هل سينجح رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش في العودة إلى المشهد السياسي الجزائري المعتم؟ وماذا ستكون عليه مواقف أحزاب المعارضة الإسلامية واللائكية من هذه العودة؟العرب أزراج عمر [نُشر في 2018/01/11، العدد: 10866، ص(8)] أدلى الخميس الماضي أبوجرّة سلطاني، القيادي المعروف في حزب حركة مجتمع السلم الإسلامي (حمس) والذي كان رئيسا له سابقا، ليومية “الخبر” الجزائرية بتصريح مثير يمكن اتخاذه منطلقا للتأكد من وجود إمكانية لترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة للعهدة الخامسة، إذا هو أراد ذلك وإذا تحسّنت أوضاعه الصحية. في هذا التصريح أبرز سلطاني، الذي يملك دراية في الكثير من حقائق وأسرار النظام السياسي الحاكم في الجزائر جراء العمل في كنفه كوزير في عهد التحالف الرئاسي الذي ما فتئ يدافع عنه ويحن إلى إعادة إحيائه، أن ترشح الرئيس بوتفليقة هو حقيقة وليس مجرّد استنتاج من استنتاجات بذخ التحليلات السياسية، بل هناك ما يدعم محتوى تصريحه وفي المقدمة ما أدلت به تصريحات شخصيات سياسية جزائرية أخرى، لها وزنها في الساحة السياسية وتتميز باصطفافها إلى جانب النظام الجزائري الحاكم، حيث أكّدت نيّتها في الترشح للرئاسيات “فقط”، في حالة عدم ترشح الرئيس بوتفليقة. في هذا المناخ أعلن هذا الأسبوع، عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وفي عدد من الصحف الجزائرية، عن ترشيح ناشطين اجتماعيين لاسم رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق مولود حمروش لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة. علما أن هؤلاء الناشطين لم يفصحوا بعدُ وبكل شفافية عن هوياتهم الجغرافية وانتماءاتهم الحزبية والعقائدية. لا شك أن لهذه الدعوة محركين ومساندين آخرين أيضا يوجدون في الظل، ولذلك فإنه يمكن القول إن مثل هذه التحركات تدخل في إطار الضغط على النظام الحاكم للكشف عن النوايا الخفية الخاصة بالسباق الرئاسي الذي لم يعلن عن موعده المحدد سواء من قبل مصالح رئاسة الجمهورية أو من طرف المجلس الدستوري، ما عدا توقع عام 2019 كتاريخ مفترض له. علما أن موعد الانتخابات الرئاسية قد يؤجل أو يلغى أو يمدّد، حسب ما ستكون عليه إحداثيات الوضع السياسي الجزائري في المستقبل القريب الذي يمكن أن يشهد مفاجآت دراماتيكية جرّاء ارتفاع أسعار المعيشة وتدهور الدخل الفردي والقوة الشرائية لدى المواطنين، وخاصة بين شرائح العمال والفلاحين والشبان العاطلين الذين يشكلون أغلبية الشعب الجزائري. في هذا السياق يمكن للمحلل السياسي أن يفترض أن فصيلا معينا على مستوى الهرم الأعلى بحزب جبهة التحرير الوطني هو الذي يلعب ورقة مولود حمروش، خاصة وأن هذا الأخير قد شغل فيه مناصب قيادية في الماضي البعيد مثلما تمتع أيضا بعضوية لجنته المركزية، ويمكن أيضا أن يحاجج بأن هذا الفصيل يتشكل من بقايا اليسار والتيار البومديني التي يتحرك بهويات شللية تنكرية في مختلف أجهزة الدولة. وهنا نتساءل؛ هل سينجح رئيس الحكومة الأسبق حمروش، أو “رجل المظلة” كما كان يدعى في الماضي بسبب رفعه للمظلة فوق رأس الرئيس بومدين، في العودة إلى المشهد السياسي الجزائري المعتم؟ وماذا ستكون عليه مواقف أحزاب المعارضة الإسلامية واللائكية من هذه العودة؟ للإجابة عن هذه الأسئلة ينبغي أولا تقديم صورة عن مولود حمروش ومكانته السياسية وخاصة بعد غيابه عن المسرح السياسي كقوة فاعلة ومؤثرة على مدى 27 سنة، أي منذ استقالته من رئاسة الحكومة في عام 1991. من المعروف أن حمروش البالغ من العمر 75عاما يحسب تقليديا على مؤسسة وزارة الدفاع التي شغل فيها مناصب حساسة قبل أن يتعيّن عام 1968 (إبّان عهد الرئيس الراحل هواري بومدين) في جهاز الرئاسة حيث شغل فيه منصب مدير مساعد ثم منصب مسؤول البروتوكول. وتفيد السيرة المهنية لحمروش بأنه عمل أيضا أمينا عاما للحكومة ثم أمينا عاما للرئاسة، وأخيرا توّج مساره السياسي بتعيينه عام 1989 (في عهد الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد) رئيسا للحكومة ثم استقال منها عام 1991. من النقاط الإيجابية المسجلة شعبيا في الملف السياسي لمولود حمروش هو اشتراكه في الحرب التحريرية الجزائرية كمجاهد، وكذلك مساهمته في تفجير أسرار قضية الفساد المالي بقيمة 26 مليار دولار بمعية الوزير الأول الجزائري السابق عبدالحميد الإبراهيمي، فضلا عن إسهامه في الانفتاح السياسي المتمثل في التعددية الحزبية. ولكن هذا السجل الذي ينتمي إلى الماضي البعيد لم يعد له وجود مؤثر وفاعل في وجدان وذاكرة الجيل الذي تربى في مرحلة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ونظرا لذلك فإنه من المستبعد أن يعطي هذا السجل المنسي فرصة لمولود حمروش ليكون الحصان الذي يراهن عليه في الانتخابات الرئاسية القادمة. وفي هذا السياق فإن هناك عدة عوامل أخرى ليست في صالح مولود حمروش، وتتمثل في كونه لا يملك حزبا طليعيا منظما وقويا له عمق شعبي وتحالفات مبدئية مع الفاعلين السياسيين سواء كانوا أفرادا أو اتحادات جماهيرية أو جمعيات وروابط ثقافية ومهنية، كما أن موقعه ضمن أحزاب المعارضة هو موقع فردي غير عضوي وغير مؤسس أيضا على التحالفات التي يمكن أن تشكل هويتها ككتلة معارضة ذات رأسمال متنوع فكريا وعقائديا. إلى جانب ما تقدم فإن هذه الأحزاب المعارضة التي يعول عليها حمروش ومن يقف إلى جانبه تتميّز بالتضارب العقائدي وبالتناحر على السلطة. أما علاقة حمروش بحزب جبهة التحرير الوطني الذي كان أحد قادته في عهدي بومدين والشاذلي بن جديد فقد تغيرت جذريا، جراء تخلي الحزب نفسه عن مبادئه العقائدية، الأمر الذي ولد في نسيجه شروخا جعلته مناقضا لتاريخه أيام حركة التحرر الوطني. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :