هل ابتعد الجيش الجزائري فعلا عن العمل السياسي بعد أن كان يقود الانقلابات على الرؤساء، وتعيين جميع المسؤولين من نائب المدير المركزي إلى الوزير والسفير والقنصل، والمحافظ ونائبه، والمجالس العليا التابعة للرئاسة. العربأزراج عمر [نُشرفي2016/11/24، العدد: 10465، ص(9)] من المعروف أن النظام الحاكم في الجزائر يمنع منعا باتا الخوض بالتحليل الموثق والمعزز بالمعلومات والنقد الصريح في عدد من القضايا الجوهرية وتتمثل في ثالوث؛ شخص رئيس الجمهورية وأسلوبه في إدارة شؤون الدولة، والجيش الوطني الشعبي ومختلف مؤسساته، والصحراء المغربية، وجراء ذلك يصعب على أي باحث أو إعلامي أو مراقب سياسي الوصول إلى الأسرار والمعلومات أو الاقتراب منها في أي ظرف من الظروف. في هذا الأسبوع نشرت مجلة الجيش التابعة للجيش الجزائري، في عددها الجديد لشهر نوفمبر، مقالا يحمل عنوان “الجيش الوطني الشعبي وفاء للمهام الدستورية”. في هذا المقال تحدثت مجلة الجيش بأسلوب ملتبس أن هناك جهات طلبت من مؤسسة الجيش الجزائري إزاحة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة من منصبه بعد تعرضه للمرض الذي أقعده ولا يزال يحول بينه وبين ممارسة مهامه به بسلاسة ووفقا للدستور وللتقاليد الرئاسية على المستوى الدولي. في هذا الخصوص أكدت هذه المجلة أن الجيش الجزائري بعيد كل البعد عن السياسة، وأبرزت أن مهمته تتلخص في حماية التراب الوطني والسيادة الوطنية والدستور فقط، ولكن هذا المقال، الذي لا يشك أحد أنه كتب ونشر بأمر من وزارة الدفاع التي يرأسها الرئيس بوتفليقة شخصيا باعتباره القائد الأعلى للجيش، قد اكتفى بالتلميحات فقط حيث أنه لم يسم الجهات أو الشخصيات التي وصفها بأنها “تصطاد في المياه العكرة”، وأنها حاولت جر مؤسسة الجيش إلى خرق الدستور والانقلاب على رئيس البلاد. لهجة التحذير التي تضمنها هذا المقال قد جاءت قوية، إذ انتقدت المؤسسة العسكرية من خلاله من وصفتهم بالأصوات التي “تدفعها مصالح ضيقة وحسابات شخصية، وتطالب الجيش بالإخلال بالدستور والقانون ليتسنى لها تحقيق ما عجزت عن تحقيقه بالطرق الدستورية والقانونية والديمقراطية”. وهنا نتساءل: من هي هذه الشخصيات أو الجهات التي تصطاد في المياه العكرة؟ ولماذا لم تكشف أسماء هؤلاء الذين يستهدفون ما يسمى بالشرعية الدستورية للشعب الجزائري بشفافية تامة حتى يتعرف على الحقائق كما هي؟ وهل المقصود، ضمنيا، هو الجنرال محمد مدين المدعو توفيق الذي أقيل من منصبه كمدير عام لجهاز الأمن العسكري التابع للمخابرات الجزائرية؟ أم هو الجنرال عبدالقادر آيت عرابي المدعو حسان الذي عمل كمنفذ لسياسة محاربة الإرهاب قبل إزاحته من منصبه؟ أم أن المعني هو الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني الذي أقيل من منصبه بطريقة محكمة الإخراج والتصميم؟ ولماذا لم يحاكم هؤلاء محاكمة علنية وعادلة بتهمة خرق الدستور والشرعية الانتخابية، إذا كان ما يتحدث عنه مقال مجلة “الجيش” صحيحا حقا؟ وأين هذه الحجج الدامغة التي لم ينشرها النظام الجزائري التي تدين بوضوح المسؤولين على محاولات الإخلال بالدستور الذي يتعرض للتغيير حسب مقاس هذا الرئيس أو ذاك منذ استقلال الجزائر إلى يومنا هذا؟ لا شك أن عدم الإعلان جهرا عن أسماء هؤلاء المتهمين بالسعي للقيام بالانقلاب أو التخطيط له ضد رئيس الدولة يدخل أساسا في إطار الغموض الكلاسيكي الذي ينتهجه النظام الجزائري في الحياة السياسية والأمنية، وهو بالتأكيد أمر ليس بجديد على الرأي العام الوطني. ومن المرجح أيضا أن تكون هذه الشكوك أو التهم غير المدعمة بالأدلة الواضحة مجرد ضربة استبقائية لردع أي محاولة انقلاب مستقبلي يمكن أن يخطط له ضابط من الضباط أو مجموعة من الضباط الموالين للجنرالات المبعدين عن مناصبهم من بينهم الجنرالات المذكورين آنفا. وفي الواقع فإن نشر هذا المقال، وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس بوتفليقة يعالج في فرنسا، يعني أن النظام الجزائري الحاكم يعيش أزمة عميقة وأنه يدرك أن ثمة صراعا حادا وخفيا على الحكم في الجزائر رغم التغييرات التي أجراها الرئيس بوتفليقة، ومكنته من إزاحة مجموعة من كبار الضباط العسكريين والأمنيين، فضلا عن الشخصيات السياسية والإدارية والحزبية سواء على مستوى الهرم الأعلى للدولة أو على مستوى المحافظات التي يبلغ تعدادها 48 محافظة في الجزائر العميقة، وتعويضهم بشخصيات عسكرية وأمنية وحزبية وإدارية موالية للنظام الحاكم بقيادة رئيس الدولة وجماعته. من الواضح أن الادعاء بأن هذه السلسلة من الإقالات والتغييرات قد تمت باسم الدستور مخالف للواقع، لأن المجلس الدستوري لم يكن هو الذي قام بها في إطار قانوني وبإشراك البرلمان بل إن الذي قررها ونفذها هو رئيس الدولة عبدالعزيز بوتفليقة. وهنا نتساءل: هل ابتعد الجيش الجزائري فعلا عن العمل السياسي بعد أن كان يقود الانقلابات على الرؤساء، وتعيين جميع المسؤولين من نائب المدير المركزي إلى الوزير والسفير والقنصل، والمحافظ ونائبه، والمجالس العليا التابعة للرئاسة وهلم جرَا؟ للإجابة على هذا السؤال لا بد من توضيح مسألة أساسية وهي أن لا أحد في الجزائر يمكنه أن يحصل على منصب حساس في أجهزة النظام الجزائري سواء كان منصبا عسكريا أو أمنيا أو سياسيا أو إداريا، أو دينيا من دون موافقة السلطات العليا للأمن العسكري، والأمن العام المسمى جزافيا بالمدني، حيث أنهما الجهتان اللتان تزكيان هذا أو ترفضان ذاك بواسطة تقاريرها المخابراتية المفصلة. هذه الحقـائق لا يمكن أن ينكرها أحد، وهي مجرد غيض من فيض، إذ هناك ممارسات أخرى من هذا النوع في مجال الإعلام، حيث أن أي شخص يريد أن يؤسس منبرا إعلاميا من أي نوع فلا بد أن يمر ملفه على مكتب جهاز المخابرات التابع لوزارة الدفاع المنصَب بوزارة العدل قصد المناورة، وبشأن هذه القضية لدينا أدلة ملموسة ومدعمة بالوثائق وبشهادات الذين تعرضوا للرفض القاطع لتأسيس صحيفة أو مجلة أو إذاعة مركزية أو جهوية أو فضائية، علما أن الأجهزة الأمنية تمارس عمليات دفن مثل هذه المشاريع بأساليب مختلفة، وفي مقدمتها أسلوب الوعود والتسويف والمماطلة البيروقراطيين حينا وأسلوب عدم إجابة أصحـاب الملفات المودعة بالمطلق أحيانا أخرى. كاتب جزائري أزراج عمر :: مقالات أخرى لـ أزراج عمر هل تخلى الجيش الجزائري عن السيطرة على الشأن السياسي حقا, 2016/11/24 محاولة يائسة لتشويه إدوارد سعيد, 2016/11/18 الجزائر: حركة الأمازيغ من أجل الحكم الذاتي نتاج لغياب الديمقراطية, 2016/11/17 الدبلوماسية الثقافية المفقودة, 2016/11/11 الجزائر: لماذا لم يفتح ملف العشرية الدموية, 2016/11/10 أرشيف الكاتب
مشاركة :