«طريقنا إلى الفوز».. اطلبوا الابتكار ولو في الصين

  • 11/23/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

مثابرة، ورهان على المستقبل، ومنظومة قيم.. معادلة قد تلخص حكاية التنين الصيني مع الابتكار الذي رآه الجميع هناك - وليس القادة أو أصحاب العقول الذكية فحسب - سبيل النهوض، فـ«الابتكار هو الحذاء السحري الذي انتعلته قدما الصين، فسارت به خطى جعلتها العملاق الفعلي الذي كان أسطورة فتحول إلى واقع قائم»، كما تسرد يوميات رواد معرفة ساهموا في انطلاقة ذلك المارد الأصفر خلال عقود وليس قروناً. لوحة الهاتف النقال بيد الفلاحين والرعاة يعتبر رئيس شركة تشاينا موبيل، وانغ جيان تشو، الابتكار المتواصل هو الذي حمل الشركة إلى العالم، وجعلها تحتل المركز الأول في قطاع الاتصالات، وتبوأت المركز العاشر بين شركات العالم كافة. ولا تغيب سلسلة القيم عن حديث تشو، فثمة تركيز على نوعية العاملين وما يحملونه من قناعات، في ظل الحديث عن اعتبار الهاتف المحمول مثل الأذن للإنسان، لذا توفر الشركة هوائياتها بكل مكان في الصين، حتى في القرى والمناطق والقمم الجبلية، ويؤكد أنه لا لوحة سعادة في العالم توازي ما شعروا به في الشركة حينما تمكنوا من تغطية القرى البعيدة، وإتاحة الفرصة للفلاحين للتحدث مع من يحبون: «حتى يتمكن الفلاحون والرعاة من استخدام الهاتف النقال.. وأسهمنا في نقل التنبؤات بالفيضانات من خلال إرسال الرسائل القصيرة بالهاتف النقال، ما ساهم على إجلاء الناس بفعالية وأمان».. من علم الأحياء إلى استثمار المخاطر ترك رئيس المؤسسة الصينية لصناعة برمجيات النطاق العريض، تيان سو نينغ، دراسة الأحياء، إلى استثمار المخاطر، وصناعة العلوم والتكنولوجيا العالية، معتقداً أن قطاع النطاق العريض للإنترنت في عصرنا هو شأن محرك البخار قبل أكثر من 150 عاماً. ودخل هذا المجال مسؤولاً عن تكوين شركات صينية جديدة في ذلك الميدان من بينها «نيتكوم». ابتكار نينغ كان يتلخص في توفير التمويل، لذا فكر في تأسيس مؤسسة للاستثمار، مدفوعاً بتحقيق تنمية اقتصادية وقفزة حقيقية لنهوض الأمة الصينية «وذلك يشبه اختراع الهولنديين السفينة السريعة، واختراع البريطانيين محرك البخار، واختراع أديسون الكهرباء، واختراع فورد السيارة أثناء عملية النهوض الاقتصادي الأميركي. إذن أي قطاع سيظهر فيه أديسون الصيني وفورد الصيني؟». يبرز كتاب «الابتكار طريقنا إلى الفوز» تجربة شعب في مجال التقدم العلمي والتكنولوجي، وكيف اتفق الجميع على سحرية تلك الكلمة، وكونها بوابة للانطلاق، للوصول إلى جعل الابتكار سياسة يرددها الكل من أجل تحقيق حلم «صنع بالعقل الصيني» وليس «صنع في الصين» فقط. يحوي الكتاب الذي صدرت نسخته العربية عن مؤسسة الفكر العربي، محاضرات أبطالها ليس فقط النماذج المضيئة التي اعتلت منصات جامعة بكين لتروي قصتها مع الابتكار، بل كذلك الجمهور الذي حرص على الحضور، والمفارقة أن ذلك الجمهور لم يكن مقتصراً على الفنيين أو المختصين في ميادين الابتكار، بل ضم فئات متنوعة: طلبة مبتدئون، وحالمون صغار بأن يصيروا يوماً ما مبتكرين. وقال عميد كلية قوانغهوا للإدارة في جامعة بكين تشانغ وي وينغ، في مقدمة الكتاب إن «الكثير من الناس يسمي هذا العصر بعصر العلوم والتكنولوجيا العالية أو عصر المعلومات أو عصر الاقتصاد المعرفي، وفي الحقيقة يمكن لنا أن نجمع كل هذه التسميات في اسم واحد هو عصر الابتكار»، مشيراً إلى أن الابتكار «من أعمال الشركة وليس نتاج إلهام بعض العقول الذكية، عملية نظامية، تحتاج إلى مثابرة، ونظرة بعيدة، لأن أي ابتكار لن يتحقق على الفور.. طورت شركة بروكتر أند غامبل الحفاضات التي تستخدم مرة واحدة للأطفال في ستينات القرن الماضي في مدة 10 سنوات من البحث والتطوير، ولم يكن طول المدة سببه مشكلة تكنولوجيا، بل لأن خفض أسعار الحفاضات إلى الحد الذي تصبح فيه مقبولة استغرق 10 سنوات». يحفل الكتاب بتجارب المحاضرين والمشكلات التي واجهتهم، من أمثال مؤسس موقع علي بابا وسواه، ليشاركهم القارئ متعة السعادة التي حققوها بعد نجاحهم في إقامة المشروعات بالعمل الشاق والمثابرة «فهم يؤكدون أن الابتكار يحتاج إلى النظرة البعيدة والمثابرة، ولا يمكننا أن نعمل بالاستعجال والتسرع، ولا يجوز لنا أن نطمع في احتلال السوق كلها أو حصة كبيرة منها من خلال ابتكار تكنولوجيا أو منتج في وقت قصير». حكاية نجاح تشبه الأساطير حكاية نجاح شركة «علي بابا» تشبه الأساطير، التي تحققت في سنوات قليلة، على حد تعبير رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة ما يون، الذي يروي أنه عندما فكر للمرة الأولى في تأسيس ذلك الكيان دعا 24 من أصدقائه ليستشيرهم، وتحدث معهم ساعتين، فرفض 23 منهم المشروع، ولكن واحداً قال جرّب. واجهت الشركة صعوبات بالجملة في البدايات، والبعض كان يتوجسن من التقدم للعمل فيها «حتى إن أحدهم اتصل بزوجته قبل المقابلة، وقال لها إنني سأدخل بعد قليل، إذا لم أخرج أبلغي الشرطة». رفع مؤسس علي بابا (الذي لم ينجح في امتحان قبول الجامعة) ثلاثة أسباب اعتبرها من مقومات بقاء الشركة ونجاحها: «لا أفهم التكنولوجيا، لم تكن معي أموال، لم أضع خطة»، مقتنعاً بأن التكنولوجيا السهلة تجتذب الناس، والأموال الكثيرة ربما تكون باباً للخطأ عند تأسيس المشروع. ويضيف «أدركت أن إقامة الشركة لا تعني البحث عن أفضل إنسان، بل علينا أن نجد إنساناً مناسباً، محرك الطائرة بوينغ 747 ممتاز، لكن إذا ركب على الجرار الزراعي، فمن المؤكد أنه سينفجر بعد تحريكه. تتحقق تنمية الشركة خطوة فخطوة، وتعتمد كل خطوة على العقل وليس على المال، ويجب تشغيل الشركة بالذكاء والشجاعة وتعاون فريق العمل، وما دامت الشركة متفوقة فإن الأموال ستأتي إليها بالتأكيد. لا أفهم في التكنولوجيا، فكيف أقود شركة للإنترنت؟ أعتقد أن مفتاح هذه القيادة هو احترام المتخصصين، لم أتشاجر مع أي مهندس». لا تغيب القيم وسط كل اللهاث وراء النجاح وربما المال، إذ يركز مؤسس «علي بابا» على الاهتمام بالوفاء والحماسة والاحترام ووضع طلب العملاء في المقام الأول، وثمة مسميات للموظفين لديه، فالناجح الذي لا يعير القيم انتباهاً هو «الكلب البري»، بينما الممتاز في نظرته للقيم «الأرنب الصغير». ويركز على الهدف البقاء والاستدامة «وإلى يومنا هذا لم تقترض (علي بابا) فلساً من البنك، ولم تطلب فلساً من الحكومة.. نظرية القيم هي ابتكار شركة علي بابا، وشعورها بسمو الرسالة، فالشركة رفضت تقديم العمولة، وظلت تخسر حتى وقفت على قدميها»، كما ذكر صاحبها. المفتاح الذهبي للمستقبل بداية التجارب الابتكارية مع نائب الرئيس الأعلى لشركة مايكروسوفت العالمية تشانغ يا تشين، الذي يروي أنه كان يقول لمن يريدون زيارة مقر الشركة، سواء في الصين أو أميركا، كان يقول لهم: «من الطبيعي أن نرحب بزيارتكم، لكن هناك احتمال كبير بأنكم ستحبطون، لأنكم لن لن تجدوا في مايكروسوفت معملاً كبيراً، ولا خط إنتاج وبنايات كثيرة، ستشاهدون فقط العقول البشرية والكمبيوتر». فالشركة تركز على المتخصصين الأذكيار، وثمار الابتكار أو حقوق الملكية الفكرية، معتبراً أن ذلك المفتاح الذهبي للمستقبل. ويؤكد أن بلاده عليها أن ترفع شعار «صنع بالعقل الصيني، ولقد أصبح الابتكار سياسة دولة بالصين، الابتكار والبرمجيات هما أكثر كلمتين رددهما الرئيس الصيني عند زيارته لأميركا»، لافتاً إلى أن الابتكار ليست له حدود، وأساسه السعي المتواصل إلى الأفضل والقدرة على العمل العابر للثقافات. أكبر موقع في النصف الشرقي من الأرض يرى رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشبكة «بيدو»، الذي يعد أكبر موقع على الإنترنت في النصف الشرقي من الكرة الأرضية، لي يان هونغ، أن الابتكار مهم جداً للإدارة، في ظل سوق سريعة التغيير، ففي الإدارة «إذا قلت للعاملين معك إن عليهم الوصول إلى العمل في التاسعة صباحاً دون أن يتأخروا ولو دقيقة واحدة، تحت طائلة العقوبة، فمن المحتمل أن تكبح قدرتهم على الابتكار، لأنهم محبطون بسبب معاملتك له، إذا كان أسلوبك على النقيض من ذلك، فستنمو قدرة العاملين على الابتكار وإحساسهم بمسؤوليتهم تجاه الشركة باستمرار، أعتقد أنهم سيأتون إلى الشركة حتى إذا حدث شيء في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، لأن ثقافة شركتك تشعرهم بأنه من واجبهم الطوعي الأخلاقي التوجه إلى الشركة». ناجون من الأزمة المالية.. بالإبداع يسلط نائب الرئيس التنفيذي لشركة آي دي جي، شيونغ شياو، الضوء على كيفية تفوق الصين في التعامل مع الأزمة المالية العالمية، مشيراً إلى أن ابتكار بلاده كان في الناحية المالية والتفوق غير المسبوق باحتياطي كبير، عازياً سبب الأزمة في وول ستريت إلى فائض المتخصصين في الإدارة المصرفية «في الولايات المتحدة الأميركية لابد أن يبحث الإنسان عن عمل، وكلما يزداد عدد المتخصصين يشتد بحث الناس عن الأعمال، ما يعزز التنافس، والتنافس يؤدي إلى الابتكار. لقد تجاوز الابتكار حده، فحدث فيضان ابتكاري، ثم ظهرت الأزمة». المنافسة بين الفيل والذئب يتطرق المدير العام لشركة مورغان ستانلي، جي وي دونغ، إلى صناعة الإعلام والترفيه، والابتكار في المحتوى، خصوصاً في ما يتعلق بالإعلام الجديد، وله رؤية خاصة في الإعلام التقليدي، وأن شبكة الإنترنت لن تزيح الصحف: «فشعورك تجاه امتلاك جهاز كمبيوتر يختلف عن شعورك عندما تقرأ صحيفة. المنافسة بين وسائل الإعلام التقليدية والإنترنت مثل المنافسة بين الفيل والذئب: الإنترنت أسرع من وسائل الإعلام التقليدية، فهي تنشر الأخبار في كل دقيقة. إذن فهو تنافس في العمق. لماذا لـ(وول ستريت جورنال) عدد كبير من القراء المخلصين، يقرؤونها كل يوم رغم وجود الإنترنت؟ لأن المحررين ذوي المستوى العالي أصبحوا زعماء الآراء في هذا القطاع، ويصعب أن نجد التحليل العميق على الإنترنت مثل ما نجده في الصحف، لذلك سيتطور كل الصحافيين في الكتابة بعمق أكثر فأكثر».

مشاركة :