بيوت الشعر.. حضور ديوان العرب

  • 11/21/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

محمد ولد محمد سالم في الأسبوع الماضي افتتح بيت الشعر في الخرطوم، ونظم بيت الشعر في الأقصر مهرجاناً للشعر، وقبله استضاف بيت الشعر في المفرق بالأردن مهرجاناً مماثلاً، ومثل ذلك فعل بيت الشعر في نواكشوط، وسبق ذلك افتتاح بيت الشعر في تطوان، وقبله بيت الشعر في القيروان، والعمل متواصل بين الافتتاحات والمهرجانات والأنشطة الأسبوعية والسنوية في عدة مدن وعواصم عربية، وربما نشهد في قادم الأيام افتتاح بيت الشعر في الجزائر أو بيروت أو بغداد. في انتظار أن تتوقف الحروب الدائرة في عدة أقطار عربية لكي تسمح ظروفها بإقامة بيوت شعر فيها هي أحوج لها قطعاً من مشاهد القتل والأشلاء المتناثرة في الطريق، ومن دمار البيوت والعمران وتشرد الأهل والخلان، فإن افتتاح بيوت أخرى في الدول التي سبق وأن افتتحت فيها بيوت للشعر أمر وارد لأن المبادرة طموحة، وأفقها واسع، وليس هناك سقف لعدد البيوت التي تنوي الشارقة أن تفتتحها في أرجاء الوطن العربي، فأينما وجدت ظروف ملائمة لمثل هذه المبادرة هي قيد التحقق، والمسألة مسألة وقت، هكذا كان القرار، وهكذا بدأت عجلة الشعر تدور منذ أن وجه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في لقائه بالشعراء المشاركين في مهرجان الشارقة للشعر العربي 2014 بإنشاء بيوت للشعر. جاءت المبادرة في وقتها، في زمن أصبح فيه الشعراء حرّاس اللغة، أصحاب الكلمة العذبة والصورة الآسرة والإيقاع الشجي أضيع من الأيتام على مأدبة اللئام، في وطن عربي عبّ وارتوى من الحروب حتى مجّها دماء حمراء قانية تتدفق في الطرقات، وشغلته الصراعات عن كل شيء، عن نفسه وهويته ومستقبله، وحتى البلدان التي لم تنكو بنار الحروب والصراعات، انكوت بالأسف عليها، والحسرة لما تراه وهي عاجزة عن توقيفه، لأن أنفساً خبيثة تحب الدماء وأيادي خفية تسعى للخراب تعبث خفية، ولا تريد لهذا الوطن العربي أن يستقر على حال، فمن أين لهذا العالم المصطخب بالألم وأصوات الرصاص أن يصغي للشعراء، وأن يهتم بالشعر؟ مع أنه لو أصغى لهم واهتم بهم، لوجد عندهم من الحكمة ومعاني الإنسانية السمحة ما ينسيه الصراع، ويبعده من الحروب، فهم أيضاً حرّاس تلك المعاني والمبشرون بها، يهدونها لنا في أحسن ثوب وأنقى عبارة، وقد قال أبو تمام قديماً في مثل هذا المقام: فما بالُ وَجْهِ الشعرِ أغْبَرَ قاتماً وأنفِ العُلى من عطلة ِ الشّعرِ راغمُ تَدَاركْهُ إِنَّ المَكرُمَاتِ أصابعٌ وإِنَّ حُلَى الأشعار فيها خَوَاتِمُ إذا أنتَ لمْ تحفظْهُ، لَمْ يَكُ بدْعَة ً ولا عَجباً أن ضَيَّعَتْهُ الأعَاجمُ فقدْ هزَّ عطفيهِ القريضُ توقعاً لِعَدْلِكَ مُذْ صَارَتْ إليكَ المَظَالِمُ ولولا خلالٌ سنّها الشعرُ ما درى بغاةُ الندى من أين تؤتى المكارمُ وقد زاد من ضياع الشعراء أيضاً انشغال البقية الباقية من المؤسسات العربية المهتمة بالثقافة بالرواية التي صعدت صعوداً قوياً، جعل جمهور القراء يقبلون عليها، فبقي الشعر حسيراً كسيراً لا يلقى ما كان يلقاه في أزمنة ازدهاره، وليس من نقص في الشعر أو عيب فيه، أو تغير في مكانته وقيمته كحامل ثقافي لحقيقة الإنسان، وهوية الأمة وقيمها، ولكن من رداءة الزمن وانخطاف الأنفس بما هو رائج وما يحبه الجمهور مهما كانت رداءة ذلك الذي يحبه الجمهور وقلة قيمته، وفساده، هذا هو وضع الشعر العربي اليوم فقد انصرف عنه الأفراد والمؤسسات، حتى انصرف عنه الشعراء أنفسهم، إلى مجالات تعود عليهم بمنفعة مادية تساعدهم على مواجهة قساوة الحياة، وتذكر هذه الحالة بحالة الشعر في زمن الانحطاط، حيث هجر بعض الشعراء الشعر إلى مهن لا علاقة لها بالشعر والأدب كالحِدادة والجِزارة، لعمرك إنه لضياع ليس بعده ضياع. جاءت مبادرة إنشاء بيوت الشعر كأمل يتلافى شيئاً من هذا الضياع، ويوقف مسيرة الانحدار سعياً لانتشال الشعر من السقوط، وإعادة الأمل إلى الشعراء، وتحريضهم على الشعر، كي لا يتوقف الإبداع، ويتوقف معه أمل الحياة، لأن الشعر هو أمل الحياة، وهو التوق الدائم للحرية ولمستقبل أفضل حتى وهو يصف أحلك لحظات الألم واليأس، لأن في خلفية اليأس أملاً لسعادة، وعندما افتتح أول بيت للشعر في مدينة المفرق استبشر شعراء المفرق به، وتنادوا إليه يُحيُّونه ويُحْيون أمسياته لأنهم رأوا فيه أملاً في مستقبل شعري زاهر وجميل، ورأوا فيه حضناً إبداعياً يجمعهم على القول الجميل وحده، وليس شيئاً غيره، وكذلك كان حال الشعراء في الدول الأخرى مع البيوت التي افتتحت فيها، فقد استشعروا نبل الهدف، وسمو المرام، وأن هذه هدية لهم لا تروم مقابلاً، ولا تريد جزاء ولا شكوراً، ويكفيها مقابلاً أن يزدهر الشعر، وأن يجد أولئك المبدعون فرصة في منبر يخاطبون منه جمهوراً، ويداً تساعدهم ليقفوا على أقدامهم شامخين بشعر شامخ، وأن يصبح الشعر العربي بخير، ويظل ديوان العرب الحاضر في قلب اهتمامها، والحارس للغتها ووعيها وهويتها وإنسانيتها. على امتداد خريطة الوطن العربي، ما من دولة إلا ما قل وندر إلا وفيها عدة اتحادات ومنتديات شعرية تتصارع على استقطاب الشعراء وتمثيلهم عند الهيئات الرسمية، والزج بواجهتهم الثقافية في معمعة الصراعات السياسية، وتختلف تلك الاتحادات حول كل شيء، فتجعل المؤسسات حائرة إلى من تنحاز، ما يشل عملها كاتحادات منوط بها السعي إلى كل ما فيه مصلحة الشعراء والإبداع، ويجعلها في حالة استقالة عير معلنة لكنها شواهدها واضحة، فهي لا تنجح غالباً في طبع دواوين الشعراء المنتمين إليها، ولا في الحصول على دعم مالي تحل به بعض مشاكل أعضائها، ولا في الدفاع عن حقوقهم واستخلاص تلك الحقوق من أيدي من يمنعونهم إياها، وهي تنحاز لبعضهم ضد بعض، وحين أقبلت بيوت الشعر من الشارقة حملت معها بعض تلك الأمنيات المرجأة وبدأت في توزيعها على الشعراء، فوفرت دعماً مادياً مهماً تكمن رمزيته بأنه شيء ثمين لشاعر فقير لا يجد قوت يومه، ووفرت فرصة لنشر دواوين شعرية بدأت بوادرها تظهر في ما نشرته دائرة الثقافة والإعلام، حتى الآن من دواوين الشعراء باقتراح من إدارات بيوت الشعر، ونتوقع أن تتسع التجربة يوماً بعد آخر، وفوق ذلك وفرت أنها لا تنتمي لأية أيديولوجيا سياسية، ولا ترتبط بأي إطار اجتماعي، ولا تهدف لغايات أخرى غير غايات الشعر، فلن يصعد الشاعر إلى منابرها ليكون مع هذه الطائفة أو ضد تلك، بل لينثر شعره، ويطرب مستمعيه، وهذا يضمن له حريته في الإبداع، واختيار ما يقوله. لا تقتصر مبادرة بيوت الشعر على عواصم البلدان العربية، ولن تقتصر على مدينة واحدة، في الدولة الواحدة، فحين تنتهي المرحلة الأولى وتعم البيوت ما يمكن أن تعمه من البلدان العربية، ستكون هناك مرحلة ثانية يفتتح فيها أكثر من بيت في دولة واحدة، ذلك هو فحوى المبادرة، وهو ما يعد به المسؤولون في دائرة الثقافة والإعلام، ونرجو أن تتوافر لها الظروف المواتية لكي تعم كل قطر عربي، وتعود بالكرة على كل مدن الوطن العربي، وأن تنشأ مبادرات أخرى للشعر مماثلة لها في نبل الهدف وسمو الطموح، حتى يتمكن ديوان العرب من استعادة وهجه في النفوس وفاعليته في الحياة، وقدرته على المساهمة في صناعة مستقبل زاهر، وأن يبشر بالجمال والعدل والسلام، ويتمكن أبناؤه من استعادة مكانتهم كعقول فذة ونفوس سامية تصنع لنا الجمال وتملؤنا بالسعادة.

مشاركة :