رهان السلطات الجزائرية لها على الانتخابات البلدية القادمة لا يدخل ضمن أي برنامج له علاقة بوضع تصورات لاستراتيجيات التحديث والتطوير، بل إن هدف هذا النظام ينحصر في السيطرة على الوعاء الانتخابي في القاعدة الشعبية.العرب أزراج عمر [نُشر في 2017/10/12، العدد: 10779، ص(9)] اتهم النائب في البرلمان والقيادي في حزب حركة مجتمع السلم الإسلامي الجزائري أحمد صادوق السلطات الجزائرية بالتلاعب بقوائم المترشحين للانتخابات البلدية القادمة قصد السيطرة على البلديات في الانتخابات التي ستجرى قريبا. في هذا السياق تؤكد أحزاب المعارضة أن هذا التلاعب يدخل في سياق التمهيد للهيمنة على الانتخابات الرئاسية أواخر عام 2019. وهنا ينبغي طرح الأسئلة التالية: لماذا يعمل النظام الجزائري على الهيمنة على البلديات تحديدا علما أنه لا يعتبرها جوهر الحياة السياسية في البلد؟ وهل التنظيم البلدي مؤسس على الدراسة العلمية لواقع المجتمع الجزائري وتطلعات سكانه أم أنه تنظيم متخلف لا يمكن أن ينجز أي مشروع تنموي وطني؟ ماذا تحقق منذ الاستقلال من بناء مادي ورمزي على مستوى بلديات الجزائر؟ من المعروف أن الإحصائيات الرسمية قدرت عدد بلديات القطر الجزائري بـ1541 بلدية معتمدة تتوزع على 48 محافظة و553 دائرة إدارية. ويلاحظ المختصون في التنظيم الإداري الجزائري أن هذا العدد القليل من البلديات لا يتناسب مع حجم مساحة البلاد الهائلة التي تتجاوز مليونين وأكثر من ربع مليون كلم مربع والتي تعادل تقريبا ثلاثة أرباع مساحة أوروبا الغربية برمتها منها فرنسا التي بها 36569 بلدية علما أن مساحتها لا تتجاوز مساحة محافظة جزائرية واحدة كبيرة مثل محافظة أدرار أو محافظة تمنراس الواقعتين بالصحراء الجزائرية. الملفت أن الجزائر في ظل هذا النظام لم تتقدم في الانتقال من البيروقراطية المركزية إلى دمقرطة التسيير اللامركزي. بالإضافة إلى هذا فإن رئيس البلدية في النظام الإداري الجزائري المعاصر هو مجرد شخصية محلية ثانوية ومحروم من الاضطلاع بالدور الريادي في ممارسة مهامه في البلدية التي انتخبته، بل إن الذي يصنع ويطبق القرارات الحاسمة في كل المجالات هو المحافظ ونائبه المدعو في الأدبيات الإدارية الجزائرية برئيس الدائرة، وبذلك يرفض النظام الجزائري أن يضع الحصان أمام العربة في الأمور ذات الصلة بالتسيير الإداري الديمقراطي. قام النظام الجزائري في فترة الشاذلي بن جديد بتقسيم إداري مسيّس وعلى ضوئه تمَ إنشاء مجموعة من المحافظات والدوائر الجديدة على أنقاض محافظات كبرى من حيث المساحة والكثافة السكانية، وكان القصد الظاهري الذي رُوّجَ آنذاك هو التخفيف من أعباء البيروقراطية ولكن القصد الحقيقي المضمر كان تقسيم المحافظات ذات الأغلبية السكانية الأمازيغية إلى محافظات مجهرية مساحة وكثافة سكانية، من أجل تحقيق هدف سياسي مبيت يتمثل في تجريدها من تأثير ثقلها السياسي، وفي نزع هويتها وفرادتها الثقافية واللغوية عن طريق تهجينها بسكان نقلوا إليها من محافظات أخرى لم تكن محسوبة على الإثنية الأمازيغية. لم يشهد هذا الوضع تصحيحا يذكر في مرحلة حكم اليمين زروال وعبدالعزيز بوتفليقة، بل بقي كما هو كما تم أيضا دحر المعارضة الجادة التي كانت تتحرك في فضائها وتقلق النظام الحاكم باستمرار. وفي الواقع فإن المكلفين بالتخطيط الإداري في أعلى هرم الدولة لم يربطوا شؤون التنمية بمضاعفة عدد البلديات في كل محافظة، وجراء ذلك بقيت البيروقراطية سيدة الموقف في الفضاء البلدي الجزائري. ففي إطار تحليل الأسس الواهية للبنية الإدارية في الجزائر والكشف عن فشلها، نجد الكثير من الخبراء المنشغلين بقضايا التنمية الجزائرية يعيدون مصدر الأزمات التي تعاني منها الجزائر على مدى سنوات طويلة إلى إخفاق البنية الإدارية المفروضة على المجتمع الجزائري المتمثلة في النموذج البدائي لنظام البلديات المعمول به منذ الاستقلال والذي لعب دور مفصليا في ترسيخ المركزية وهيمنة وزارة الداخلية، الأمر الذي كرس ثقافة الإدارة المنتجة لتخلف التنمية الوطنية. إن رهان السلطات الجزائرية والأحزاب الموالية لها على الانتخابات البلدية القادمة لا يدخل ضمن أي برنامج له علاقة بوضع تصورات لاستراتيجيات التحديث والتطوير، بل إن هدف هذا النظام ينحصر في السيطرة على الوعاء الانتخابي في القاعدة الشعبية وتسخير ذلك لمصالحه. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :