عقلية الإنكار: المعارضة العربية جزءاً من المشكلة | وائل مرزا

  • 11/20/2016
  • 00:00
  • 57
  • 0
  • 0
news-picture

في إحدى رواياته، يصف الكاتب الأمريكي جيم بوتشر حالة بطل روايته، المُصرّ على تجاهل الواقع وحقائقه، على الشكل التالي: «كان كل شيء صحياً وطبيعياً هنا.. في أرض الإنكار». في نفس يوم كتابة مقال الأسبوع الماضي، وبينما كان العالم مدهوشاً بالحدث الأمريكي، وغارقاً في حساب تداعياته، أطلعني صديقي، بتعجُّب، على رسالةٍ يبدو أنها تُرسل إلى قوائم عشوائية بالبريد الالكتروني. عنوان الرسالة: «الإخوان دعوةٌ شاملة وجماعة عاملة»، وفوق ما فيه من معانٍ ودلالات تقليدية تُظهر عقلية إنكارٍ غريبة لمجريات الواقع ومُقتضيات المنطق والتاريخ، إلا أن مضمونها أكثر غرابة. تستحق الرسالة/ النشرة بأكملها التحليل، فهي، على قِصرِها، نموذجٌ مُعبرٌ عن واقع وطريقة تفكير ما يُفترُض أنها من أكبر جماعات المعارضة العربية الإسلامية. لكننا سنقتصر هنا على مقتطفات قصيرة يسمح بها المقام. تبدأ الرسالة، مثلاً، بفقرة اسمها «الواجبات العشر». وثمة دلالات لافتة في أن تبدأ الفقرة بـ»حَمْلِ شارَتِنا» ثم تمضي إلى «حِفظِ عقيدتنا» مروراً بـ»كِتمان سريرتنا». لا يفهم المرء سبب إرسال مثل هذه النشرة، أساساً، لقوائم بريدية لا علاقة لأصحابها بالجماعة. وإذا كان التصرف عشوائياً فسلبيتهُ واضحة، أما إن كان الهدفُ يتمثل في التعريف بالجماعة والدعوة إليها فإن المضمون سيُحقِّق عكس المُرادِ منه، على الأقل لدى من يعيش هذا الحاضر العالمي الراهن بحدٍ أدنى من المنطق. لم تتمكن الجماعة، اليوم في نهاية عام 2016، وبعد التغيُّرات العاصفة التي اجتاحت المنطقة العربية، والعالم بأسره، خلال السنوات الماضية، من تجاوز أدبياتها التي تخلط فيها العقيدة بالسياسة، وتجعل «حمل الشارة» واجباً أساسياً يسبقُ في ذِكرهِ «حفظ العقيدة»، وتؤكد على واجب «السرية» و»الكتمان». لم يستطع وعيُها بالعالم، بل وبالدين نفسه، أن يصل إلى ضرورة أن يكون في تلك الواجبات شيءٌ يُشير إلى «وطنِنا» أو «شعبِنا» أو «إنسانيتنا». بل إن بقية النشرة تتمحور حول العودة إلى تعاليم المؤسس حسن البنا، وبشكلٍ انتقائي يُركز على أكثر ما هو شعاراتيٌ وإنشائي ومناقضٌ لروح العصر فيها مثل عبارة: «ولا يزال عمل البنا وأصحابه خميرة ونموذجا عمليا يصرخ فينا أن الإسلام الفكري إسلام مبتور»، وعبارة: «يجب أن تحترز القيادة من الاستغراق في الإداريات على حساب الجانب الدعوي والروحي الذي هو الأصل.» ففي حين يبدو واضحاً، من واقع مثل هذه الجماعات، إهمالُ مفاهيم الإدارة المعاصرة ومتطلباتها، وأن هذا من أكبر العوامل التي تجعلها عُرضةً للمشكلات ذاتياً، بل وتجعلها جزءاً من المشكلة حين يتعلق الأمر بالمجتمعات والدول، تحرص النشرة على التحذير من الاهتمام الزائد بالإدارة، وتجعل اقتران الفكر بالإسلام سبباً لبترِ الدين! ليس المقصود من هذا الكلام التهجُّم أو الدخول في مهاترات، فالوضع العربي لا يحتمل مثل هذه الممارسات الطفولية. ولكن، لأن الواقع العربي حرجٌ ومصيري لهذه الدرجة، ولأن مشكلاته وقضاياه باتت مسائل وجودية، ولأن دورَ مَن يتصدّون للمعارضة حسَّاسٌ ومهم، سواء كانوا على شكل جماعات وأحزاب منظمة في بعض البلدان، أو مجرد أفرادٍ غيورين في بلدانٍ أخرى، لكل هذا تحديداً، فإن مثل هذه المصارحات ليست مشروعةً فقط، وإنما هي مُلحةٌ ومطلوبةٌ وعاجلة. ومرةً أخرى، لا مجال هنا للحديث، أو التفكير، بعقلية الثنائيات المتقابلة. فالحديث عن مسؤولية المعارضات العربية لا يعني، في قليلٍ أو كثير، رفع المسؤولية عن الحكومات، ولا حتى عن كثيرٍ من شرائح الشعوب التي تملك قدرةً ما، ماديةً أو معنوية أو ثقافية، على الفعل والتغيير. وهذه الأخيرة موجودةٌ، لا يمكن لها التهرب من مسؤوليتها بشطارة، بدعوى تقسيم المسؤولية بين السلطة والمعارضة حصراً. لا يُستثنى في مثل هذا المقام إلا المواطن العربي المسحوق فعلاً. المواطن العربي المُحاصر الذي لم تترك القوى السابقة له أي قدرةٍ على الفعل. وفوق هذا، يحصل أحياناً أن يكون هو المَلوم الأكبر في سوء الواقع! المقلق، في هذا الحال، أن من يرفض التغيير والتطوير والمراجعة، والتعلم من التجربة، الآن واليوم، وبعد كل ما شهده عالمنا العربي من أحداث، لن يتعلمَ في المستقبل من أي شيء آخر. waelmerza@hotmail.com

مشاركة :