم بتعديل وضبط عمليات الايض بحسب الوقت من اليوم وهو ما يفسر لماذا ينام الشخص لساعات طويلة خلال الليل ولا يشعر بالجوع بينما أنه لا يتحمل تلك الساعات من دون تناول إفطاره، ولماذا تتسبب الرحلات السفرية الطويلة في مشاكل بالهضم، ويرتبط انتظام عملية الايض ذلك مع كيفية إنتاج الجينات للبروتينات وهي جينات يتبع معظمها الساعة البيولوجية من حيث تعديل معدلات إنتاج تلك البروتينات، وما كشفته الدراسة الحديثة هو أن البروتينات الـ500 تلك تدخل نواة خلية الكبد وتغادرها على مدار اليوم ووجد أيضاً أن بعض الوظائف الرئيسية بخلايا الجسم تتأثر بإيقاع دورة الليل والنهار. إيقاع الجسم الاهتمام بتنظيم الإيقاع الطبيعي للجسم من دون تعريضه للاضطراب أمر في غاية الأهمية، فاضطرابه لم يعد قاصر فقط على الإجهاد والخمول والمزاج السيئ وإنما اتضح أن هنالك عمليات كثيرة بالجسم تتأثر به فتؤدي إلى مشاكل صحية ناتجة عن خلل وظائف الجسم ويصبح الشخص عرضة للالتهابات وغيرها، ولكن أحياناً تضعف الساعة البيولوجية عند بعض الأشخاص من دون تغيير بنمط الحياة اليومية لديهم خصوصاً مع تقدم العمر ولم يتضح السبب ولكن يعتقد الآن بأن السبب ربما يعود لضعف البصر مع تقدم العمر، فالتغيرات التي تتعرض لها عدسة العين مع تقدم العمر أو إصابتها بحالة الإعتام تقلل من كمية الضوء الداخل إلى العين وبالتالي يقل الضوء الذي يصل الدماغ ما يؤثر بدوره في إيقاع الساعة البيولوجية والتي ذكر سابقاً أنها ترتبط بقوة بدورة الليل والنهار، ومن العوامل التي تساعد في الحفاظ على الإيقاع المنتظم الحفاظ على أوقات النوم من دون تأجيلها. نصائح الخبراء ينصح الأطباء بضرورة التوقف عن تناول الكافيين في وقت متأخر من اليوم حتى لا يصاب الشخص بالأرق، وتنظيم أوقات العمل بحيث لا تتداخل مع أوقات النوم والراحة، حيث يجب أن يخصص وقت النوم للنوم وليس للعمل، خاصة وأن الحفاظ على الساعة البيولوجية يكون بتثبيت أوقات النوم، فكل عوامل النوم الجيد تعتبر أيضاً عوامل للحفاظ على صحة الجسم حيث تكون أعضاؤه الداخلية في حالة جيدة وتقوم بوظائفها على الوجه المطلوب ويكون جهاز المناعة في حالة من التأهب لمكافحة العدوى التي تدخل إليه وبالتالي يقي الجسم الالتهابات.
مشاركة :