واسيني الأعرج: ليس من مهام الرواية كتابة التاريخ

  • 11/21/2016
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: محمدو لحبيب الحديث مع الكاتب الروائي الجزائري واسيني الأعرج ليس مجرد حديث عن الحكاية وتفاصيل بنائها، وعن شخصيات عالمه السردي، وعن تقنية الكتابة، لكنه في العمق.. هو حديث مع كاتب يحترف تقنية الإصغاء إلى الأصوات القادمة من عمق اللحظة التاريخية، ليرسلها كتابة إلى قمة الوعي باللحظات الحاضرة والمستقبلية. واسيني الذي أخذ اسمه من الولي سيدي محمد الواسيني، بطريقة تمتزج فيها بعض محددات الشخصية العربية في علاقتها بالتصوف ونسقه التفكيري، يبدو في رأسماله الثقافي وإحالاته روائياً يعرف كيف يوظف بنيته التكوينية تلك، ويمزجها مع ثقافته العالمة وانفتاحه على الآخر الغربي ذي البعد الثقافي المختلف حد النقيض. الخليج التقته وحاورته على هامش مشاركته في معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته ال35: لنبدأ من الماء، يلاحظ في بعض رواياتكم ذاكرة الماء، شرفات بحر الشمال وغيرها تتكرر علاقة وطيدة بالماء، كيف تفسرون للقارئ تجليات تلك العلاقة، وهل هي مؤسسة على بعد سوسيوثقافي يتعلق بالبيئة المتوسطية الجزائرية؟ - قد يكون هذا الجانب المتوسطي المرتبط بالنشأة والحياة إلى آخره يفسر تلك العلاقة، لكنها أيضاً مرتبطة عندي بأن الماء هو عنصر الحياة الأول، قد يبدو ذلك بديهياً، لكنه مهم جداً فنحن لا نستطيع العيش من دون ماء، هناك أيضاً الفكرة الوجودية المرتبطة دوماً بالماء، فبفضل سفينة نوح أنقذت البشرية من الطوفان، ولو لم تكن لانقرض البشر. وما يشغل بالي اليوم في عصرنا الحاضر هو الماء كمسألة حيوية ووجودية بالنسبة للناس، مثلاً أنا مذعور من الوضع القادم للسودان ومصر عند اكتمال بناء سد النهضة في إثيوبيا، فقد قرأت وثائق تبين أن ذلك السد سيلتهم ثلثي الطاقة المائية هناك، ما مصير السودان وما مصير مصر إذاً؟.. هذا المشكل يؤرقني شخصياً، هناك أيضاً مشكل مطروح للبشر ككل يتعلق بالماء، فالقطب الشمالي يذوب، ولو زاد البحر بفعل ذوبان القطب الشمالي إلى متر واحد في الارتفاع، فسيغرق جزء كبير من الأرض. الماء إذاً مسألة حيوية ومهمة في مختلف تجلياته. ذاكرة الماء عنوان روايتكمذاكرة الماء يثير بعداً رمزياً يتعلق بالماء أيضاً، ذلك أنه - أي الماء - يتلون بحسب الوسط الذي يوجد فيه، فهل يعني ذلك أنكم تريدون الإيحاء بضبابية تلك الذاكرة وعدم استقرارها على شكل محدد؟ - لا.. لا أقصد ذلك المعنى، وإنما أريد القول إنه مهما مات من البشر بفعل الإرهاب، فسيبقى شيء مثل النهر، وهذا النهر سيبقى مستمراً حتى ولو بدا أنه جف، لكنه يحتفظ بذاكرته، التي تتبدى في الخطوط والشجيرات والصخور حوله وفيه، تلك كلها تشكل ذاكرة للنهر وذاكرة للماء، تحفظ حقيقة مهمة وهي أن الماء مر هنا. ذاكرة الماء كما قلت في تلخيصك للرواية إنها ذاكرة جيلكم، ذلك الذي عانى الإرهاب لكنه عانى أيضاً الغربة، هنا يمكن طرح السؤال كيف يمكن للرواية كشكل إبداعي، أن تتصدى للإرهاب والتطرف الفكري؟ - الرواية في هذا الإطار والموضوع الفكري والسياسي، تدافع أولاً عن النفس، تدافع عن وجودها، عن الإنسان كثقافة وحضارة، لأن أولئك الإرهابيين هم صورة للعدمية، وللموت المبرمج المقنن، وأنا أعتقد أن ما يحدث اليوم في عالمنا العربي ليس صدفة وإنما هو مبرمج ومعد سلفاً، نعم الديكتاتوريات العربية مسؤولة عن هذه الحالة من الفوضى والتطرف، لكن أيضاً الغرب وعلاقاتنا معه مسؤولة عن هذه الحالة التي نعانيها. تداخل اللغات هل يعني ذلك أنك تؤمن بما يسمى نظرية المؤامرة؟ - أنا لا أعتبر أن المؤامرة نظرية، لكني واثق أنها موجودة. أحياناً في رواياتكم تتداخل اللغة العربية مع اللغة الفرنسية، كيف يمكن أن تبرروا للقارئ هذا المزج بين لغتين مختلفتين حضارياً؟ - أنا لا أبرر للقارئ، لكني أقول إن لدي شخصيات مزدوجة اللغة، لذلك - وهي ليست حالات كثيرة على كل حال- تبدو تلك التعددية في النص، لكني أترجمها للقارئ، وهي فقط تأتي لإجادة رسم الشخصيات، وللتعبير عن شخصيات تكوينها المعرفي والثقافي أصلاً تم بلغتين. إلى أي حد تساهم الرواية السياسية في إعادة كتابة التاريخ العربي من أجل اللحظة الحاضرة والمستقبلية؟ - بشكل عام لا أعتقد أن مهمة الرواية كشكل إبداعي أن تكتب التاريخ، ذلك أعتبره تحميلاً للرواية بأكثر مما تحتمل، لكن أتصور أن علاقة الرواية بالتاريخ تنبني أولاً على شكل قيم فنية، ثانياً تنبني على الإجابة عن سؤال قد يكون حيوياً، وطبعاً ذلك السؤال له علاقة بالتاريخ، ولكنه يؤسس للإجابة عن أسئلة الحاضر. لأن الذي يهمنا حقاً هو ما نحن فيه اليوم وليس ما حدث في الماضي، أنا كتبت روايات عديدة تاريخية، فمثلاً في رواية الأمير وكنت أحاول من خلالها أن أجيب على أسئلتي القلقة اليوم، ولم تكن مجرد رواية تحكي سيرة ذاتية للأمير عبد القادر الجزائري، والرواية هنا بشكل عام هي مجرد منبه، وليست مادة تاريخية حتى نعتمدها، لكن نستطيع أن نعتمد الحساسية والإثارة والحس العميق تجاه الأشياء والتفاصيل الصغيرة التي لا ينتبه لها المؤلف لكن تنتبه لها الرواية، وقد تكون الرواية تنبيهاً للمؤرخ على تلك التفاصيل لكنها لا تستطيع أن تحل مكانه. صوت التاريخ هل بالإمكان إذاً أن نقول إن الرواية هي كتابة التاريخ من حيث كونه حركة للإنسان داخل الزمان والمكان؟ - طبعاً يمكن ذلك، فلو وضعنا الرواية ضمن تلك الصيرورة، فستصبح صوتاً من أصوات الزمن وصوتاً من أصوات التاريخ، ولكن ليس ذلك التاريخ الذي يفهم على أنه هو المادة العلمية المرفقة بتحليلات، والمبنية على تحقيقات ووقائع، لا، الرواية هي جزء من هذا التاريخ من حيث كونها أداة للإصغاء لانكسارات العصر وليس فقط لانتصاراته وإيجابياته، للهزائم والخيبات العربية بالنسبة لنا، لكن أيضاً للحظات الإيجابية المنيرة التي يمكن أن تدفع بنا إلى الأمام، فإذاً هي لحظة إنصات، ولأنها كذلك فهي تندرج ضمن السيرورة التاريخية العامة، وهي عندئذ تنبه للصيرورة المحتملة، فمثلاً في رواية حكاية العربي الأخير، قال لي الكثيرون أنت متشائم في هذه الرواية، قلت لهم لا، أنا لأني روائي فمن المفترض أن أنصت للتكسرات التي يمكن ألا يسمعها الآخرون، فالمؤرخون الاقتصاديون مثلاً يركزون أكثر على الأرقام، ويقدمون تصوراتهم للأزمات الاقتصادية وغيرها، لكنهم يتوقفون عند هذا الحد، أما الروائي فعليه أن يذهب أبعد من ذلك الحد، عليه أن يرى ما يمكن أن يحدث مستقبلياً ولكن ليس وفق الرؤية التاريخية النمطية. مثلاً الروائي جورج أورويل حين كتب 1984 لم يكتبها كمؤرخ، لقد افترض عالماً قادماً، ومع ذلك فهو من حيث لا يدري اندرج ضمن التاريخ المستقبلي لأوروبا المنتشية بانتصارها في الحرب العالمية الثانية، كان يفكر في عالم قادم، في الحرب الباردة وانقسام العالم، في هيمنة وسائل الاتصال والدخول في عمق الإنسان واحتلاله من الداخل، هذه كلها حدثت في وقت لاحق، فإذن هو كان في صلب العملية التاريخية لكنه ليس مؤرخاً بأي حال. التصوف الجزائري هل أثرت البيئة الصوفية الجزائرية المرتبطة بولادتكم بطريقة درامية في بنية سردكم الروائي؟ - في منطقتنا تلمسان الجزائرية، كان ثمة ولي من أولياء الله اسمه سيدي محمد الواسيني، وبعد وفاته كان السكان ومن بينهم أهلي يزورون مقامه، وقد رأته والدتي في الحلم، وقال لها سترزقين بطفل ولكن إن لم تسميه على اسمي فسأمر بعد يوم وآخذه (يقصد الموت)، وهكذا تدخلت والدتي عند جدي ليكسر عادة التسميات التي كانت سائدة آنذاك، ولآخذ اسم نفس الولي: واسيني. قصة ارتباط اسمك بالولي الصوفي تبدو ملهمة، هل لديكم مشروع روائي عنها؟ - هي فعلاً ملهمة جداً، لدي مشروع روائي لكنه ما زال بعيداً، فيه حديث عن الرواية، ولكن ربما يكتمل ذات يوم إذا طال بنا العمر بإذن الله.

مشاركة :