د. أحمد سيد أحمد مع دخولها شهرها الثاني لا تزال معركة تحرير الموصل من قبضة تنظيم داعش الإرهابي تسير بخطى بطيئة، فمنذ انطلاق العمليات العسكرية في ال17 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تجسد الحصاد في تحرير أكثر من 140 قرية وناحية وقضاء وحياً ومنطقة، بمحيط مدينة الموصل وداخلها، ونجحت القوات العراقية في السيطرة على مطار المدينة وتحرير مدينة النمرود التاريخية، كما سيطرت قوات الحشد الشعبي على مطار تلعفر وتحاول دخول المدينة. هذا الحصاد لا يتناسب والتوقعات المسبقة بالحسم السريع للمعركة، وهو ما يعكس حجم التعقيدات والتحديات الكبيرة التي تواجهها، ويؤشر إلى أنها ستستغرق وقتاً طويلاً. فعلى خلاف معارك تحرير الفلوجة وتكريت والأنبار، والتي استغرقت وقتاً قصيراً، تتسم معركة الموصل بالتعقيد الشديد لعدة عوامل: أولاً: ما تم إنجازه حتى الآن يدخل في نطاق المرحلة الأولى والتي تتسم بالسهولة النسبية، حيث إن مسرح العمليات دار في محيط وتخوم المدينة وهي مساحات شاسعة لعبت فيها الغارات الجوية التي تشنها قوات التحالف الدولي دوراً مؤثراً في دعم تقدم القوات العراقية من خلال استهداف قوات ومواقع داعش، إضافة إلى اعتماد التنظيم على استراتيجية الانسحاب التكتيكي من الأطراف والاتجاه إلى قلب المدينة، وهو ما مكن القوات العراقية من السيطرة على مساحات كبيرة في محيط الموصل، لكنها لا تعني سرعة حسم المعركة. ثانياً: دخلت المعركة المرحلة الثانية وهي الأصعب وتتمثل في حرب الشوارع لتحرير أحياء المدينة، حيث تواجه القوات العراقية مقاومة شرسة من عناصر التنظيم، وتحولت المعارك إلى حرب العصابات، وتحتاج إلى تكتيكات مختلفة حيث لا يجدي معها استخدام القوات الجوية، نظراً للتلاحم بين القوات العراقية وعناصر التنظيم، خاصة في ظل الصعوبات اللوجستية التي تواجهها وتتمثل في استخدام التنظيم للمدنيين من الأطفال والنساء كدروع بشرية، إضافة إلى لجوئه لتكتيكات متعددة مثل استخدام السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية ضد القوات العراقية من الجيش والشرطة وقوات مكافحة الإرهاب، إضافة إلى استخدام الأنفاق العديدة داخل المدينة، وتلغيم شوارعها، واستخدام المواد الكيماوية من الكبريت والأمونيا، وهو ما أوقع الكثير من الضحايا في القوات العراقية، مقابل مقتل أكثر من 1500 عنصر من تنظيم داعش، وهو ما يعكس تقارب موازين القوى بين الجانبين داخل المدينة، خاصة مع امتلاك التنظيم أسلحة ليزرية وصواريخ كورنيت التي تستهدف المدرعات والطائرات التي تحلق على ارتفاعات مختلفة. كما أن التنظيم سعى إلى فتح جبهات مختلفة مثل شن هجمات في كركوك والأنبار والرمادي بالسيارات المفخخة والعمليات الانتحارية، لتخفيف الضغط عليه في الموصل، إضافة إلى تجدد المعارك مرة أخرى في الأحياء التي تم تحريرها لوجود بعض الجيوب والمجموعات الصغيرة القتالية لتنظيم داعش فيها. ثالثاً: غياب التنسيق في خطة التحرير حيث لا يوجد توازن بين المحاور الأربعة في عملية تحرير المدينة، فالتقدم في المحور الشرقي كان الأبرز، حيث نجحت القوات العراقية في تحرير أكثر من ثلث شرق الموصل في الضفة اليمنى لنهر دجلة، وسيطرت على أحياء عديدة مثل عدن والزهراء والقادسية والانتصار والتحرير والعلماء، لكن المعركة الأصعب هي في الضفة الغربية، خاصة في الأحياء الشمالية والجنوبية للمدينة التي تعد معقل داعش، حيث تتركز أغلب عناصره وعتاده. كما أن التقدم على المحور الشمالي توقف عند تحرير مدينة بعشيقة من جانب قوات البشمركة الكردية، بينما حررت قوات الشرطة الاتحادية مدينة حمام العليل فقط في المحور الجنوبي. أما في المحور الغربي والذي تتولاه قوات الحشد الشعبي، فيسير ببطء أيضاً رغم تحريرها العديد من القرى والفضاءات حول تلعفر وسيطرتها على القاعدة الجوية فيها واقترابها من المدينة، إلا أن هذه القوات لا تحظى بالإسناد الجوي من قوات التحالف الدولي، كما أن تقدمها ناحية تلعفر يثير العديد من الإشكاليات، خاصة في ظل الاعتراض التركي وتهديد أنقرة بالتدخل العسكري إذا دخلت قوات الحشد المدينة، وذلك تحت دعاوى حماية التركمان والحفاظ على التركيبة الديمغرافية والدينية لها ومنع حدوث انتهاكات وعمليات انتقامية. ومن ناحية أخرى ارتكبت قيادة القوات المشتركة خطأ كبيراً يتعلق بإشراك قوات عسكرية مدرعة، وهي قوات الفرقة التاسعة من الجيش، التي تشمل دبابات ابرامز ودبابات تي 52في معارك تحمل طابع حرب العصابات التي تجري بين الأحياء السكنية الضيقة، مما يجعلها تتعرض بسهولة للهجمات السريعة والخاطفة التي يشنها عناصر داعش على قوات الجيش في أحياء الموصل عبر الأنفاق والألغام. كما أن استراتيجية الحصار الشامل للتنظيم من كافة المحاور خاصة من الجانب الغربي، قد ساهم في منع عناصره من التسلل إلى الرقة في سوريا، لكنه فرض على التنظيم استراتيجية الحياة أو الموت والدفاع عن المعقل الأخير ولجوئه إلى العمليات الانتحارية، وهو ما زاد من التكلفة البشرية والمادية للقوات العراقية. رابعاً: يظل المدنيون إحدى العقبات ونقطة الضعف الرئيسية لمعركة تحرير الموصل، حيث إن المدينة والتي تعد ثاني أكبر المدن العراقية، يقطنها أكثر من نصف مليون شخص يرزحون بين مطرقة القوات العراقية وعناصر تنظيم داعش، فمن ناحية قام التنظيم باحتجاز أكثر من ثمانية آلاف عائلة، تضم عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال بمناطق حول مدينة الموصل لاستخدامهم كدروع بشرية، وقيامه بإعدام وقتل العشرات بتهمة التعاون مع القوات العراقية. كما أن كثيراً من سكان المدينة يقع في مرمى النيران المتبادلة وهو ما أوقع الكثير من الضحايا، إضافة إلى صعوبة خروجهم من المدينة بسبب حصار قوات داعش لهم وإجبارهم على المكوث فيها. ومن ناحية ثانية فإن المعارك أدت إلى نزوح أكثر من ستين ألف شخص من سكان المدينة ويتعرض معظمهم لظروف قاسية مع دخول فصل الشتاء، حيث لم يتم تجهيز أماكن الإيواء وتوفير الخدمات اللازمة لهم كالرعاية الصحية وتقديم الغذاء لهم. ومع دخول المعركة مرحلة حرب الشوارع فمن المتوقع سقوط أعداد أكبر من المدنيين وكذلك من النازحين، ومن ثم فإن تباطؤ المعارك وتعقدها وطول أمدها يزيد من التكلفة الباهظة بشرياً ومادياً مع تدمير البنية التحتية والمنشآت السكنية. حرب الشوارع سيكون لها الدور الفاصل في حسم معركة الموصل مع انتقال القتال إلى داخل الأحياء وتحريرها واحداً بعد الآخر، وهو ما يتطلب تكتيكات عسكرية جديدة من جانب القوات العراقية، تتناسب مع طبيعة المعارك لتسريع عملية التحرير ولتفادي وقوع خسائر بشرية في صفوف المدنيين، والأهم وجود رؤية سياسية ترتكز على تكريس فكرة أنها معركة عراقية ضد الإرهاب وتنحية أية اعتبارات طائفية أو عرقية لطمأنة سكان المدينة مما يدفعهم لممارسة دور إيجابي في حسم حرب الشوارع بأقل تكلفة وأقصر وقت. خبير العلاقات الدولية في الأهرام
مشاركة :