عمق الأزمة يتمثل في فساد النظام الحاكم ومؤسساته، فضلا عن انتشار كل أشكال الأمية الفكرية والسياسية بين صفوف المسؤولين الكبار الذين يديرون الشؤون العامة. العربأزراج عمر [نُشرفي2016/12/01، العدد: 10472، ص(9)] في هذا الأسبوع تعرض العشرات من النقابيين الجزائريين (معلمون وأطباء وأساتذة وعمال) الذين تظاهروا في الشوارع، احتجاجا على مشروع تعديل الحكومة الجزائرية لنظام التقاعد في البلاد الذي سيقدم قريبا للبرلمان للتصويت عليه، للضرب وتمزيق اللافتات التي رفعوها، فضلا عن اعتقال عدد منهم من طرف رجال الشرطة من أجل القضاء بوسائل الزجر والتعسف المادي على تظاهراتهم، رغم أن جميع الأعراف الدولية لا تمنع المظاهرات السلمية ذات الطابع السياسي أو المهني. من المعروف أن نظام الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قد منع حق التظاهر منذ العام 2001، ويمثل هذا الإجراء التعسفي خرقا سافرا لأبجديات الديمقراطية وحقوق الإنسان. لا شك أن النظام الحاكم في الجزائر يدرك تماما أن الشارع الجزائري لم يعد يثق في سياساته المرتجلة والمخلة بمبادئ التعددية السياسية من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يعرف أيضا أنه انتهى ولم تعد له شرعية أخلاقية وأن أيامه معدودة، حيث أن رحيل الرئيس بوتفليقة عن الحكم بعد انتهاء عهدته الرابعة المفروضة فرضا سيكون بمثابة القشة التي ستقصم ظهر البعير. من الواضح أيضا أن الرئيس بوتفليقة وجماعته، في قصر المرادية وداخل أحزاب الموالاة وفي أجهزة الجيش والأمن والإدارة، يخافون من انفلات الوضع خاصة وأن الشعب الجزائري المكبوت منذ سنوات قابل للانفجار في أي لحظة، إذا توفر العامل الذي يساعد على اشتعال التمرد الشعبي. ففي الأسبوع الماضي خرج السيد أحمد أويحي، الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي ومدير ديوان رئيس الجمهورية، ليحذر على الملأ من الإخلال بالاستقرار الوطني وهو في الحقيقة يعني استقرار النظام وأصحاب المصالح في دواليبه أولا وأخيرا. إن هذا الرجل المعروف بين أوساط الشعب الجزائري بسياساته كمشرف على الملفات القذرة عندما كان رئيسا للوزراء لسنوات، هو أحد رموز النظام الذين لعبوا ولا يزالون يلعبون أدوارا رئيسية في تحطيم المجتمع الجزائري والقضاء على قيم الوطنية في نفوس الجزائريين والجزائريات. يبدو واضحا أن وضع المجتمع الجزائري ينذر بعواصف كاسحة في العام القادم، خاصة وأن احتياط الصرف في الخزينة العامة بدأ ينضب كما أن عائدات النفط قد تقلصت بنسبة خيالية، وأن اللجوء إلى الاقتراض من الصندوق الدولي أصبح حقيقة مرة. هناك معطيات كثيرة تؤكد القراءة الصحيحة والموضوعية لها أن ما يحدث في الجزائر راهنا هو بمثابة مقدمات للزلزال الذي سيعصف بها في المدى المنظور، ومن بين هذه المقدمات تدهور الأوضاع المعيشية للجزائريين جراء الرفع المطرد لدعم المواد الأساسية التي لا يمكن أن يستغني عنها المواطنون والمواطنات في بلد يقدر تعداد سكانه بــ40 مليون نسمة، وتفشي المحسوبية والبيروقراطية وثقافة الرشوة، وتحكم عصابة مقربة من رموز الحكم العائلي وامتداداته في منطقة تلمسان والغرب الجزائري وفي بعض المناطق الموالية له على مقدرات الاقتصاد الجزائري بنسبة 70 بالمئة، بما في ذلك مؤسسات التصدير والاستيراد الخارجيين التي تهيمن عليها هذه العصابة المكونة من ضباط متقاعدين وغير متقاعدين لهم القوة والجبروت، ومن عناصر تابعة للقطاع الخاص أثرت بطرق ملتوية وغالبا بواسطة إقامة الشراكة في الغرف المعتمة مع مسؤولين كبار لهم نفوذ كبير في أجهزة الدولة. من الملاحظ أن أعراض التدهور الشامل متعددة وفي صلبها الانهيار الأخلاقي في المجتمع، وتفشي ثقافة النهب والسلب والتحطيم لكل ما هو وطني، وهي تمتد إلى قطاعات تعتبر أساس البنية الفوقية الوطنية مثل التعليم الذي أصيب بانحطاط مستواه البيداغوجي والتربوي الأخلاقي والعلمي بنحو مخيف ينذر بتشكيل مجتمع أمي مصفح بالشهادات المزيفة، وقطاع الثقافة الذي حول إلى مزرعة للبزنس، على غرار المهرجانات البدائية التي تصرف عليها أموال الشعب ولا مردود روحيا وحضاريا وماديا من ورائها. وفي الواقع فإن الأزمة التي تضرب المجتمع الجزائري عميقة جدا تتميز بأنها بنيوية ومركبة ومزمنة، حيث أن معالجتها مستعصية في ظل نظام حاكم لا يملك ثقافة الدولـة العصرية الديمقراطية في كـل المجالات الحيـوية منها على سبيل المثال مجالات الفكر المنتج، والاقتصاد المتطور، والثقافة المتقدمة، والمنظومة التربوية المؤسسة على العلم والمعرفة، والصناعات المبتكرة. والأدهى والأمر هو أن المدن الجزائرية الكبرى التي بنتها فرنسا وتركتها وراءها بدأ التفكك يطالها ويخربها إلى درجة أن مدنا كبرى مثل العاصمة ووهران وقسنطينة وعنابة قد أصبحت مجرد أشباح، وتكاد مبانيها تتداعى جراء غياب الصيانة والتحديث. على أساس ما تقدم فإن ظواهر رفع الضرائب التي ستنهك الشريحتين العمالية والفلاحية المفقرتين رويدا رويدا وفرض سيـف التقشـف المنهجي على رقـاب المـواطنين على مستوى الجزائر العميقة كلها، وتمـرير قانون المـالية لعـام 2017 بالقوة والاحتيال والذي صادق البرلمان عليه في الأسبوع المـاضي رغـم رفـض أحزاب المعارضة له، والاحتجاجات ضد إلغاء التقـاعد النسبي والمسبـق التي قوبلت بتدخل الشرطة واعتقال المتظاهرين باستخـدام العنـف، وتوجس أحزاب المعارضة مما سيحـدث من تـزوير منهجي منتظـر للانتخابات التشريعية القادمة، ليست سوى مجرد أعراض تطفو على سطح المشهد السياسي الوطني، أما الأساس الحقيقي الذي تصدر عنه هذه الأعراض فهو غيـاب الدولة العادلة والديمقراطية في الحياة الجزائرية، وأكثر من ذلك فإن عمق الأزمة يتمثل في فساد النظام الحاكم ومؤسساته المتخلفة، فضلا عن انتشار كل أشكال الأمية الفكرية والسياسية بين صفوف المسؤولين الكبار الذين يديرون الشؤون العامة سواء كانوا وزراء أو أعضاء في البرلمان أو في مجلس الأمة أو في القصر الرئاسي بأعالي منطقة المرادية بالجزائر العاصمة. كاتب جزائري أزراج عمر :: مقالات أخرى لـ أزراج عمر الجزائر: مقدمات للزلزال القادم, 2016/12/01 القارئ وميلاد النص الأدبي, 2016/11/25 هل تخلى الجيش الجزائري عن السيطرة على الشأن السياسي حقا, 2016/11/24 محاولة يائسة لتشويه إدوارد سعيد, 2016/11/18 الجزائر: حركة الأمازيغ من أجل الحكم الذاتي نتاج لغياب الديمقراطية, 2016/11/17 أرشيف الكاتب
مشاركة :