غيوم تتجمع في سماء الانتخابات الرئاسية

  • 3/21/2014
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي لا جدال في أن انتخابات الرئاسة المقبلة، وهي الأولى عقب إطاحة الدكتور محمد مرسي، ستكون الأخطر في تاريخ مصر الحديث. وما لم يقتنع الجميع، في الداخل والخارج على السواء، بأن رئيس مصر المقبل، خصوصاً إذا كان اسمه عبدالفتاح السيسي، قد تم اختياره بإرادة شعبية حرة وعبر انتخابات تنافسية أحيطت بكل ضمانات الحياد والنزاهة والشفافية، فستتحول الانتخابات الرئاسية المقبلة إلى عبء على المستقبل بدلاً من أن تصبح وسيلة فعالة لإخراج البلاد من أزمتها السياسية الراهنة والعميقة. أما إذا نظمت هذه الانتخابات باعتبارها عملية «تحصيل حاصل» معروفة النتائج سلفاً، فستساهم في ذيوع وتثبيت الفكرة القائلة إن ما جرى في مصر يوم 3 تموز (يوليو) الماضي، كان انقلاباً عسكرياً على الشرعية، وإن خروج الجماهير يوم 30 حزيران (يونيو)، للمطالبة بسحب الثقة من مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، كان عملية مدبرة من جانب أجهزة الأمن لتبرير المخطط الانقلابي. وعلى رغم قناعتي الشخصية بأن ما جرى يوم 30 حزيران كان تعبيراً عن إرادة شعبية حقيقية، وليست مصطنعة، وأن تحرك الجيش يوم 3 تموز لعزل مرسي كان له ما يبرره، إلا أنني أعترف بعجزي عن فهم واستيعاب الكثير من التصرفات اللاحقة للأجهزة المسؤولة عن إدارة الدولة المصرية. ليس من الصعب على أي محلل سياسي إدراك حقيقة الأسباب التي دفعت بقطاعات واسعة من شعب مصر لمطالبة السيسي بترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، اعتقاداً منها بأنه الرجل المؤهل أكثر من غيره لقيادة مصر في هذه المرحلة الصعبة والمليئة بالتحديات الداخلية والخارجية، ولا أظن أن بمقدور أي محلل منصف أن ينكر حقيقة واضحة للعيان وهي أن السيسي حظي بشعبية هائلة، وتلقائية، عقب نجاحه في عزل مرسي وإسقاط حكم جماعة «الإخوان». ولأن الحياة السياسية في مصر كانت تعرضت على مدى عقود سابقة لحال مخيفة من «التجريف»، حالت دون ظهور قيادات مدنية ميدانية يمكن أن يطمئن لها الشعب المصري ويلتف حولها، لم يكن من المستغرب قط أن يرى في الرجل الذي حمل روحه على كفه وتقدم وأنجز، صورة «البطل المنقذ» الذي كان دائم البحث عنه. غير أنني أزعم في الوقت نفسه أن الأجهزة المسؤولة عن إدارة البلاد في مرحلة ما بعد حزيران، لم تكن على مستوى اللحظة التاريخية، وعجزت عن استثمار تلك الشعبية الهائلة التي تمتع بها السيسي لمصلحة الجهود الرامية لبناء نظام سياسي قابل للدوام وقادر على تحقيق الاستقرار، بل لا أبالغ إن قلت إن الضرر الناجم عن هذا القصور، والذي خصم من شعبية المشير تدريجاً، ربما أصبح الآن غير قابل للإصلاح، وهو نتاج سلسلة طويلة من الأخطاء يمكن رصد أهم ملامحها على النحو الآتي: أولاً: أخطاء ناجمة عن تشكيل الحكومة: فعقب الإعلان عن «خريطة الطريق» الجديدة في 3 تموز، أعلن عن ترشح الدكتور البرادعي لرئاسة الحكومة. فالرجل كان أبرز شخصيات جبهة الإنقاذ، واحتاجت المرحلة إلى عقلية سياسية تديرها بالتشاور مع القوى التي صنعت الحدث في 30 حزيران. غير أن اعتراض حزب النور أجبر «صانع القرار» على التراجع، فجرى ترشح الدكتور زياد بهاء الدين، وتكرر الاعتراض والتراجع لينتهي الأمر بتكليف الدكتور الببلاوي رسمياً تشكيل الحكومة. وعلى رغم ما عرف عن الببلاوي من طهارة اليد والنزاهة، إلا أن اختياره لقيادة الحكومة في تلك المرحلة لم يكن موفقاً، بالنظر إلى عامل السن وغياب الرؤية السياسية القادرة على إدراك واستيعاب وتنفيذ المهام المطلوبة. وحين تدهور أداء الحكومة وراحت المطالب الفئوية تنفجر من جديد، أدرك «صانع القرار» أن وقت التغيير قد حان، غير أن التغيير جاء متأخراً جداً كالعادة، ولم يقتنع الناس بالمعايير التي تم الاستناد إليها في اختيار الرئيس أو أعضاء الحكومة الجدد. ثانياً: أخطاء تتعلق بأداء السلطة التنفيذية ككل: كان يفترض في حكومة تأتي بعد «30 يونيو» أن تكون مختلفة عن كل الحكومات السابقة، لأن الأوضاع لا تحتمل فشلاً جديداً في إدارة المرحلة الانتقالية. غير أن حكومة الببلاوي لم تتمكن من تقديم أي جديد على الصعيد التقني، أما على الصعيد السياسي فقد ارتكبت السلطة التنفيذية ككل، بما في ذلك مؤسسة الرئاسة، أخطاء قاتلة، تصل إلى حد الخطايا، ترتب عليها إصابة الكثيرين بالإحباط، بما في ذلك شباب 30 حزيران الذين زج ببعضهم في السجون. ثالثاً: أخطاء تتعلق بأداء الدائرة الضيقة المحيطة بالمشير السيسي: إذ يبدو أن الحرص المبالغ فيه على تقديم السيسي كرجل زاهد في المنصب، بالتالي يتعين أن يطلب منه وألا يطلب لنفسه، وأيضاً باعتباره «البطل المنقذ» الذي يملك مفتاحاً سحرياً لحل مشكلات مصر المستعصية، قد دفع بالدائرة الضيقة المحيطة به إلى اتخاذ عدد من المبادرات ترتب عليها نتائج معاكسة لما كان يرجى منها، وأدت إلى تآكل تدريجي في شعبية الرجل. من هذه المبادرات، على سبيل المثال لا الحصر، إقناع الرجل بحضور مؤتمر صحافي بصحبة رئيس الجمهورية للإعلان عن نجاح المؤسسة العسكرية في تحقيق سبق علمي مهم باختراع أجهزة للكشف عن عدد من الأمراض المستعصية وعلاجه، وتوقيع عقد مع شركة إماراتية لبناء مليون وحدة سكنية للشباب... إلخ. والشيء المؤكد الآن أن السيسي لم يكن في حاجة للظهور في تلك المناسبات سواء لزيادة شعبيته أو للمحافظة على مستواها، فضلاً عن أن بعضها أساء للرجل من دون مبرر وانتقص من شعبيته. فإذا أضفنا ما سبق أن إقدام رئيس الجمهورية الموقت على تحصين قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية، بالمخالفة لنص المادة 97 من الدستور، فسر على أنه ينطوي على مجاملة للمشير السيسي ومؤشر إضافي إلى عزمه خوض سباق الرئاسة، لأدركنا أن الوضع السياسي في مصر بات غاية في التعقيد. لم يكن السيسي، حتى كتابة هذه السطور، أعلن رسمياً عن استقالته من منصب وزير الدفاع، وهي خطوة ضرورية تسبق وتؤكد عزمه على خوض سباق الرئاسة. ولأن الأمور وصلت إلى نقطة لا يستطيع معها السيسي أن يتخذ قراراً بعدم دخول هذا السباق، وإلا ضرت الفوضى جوانب الساحة السياسية كافة في مصر، فقد أصبح السيسي هو المشكلة وهو الحل في آن واحد. ترشح السيسي مشكلة لأنه سيؤدي بالفعل إلى إحجام الكثير من الشخصيات الطموحة عن خوض السباق، إما خوفاً من شعبيته الكبيرة، أو اقتناعاً بأن الأجهزة الرسمية ستتدخل لمصلحته حتماً حتى لو اضطرت إلى تزوير النتائج، وإحجامه عن الترشح بات مشكلة، لأنه سيصور في هذه الحال باعتباره هروباً وتخلياً عن المسؤولية. وأياً كان الأمر فقد أعلن الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح مبكراً انسحابه من السباق لاعتقاده بأن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون «مسرحية هزلية»، ومنذ أيام أعلن خالد علي انسحابه من السباق احتجاجاً على تحصين قرارات اللجنة الانتخابية، ولم يبق الآن سوى حمدين صباحي، ووجوده لا يكفي لضمان انتخابات تنافسية حقيقية. غيوم كثيرة بدأت تتجمع الآن في سماء الانتخابات الرئاسية، نسأل الله أن تنقشع بسرعة وألا تتحول إلى غمة تصيب المصريين بمزيد من الإحباط.     * كاتب مصري

مشاركة :