تقول بعض المصادر إن ما يصل إلى 1.25 مليون سوري، موزعين على 40 موقعاً تقريباً، يقعون تحت حصار تتفاوت خطورته. وفي الوقت الذي يستعد فيه النظام السوري لإطلاق أحدث هجوم له على مدينة حلب، أرسل إلى سكان المدن التي يسيطر عليها الثوار في الشرق رسالة نصية، تشتمل على تحذير صارخ. وتتمثل فحوى الرسالة في ما يلي: «فكرة كسر الحصار قد انتهت، قادتكم يدفعونكم إلى الانتحار، وأنتم تعتقدون أن هذا استشهاد، في حين أنهم ينسحبون ويفرون هاربين». وبعد يومين من إطلاق تلك الرسالة، تصرف النظام - بدعم من روسيا - بقوة مميتة، وأطلق العنان لقصف مكثف على المدينة. فيما اعتقده العديد من المحللين أنه مرحلة الاندفاع الأخيرة للرئيس بشار الأسد، لاستعادة آخر معقل للثوار في المناطق الحضرية، ويعتمد النظام على التكتيك الذي استخدمه من قبل لسحق الجماعات المتمردة الأخرى، وهو الحصار وقصف المعارضين، لإجبارهم على الخضوع. وتحمل الرسالات النصية في الهواتف المحمولة والنشرات، وحتى الكتابات على الجدران، رسائل عن هجوم وشيك مختلط بوعود من العفو، وغالباً يرافقه قصف. وقد وصفت المعارضة هذه الاستراتيجية، التي يتبناها الأسد، بأنها «الاستسلام أو الموت جوعاً»، وعواقبها مدمرة. وقد تعرض عشرات الأشخاص للقتل في هذه المدينة، التي تعتبر الثانية في سورية خلال الأسبوع الماضي، واضطرت المستشفيات المتبقية في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، لإغلاق أبوابها. «التجويع أو الاستسلام» عبارة عن تكتيك أثبت فاعليته في بعض المناطق، وفي المناطق التي لا تثبت فيها فاعليته تستخدم الحكومة الدعم الروسي لتكثيف القصف، لدفع المجتمعات المحاصرة للاستسلام. تحمل الرسائل النصية في الهواتف المحمولة والنشرات - حتى الكتابات على الجدران - رسائل عن هجوم وشيك مختلط بوعود من العفو، وغالباً ما يرافقه قصف. ويقول عضو المجلس المحلي، الذي يدير أجزاء من حلب تسيطر عليها المعارضة، عبدو خضر: «نريد أن يعلم العالم أمرين: إما التوقف عن التظاهر بأنه يهتم بأمرنا، أو أن يقصفنا بالأسلحة النووية، لكي نموت جميعنا، ونرتاح من هذا الموضوع». وتعرض ما يقدر بنحو 275 ألف شخص للحصار في المناطق الشرقية التي يسيطر عليها مقاتلون، وأصابهم الضعف والوهن من نقص الغذاء، حيث إن الحجم الهائل لهذا الهجوم يجعله الأكبر في هذه الحرب الأهلية السورية، التي ظلت تستعر لخمس سنوات، كما يقول المحللون. لكنها ليست حالة معزولة، حيث ذكرت الأمم المتحدة، يوم الإثنين، أن عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت الحصار، في جميع أنحاء البلاد، قد تضاعف خلال العام الماضي، ليصل إلى نحو مليون شخص. ويقول رئيس فريق المساعدات التابع للأمم المتحدة ومجلس الأمن، ستيفن أوبراين: «لا يوجد شيء خفي أو معقد بشأن ممارسة الحصار، إذ يجري عزل المدنيين وتجويعهم، وقصفهم وحرمانهم من الرعاية الطبية والمساعدات الإنسانية، لإجبارهم على الاستسلام أو الفرار». مشروع «سيج ووتش»، وهو مشروع مراقبة يديره المعهد السوري، عبارة عن منظمة بحثية غير ربحية مقرها الولايات المتحدة، و«باكس» وهي وكالة غير حكومية هولندية لبناء السلام، تعتقد أن هذا الرقم أعلى من ذلك، وتقدره بنحو 1.25 مليون سوري، موزعين على ما يصل إلى 40 موقعاً، يقعون تحت حصار بدرجات متفاوتة من الشدة. وعلى نطاق أضيق، تمارس قوات الجماعات الإسلامية، أيضاً، حصاراً على المجتمعات التي تدعم الحكومة، وتحرمها لوازمها، وتقصف منازلها، وتمنع وصولها إلى المرافق الطبية، ويحاصر تنظيم «داعش»، أيضاً أجزاء من مدينة دير الزور. وتعرضت جميلة الكردي (22 عاماً) للحصار لمدة عام تقريباً، في قرية الفوعة التي تحاصرها الجماعات الإسلامية السنية، بما في ذلك إحدى الجماعات التابعة لتنظيم «القاعدة»، منذ أوائل عام 2015. وتم نقلها لدمشق في ديسمبر تحت اتفاق «المدن الأربع» الموقعة بين الحكومة والجماعات المسلحة، والتي سمحت للمرضى والمصابين بمغادرة القرية. وجاء إجلاؤها من هناك بعد ثمانية أشهر، عندما ضرب صاروخ أطلقته الجماعات نحو منزل جميلة، ما أسفر عن مقتل أربعة من أقاربها، وسبب لها العمى. تقول جميلة، التي تقيم في شقة بدمشق مع طفلتها غاردينيا، التي كانت حاملاً بها، عندما ضرب الصاروخ منزلها: «عالجني الأطباء، وأزالوا إحدى عينيَّ بتخدير قليل جداً». وسمح الاتفاق بدخول الإمدادات الإنسانية إلى قرية جميلة وقرية مجاورة، كما ساعد أيضاً على إغاثة البلدات التي يسيطر عليها الثوار، مثل مضايا والزبداني قرب الحدود اللبنانية، اللتين ظلتا تحت الحصار الذي تفرضه الحكومة و«حزب الله». ويأمل النظام السوري استخدام استراتيجية في مضايا، وهي بلدة يصل سكانها إلى 40 ألف نسمة، مشابهة للتي كان يستخدمها في داريا لهزيمة المقاتلين، وهي إحدى ضواحي دمشق التي شهدت بعض الاحتجاجات السلمية الأولى ضد الأسد في عام 2011، حيث قبل مئات من المقاتلين وأسرهم في داريا مروراً آمناً إلى إدلب في أغسطس، بعد سنوات من الحصار والتجويع والقصف العنيف، وادعى مسؤولون سوريون أن «سياسات المصالحة» لاقت نجاحاً كبيراً. يقول أحد سكان داريا السابقين، خالد قره: «عشنا أربع سنوات تحت القصف المتبادل، باستثناء هدنة لمدة ثلاثة أشهر، ثم تم استئناف القصف بعدها كالعادة»، ويعيش قرة في الوقت الراهن في ملجأ بدمشق، تتوافر فيه وجبات الطعام والرعاية الصحية. ويضيف: «كانت البراميل المتفجرة تتساقط علينا، واشتد تساقطها في الأيام الأخيرة، وفي بعض الأحيان يسقط 100 برميل في اليوم الواحد، وفي بعض الأيام 50 برميلاً». ويشعر المحللون، وعمال الإغاثة، بالقلق لأن الحكومة بدأت تشعر بالثقة، بعد تحقيقها مكاسب في أنحاء دمشق، فضلاً عن احتمال استعادتها السيطرة على المناطق التي يسيطر عليها الثوار في حلب، ما يجعلها الآن أقل ميلاً لتخفيف الحصار على مناطق مثل مضايا. «التجويع أو الاستسلام» عبارة عن تكتيك أثبت فاعليته في بعض المناطق، وفي المناطق التي لا تثبت فيها فاعليته تستخدم الحكومة الدعم الروسي لتكثيف القصف، لدفع المجتمعات المحاصرة للاستسلام، كما يقول المدير التنفيذي لمعهد سورية، فاليري سيزبالا.
مشاركة :