تفرض التغيرات الميدانية على الأرض نفسها بقوة على المشهد السوري، بعد أن كشفت القناع عن تجار السياسة، فمخطط تهجير، وإفراغ حلب من سكانها، سينذر بكارثة وشيكة تحيق بحلب، وأهلها؛ إذ تتعاظم المخاوف من تقسيم شرق حلب إلى شطرين، وتعزز التطورات الميدانية الخشية من حصول تقسيم؛ بحكم الأمر الواقع في سوريا، وذلك على وقع الهجوم الشرس الذي يقوده النظام الظالم على المدينة، مدعوماً بغطاء جوي روسي، وبإسناد من ميليشيات إيرانية، وعراقية، ولبنانية بعد أن طوقوها تدريجياً. من حيث المبدأ، يعيش أكثر من 250 ألف سوري تحت وطأة حصار في شرق المدينة، التي نفدت منها المواد الأساسية، في وقت خرجت المستشفيات فيها عن الخدمة، منذ أن قطع الجيش النظامي آخر طرق الإمدادات الواصلة إلى المدينة؛ نتيجة استهدافها، واستكمالا للتدمير الممنهج بشكل غير مسبوق؛ للتهيئة للتقسيم، -ولذا- فإن الحرب التي تحولت إلى دائرة مفرغة، لن يدفع ثمنها سوى السوريين الأبرياء؛ لأنها لا يمكن أن تتوقف عندهم مستقبلاً، وإنما ستدفع إلى تسريع بعملية تقسيم سوريا مهما كانت نتيجة ما يجري في حلب. تأكيدا للاحتلال الروسي لسوريا، الذي خدم مصالحها الراغبة بفرض نفسها في السياسة الدولية، فقد مهّد سلوكها لتطهير طائفي واضح في كل المدن السورية، بعد أن أهتزت المنطقة -كلها- على وقع الصراع -المذهبي والعرقي-، أنتجته متغيرات -دولية وإقليمية- متزامنة، وما يحدث في حلب محاولة لإفراغ المدينة من سكانها، إنما هو تمهيد لاجتياحها، وتغيير تركيبتها الديموغرافية، التي ترقى -بلا شك- إلى جرائم حرب؛ كونها تصب في سياق مخطط تقسيم سوريا، حيث لم يعد يبقى إلا تقسيم البلاد على غرار برلين بعد الحرب العالمية الثانية إلى سوريا الغربية، وسوريا الشرقية، أو أكثر من ذلك. في ضوء انعدام أي خيار آخر، سيظلّ الرهان على النظام رهانا خاسرا سلفا؛ وبالنتيجة فإن البعد الاستراتيجي يعتبر غاية في الأهمية، تتحدد على نتائجها معالم مستقبل سوريا، والمنطقة؛ بسبب إبقاء احتمالات توسعه إقليمياً -أيضاً-، وإعادة تشكيل الخرائط الجيوسياسية، والديموغرافية التاريخية، والسكانية، والدينية؛ ولأن التجربة علمتنا أنه في العلاقة بين الدول، ومصالحها يموت الصغار، فإن المشكلة الأكبر، والمعضلة الداء التي لا يمكن قبولها من الشعب السوري، هو وضع مدنها بيد غير أصحابها.
مشاركة :