مؤتمر المعارضة السورية ومصير المنطقة | وائل مرزا

  • 11/29/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

«الحرب هي استمرارٌ للسياسة بوسائل أخرى». يعرف الكثيرون هذه المقولة المشهورة للجنرال والاستراتيجي العسكري، كارل فون كلاوزفيتز. لكن مايجب الانتباه إليه، في مجال بحثنا، هو تعليق الزعيم السوفييتي لينين عليها، حين قال مامعناه أن السياسة، في الحقيقة، هي استمرارٌ للحرب بوسائل أخرى. هذا هو الوضع حالياً فيما يتعلق بـ «مسار فيينا» الذي توافقت عليه أطراف النظامين الدولي والإقليمي بخصوص الوضع السوري. قبل ذلك، كان قرار (اللاقرار) فيما يتعلق بذلك الوضع هو الخيار المُفضل لكثيرٍ من أطراف النظام الدولي. بمعنى، أن القضية كانت تُدرج في نطاق الصراع المحلي القابل للضبط والاحتواء، بحيث تبقى تأثيراته السلبية في إطار المنطقة ولاعبيها. لكن ذلك القرار كان، في نهاية المطاف، محض إرادةٍ بشرية ليس لها أن تحكم مصير الدول والمجتمعات بشكلٍ نهائي. هكذا، ظهر مكرُ التاريخ، وتحركت قوانين الاجتماع البشري، فتجاوزت التأثيرات السلبية، كل الحواجز والحدود (والبحار)، وذهبت تهدد أوروبا في عقر دارها. فرغم كل الحديث (المُعلن) عن تأثير (اللاجئين) الذين ألقت بهم أهوال الحرب والعنف على الشواطىء الأوروبية، يذكر الخبراء أن تأثيراتها الحقيقية، اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وأمنياً، تبلغ أضعاف مايجري الحديث عنه. من جهةٍ أخرى، تم السماحُ بخلق (وحشٍ) لايمكن أن يَتحكم به حتى من صَنَعه، فضلاً عمن راقب العملية وتجاهلها لألف سببٍ وسبب. هكذا ظهرَ هتلر منذ ثلاثة أجيالٍ فقط من عمر البشرية. وهكذا ظهرت (داعش) منذ عامين. بهذه الخلفية، أظهرت تحليلات الأرباح والخسائر الاستراتيجية أن المعادلة القديمة يجب أن تتغير، وأن الصراع لم يعد قابلاً للاحتواء والضبط في الإقليم، فلم يكن بدٌ من معادلة (فيينا) الجديدة. لايمكن، طبعاً، في مثل هذه الظروف المُعقدة، الاتفاق على معادلةٍ جديدةٍ بكل تفاصيلها وأوزان المتغيرات فيها. من هنا، تم الاتفاق على الحد الأدنى: نقلُ الصراع من الساحة العسكرية إلى الساحة الدبلوماسية، بجدولٍ زمني وملامحَ عامة لخارطة طريق. فيما عدا ذلك، يُترك للفرقاء المختلفين العمل والحركة لتحديد أوزانهم في المعادلة الجديدة، وتكون النتيجة النهائية محكومةً بحسابات المعادلة تبعاً لتلك الأوزان. وفي هذا الإطار، برزت ضرورة التعجيل بعقد مؤتمر المعارضة السورية في السعودية. هل لدى سوريي الثورة، ساسةً وعسكراً، الأهلية والقدرة على خوض المعركة الشرسة الجديدة؟ . السؤال كبير، ويجدر قبل محاولة الإجابة عليه التذكير بملامح الأهلية والقدرة المطلوبة في مثل هذه المجالات. يختصر ونستون تشرشل الموضوع في جملةٍ معبرة: «الدبلوماسية [والمفاوضات] هي فنﱡ أن تطلب من الآخرين الذهاب إلى الجحيم، وأن يكون هذا مدروساً بحنكةٍ تجعلهم يطلبون منك أن تُرشدهم إلى الطريق»!.. يوجد في السوريين، بالتأكيد، من يمكن له ممارسة المهمة بتلك المهارة. ولكن.. لايمكن إيجاد هؤلاء، ولامساعدتهم على القيام بالمطلوب، بالطريقة التي تتعامل بها المعارضة السورية مع الموضوع الآن. أكثرُ من ذلك، يبدو استمرارُ أداء المعارضة بالمستوى الحالي، في هذه المرحلة الحساسة، أقربَ للتحضير لعملية انتحارٍ جماعي منه للتفاوض على حاضر ومستقبل سوريا.. والمنطقة. نعم. مصيرُ المنطقة، العربية تحديداً، مرتبطٌ إلى درجةٍ كبيرة بما سيحصل في هذا المؤتمر. وأن يرى البعضُ في هذا الطرح مبالغةً سيكون جزءاً من المشكلة، وتجاهُلاً لحقائق تفرض نفسها على مدى الأعوام القليلة الماضية، ومدخلاً للهروب من استحقاقٍ عربي خطيرٍ وحاسم. من هنا تنبع خطورة التعامل مع التحضيرات اللازمة للمؤتمر، وماسيليه، بدرجةٍ من السلبية واللامبالاة. خاصةً وأن كمون الحل موجود. فمنذ شهور، وبعد الإعلان عن النية في عقده، عملَ فريقٌ من الخبراء السوريين على تحضير الوثائق والأوراق المطلوبة لإنجاح المؤتمر. لكن البطء القاتل في الحركة من ناحية، واستمرار بعض المناورات والمفاوضات المشغولة بالتركيز على قوائم أسماء من سيحضر المؤتمر، يَصرفان كِلاهُما، السوريين عن التركيز على العنصر الحساس المطلوب: الرؤية السياسية ومحددات اختيار المفاوضين والعملية التفاوضية ومرجعيتها. ثمة حكمةٌ تقول: «أنت لاتنال في الحياة ماتستحق، وإنما ماتُفاوضُ عليه».. ورغم قسوة هذه المقولة، فإن من الخطورة بمكان أن يُغفلها العربُ، والسوريون. وأن ينتظروا من النظام الدولي التكرم بإعطائهم حقوقهم المشروعة، بعيداً عن بذل الجهد المطلوب. waelmerza@hotmail.com

مشاركة :