تَعلََّمنا مُنذُ الطّفولَة؛ أَنَّ النَّاسَ سَواسية، كأسنَان المِشط، ولَكن لَم نَتعلَّم أنَّ الأمشَاط تَختلفُ، فهُنَاك مِشطٌ «أبوريال»، وهُنَاك مِشط «أبو ألف»، وهُنَاك «أبوعشرة آلاف»... إلخ! صَحيح أَنَّ النَّاس سَواسية مِن حَيثُ الخِلْقَة والشَّكل، ولَكنَّهم يَختلفُون مِن حَيثُ المَنطق والفِعل والعَقْل، وحَتَّى لَا يَكون الكَلَام هَكَذَا مِن غَير أَدلَّة، دَعونَا نَستَعرض مَا جَاء في التُّرَاث مِن تَصنيف النَّاس: يَقول الفَيلسوف «صعصعة بن صوحان»؛ مُتحدِّثًا عَن وَظَائف النَّاس، وأَدوَارهم في الحيَاة: (خَلَق اللهُ النَّاسَ أَطَوَارًا: فطَائِفةٌ للسِّيَاسَةِ، وطَائِفَةٌ للفِقهِ والسُّنَّةِ، وطَائِفَةٌ للبَأسِ والنَّجدَةِ، وآخرُونَ بَينَ ذَلكَ يُكدِّرُونَ المَاءَ، ويُغلُّونَ السِّعرَ، ويُضيِّقُونَ الطَّريقَ)..! لِذَلك مُنذُ أَنْ كُنتُ صَغيرًا، وأَنَا أُحدِّثُ نَفسي بأنْ أَكونَ «عَامِلَ مَعرفةٍ»، فلا رَغبةَ لِي في الطَّبقةِ السِّيَاسيَّةِ، وأَرفعُ نَفسي أَنْ أَكون مِمَّن يَرفعُونَ الأسعَارَ، ويُضيِّقُونَ الطُّرقَاتِ..! مِن نَاحيةٍ أُخرَى، هُنَاك تَصنيفٌ آخَر أَورده الإمام «عليّ بن أبي طالب» -رَضي الله عَنه- حَيثُ يَقول: (النَّاسُ ثَلاثَةٌ: عَالِمٌ رَبَّانيٌّ، ومُتعلِّمٌ عَلى سَبيلِ نَجَاةٍ، وهَمجٌ رعَاعٌ أتبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، يَميلُونَ مَع كُلِّ رِيحٍ)..! أَكثَر مِن ذَلك، هُنَاك صنفٌ مِن النَّاسِ رَخيصٌ جِدًّا، وقَد ذَكره المُتنبِّي في بيت شِعري، وَاصِفًا هَذَا الإنسَانَ بأنَّه لَا يُسَاوي الخُبزَ الذي أَكلَهُ، حَيثُ يَقولُ: ورُبَّما يَشهدُ الطَّعامَ مَعِي مَن لَا يُسَاوِي الخُبزَ الَّذِي أَكلته! وقَبل النِّهَايَة نُؤكِّدُ أَنَّ اللهَ -عَزَّ وجَلَّ- خَلَقَ النَّاسَ مُتفَاوتِينّ في العقُولِ والإدرَاكِ، ومِن جَمَاليَّاتِ الحيَاةِ، أَنَّ كُلَّ إنسَانٍ رَاضٍ بعَقلِهِ، ولَكنَّه غَيرُ رَاضٍ بمَالِهِ، وفِي ذَلك يَقول العَوَام: (كُلٌّ بعَقلِهِ رَاضٍ وبمَالهِ لَا)، وتَفَاوت النَّاس سَبَب لعِمَارة الدُّنيا، لَا لخَرَابِهَا، لذَلك لَابدَّ مِن وجُودِ العُقلَاءِ والمَجَانين، ومَا بَينهمَا، وقَد انتبَه إلَى ذَلكَ الإمَامُ «الحَسَن البَصريّ» فقَال: (لَو كَانَ للنَّاسِ كُلّهم عقُولٌ لخَرِبَت الدُّنيَا)..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أَنْ نَقول: لَا أَعرفُ لِمَاذا يُبغضُ الخَاصَّةُ العَامَّةَ؟، ولِمَاذَا تَتضَايقُ النُّخبُ مِن الجَمَاهيرِ؟، مَع أَنَّ العَامَّة مَصدرٌ مِن مَصَادر الفِكر، وفي ذَلك يَقول «العقَّاد»: (الكَونُ عَاميٌّ)، وكُره الخَاصَّةِ للعَامَّةِ لَيسَ جَديدًا، بَل قَديمًا، وقَد نَصَّتْ عَلى ذَلك كُتبُ التُّرَاثِ، حَيثُ جَاء فِيهَا: (كَانَ «الكُميتُ» شِيعيًّا، و»الطّرماحُ» خَارجيًّا، وكَان بَينهما مِن المُخَالطةِ والودِّ، مَا لَم يَكن بَين اثنين قَطّ. قِيل لَهما: كَيف اتّفقتمَا مَع الخِلَاف بَينكمَا؟ فقَالَا: اتَّفقنا عَلى بُغضِ العَامَّةِ)..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :