أقل من 20 جلسة تفصل البورصة عن نهاية 2016، وهو العام الاستثنائي بكل المقاييس لما شهدته التداولات من تراجع على مستويات عدة، منها السيولة المتداولة التي عادت لمستويات 2001، وتسجيل بعض المؤشرات لحدود لم تشهدها منذ سنوات طويلة. وكان لما شهدته تعاملات البورصة إفرازات مختلفة، منها تداول الغالبية العُظمى من السوق (152 شركة) تحت سقف القيمة الدفترية، منها 72 شركة تحت مستوى نصف تلك القيمة، ما يعني ان 43 شركة فقط هي التي تتداول عند حدود أو ما يزيد على القيمة الدفترية. ولعل ما أظهرته نتائج أعمال الكيانات القيادية التي اشتملت عليها قائمة الأسهم فوق القيمة، إنما يعكس منطقية الرصد، إذ كان «الوطني» ضمن الأكثر نشاطاً من حيث القيمة المتداولة منذ بداية العام (188.3 مليون دينار) ثم «بيتك» 277.4 مليون ثم «زين» 186.5 مليون، و«امريكانا» 72.8 مليون دينار. ولا ينطبق الأمر على شركات حققت معدل دوران بلغت بين 10 و672 في المئة وغيرها، فلم يشفع لها نشاط تداولها لتوفر فرص واضحة امام الأوساط المالية والاستثمارية المهتمة بالبورصة، فيما يتضح ان الحيل المحاسبية التي كان يترتب عليها نفخ القيمة الدفترية للحصول على قروض وتسهيلات وغيرها لم تعد مقبولة. وبحسب قراءة لـ «الراي» اتضح أن ما يقارب 15 شركة من قائمة الشركات التي تصل قيمتها الدفترية إلى ما يعادل سعرها أو ما يزيد عنها استفادت من بعض الممارسات المضاربية التي شهدتها خلال التعاملات اليومية للبورصة منها سهم «صيرفة» ذي القيمة الدفترية التي تصل إلى 10.2 ضعف والعائد على حقوق مساهميها 7.1 في المئة بعد تنفيذ صفقة واحدة بسعر 1.5 دينار عقب العودة بسقف مفتوح. ولوحظ ان هناك 3 بنوك من أصل 12 بنكاً تتداول تحت مستوى القيمة، وهي «الأهلي» و«الدولي»، «الإثمار». وبالنظر إلى عُرف أسواق المال والمعايير المُحاسبية تُعتبر تلك الشريحة الواسعة من الأسهم المُدرجة مُغرية للاستثمار، ومناسبة لتكوين مراكز مالية جديدة تنطلق بحثاً عن عوائد منتظرة في المستقبل، إلا أن المحللين يرون معظمها غير مجد، بل غير مغرية للاستثمار. أسهم تشغيلية يرى محللون وخبراء أنه «عند إمعان النظر في الأسهم التي تتداول فوق القيمة الدفترية، نجد أن نحو ثلثيها تشغيلي بحت، لديها استثمارات أمام عقارية أو خدمية تُدر عوائد منتظمة، منها بنوك على غرار «الوطني» و«بيتك» و«برقان» و«الخليج» وغيرها، إضافة إلى شركات لها سمعتها، وحققت عوائد مجزية لمساهميها مثل «المباني» و«التمدين» العقارية و«الصالحية» العقارية». وفي المقابل، يؤكد هؤلاء أن الشركات الورقية أو بالأحرى التي تعتدم على نماذج عمل هشة وضعيفة باتت أوضاعها المالية لا تعكس الواقع المناسب لأسهمها في البورصة، إلا أن ذلك من الصعب تعميمه، فهناك عشرات الشركات المظلومة سعرياً وقيمتها إلى تعكس الواقع الحقيقي لأوضاعها المالية. ويتضح من القراءة التي قامت بها«الراي» أن هناك أمثلة تستدعي التأمل من قبل المراقبين، منها أن هناك 36 شركة عقارية من أصل 41 هي قوام القطاع، تتداول تحت سقف القيمة الدفترية، ما يعني أن هناك 5 شركات فقط فوق القيمة، والحال نفسها تنطبق على قطاع الخدمات المالية الذي يتداول فيه 4 شركات فقط، أبرزها المشاريع أعلى من القيمة الدفترية. ومعلوم أن البورصة تمر من وقت لآخر بفترات يكون فيها الإحجام عن التداول من قبل كبار اللاعبين في ظل تدهور الوضع، ما يترتب عليه تراجع في معدلات وشهيّة الشراء، حتى لو كانت الأسعار منخفضة جداً على غرار ما نراه اليوم في السوق، وربما تكون هذه هي الحال لكثير من الأسهم، لكن العديد من المراقبين ومن لديه نظرة تحليلية في شأن السوق، يعتقدون أن انخفاض هذا العدد الكبير من الأسهم دون القيم الدفترية له ما يبرره. ووفقاً للمعايير المحاسبية تعني «القيمة الدفترية» للسهم«ناتج تقسيم حقوق المساهمين لدى شركة على عدد أسهمها المُصدرة». وتأتي في ظل تقييمات لأصول واستثمارات تقع ضمن ملكيات الشركة وموجوداتها، ما يعني أنها أشبه بنافذة تساعد على إيجاد قراءة عادلة للفرص الاستثمارية المتوافرة، إلا أن اعتماد الغالبية من الشركات على نموذج عمل غير واضح، في ظل غياب تام للتدفقات النقدية التي تجعل من السهم سلعة جيدة تستحق الشراء وإيداع المدخرات فيها، بل والاهتمام بإعادة تقييم الأصول قد تترتب عليه «ضبابية» في استخدام مثل هذا المعيار المُهم لدى الاوساط الاستثمارية، وللأسف هذا ما تتبعه الكثير من الشركات المدرجة في البورصة منذ فترة. فرص الربح تقول أوساط مالية إن فرصة الربح لا تُترك، وبما أن غالبية الشركات تتداول تحت نصف القيمة الدفترية فهذا يعني أن المستثمر غير مقتنع بأنها رخيصة، ولم يعد معيار القيمة الدفترية مغرياً له، إذ ما حصل عليه المتداول من درس قاس في ظل تداعيات الأزمات المتلاحقة على السوق يجعله يفكر ملياً قبل اتخاذ قرار الاستثمار! وذكرت الأوساط أن بعض القيم الدفترية غير صحيحة، بسبب عمليات نفخ الأصول المُعتادة لميزانيات العديد من الشركات عبر اتباع معايير مُحاسبية معلومة. وذكرت أن هناك شركات لديها أصول مسجلة ما يقارب 10 أعوام، ولم تخضع لتقييمات جديدة، لكن الشركات المالكة لتلك الأصول تُبقي عليها بالتقييمات السابقة «المبالغ فيها»، وكأن السوق لم يمر بأزمات أو تطورات أكلت الاخضر واليابس على صعيد الاسعار السوقية للسلع، ولكن بات الأمر لا يكلّف القائمين على تلك الشركات سوى تحفظاً من مدقق الحسابات قد لا يثير انتباه المتعاملين في البورصة ولا حتى صغار المساهمين. وألمحت الى أن القيمة الدفترية وحدها لا تكفي للتعبير عن حال الشركة، فما نفع أن يكون مضاعف السعر إلى القيمة الدفترية او ما يُسمى (P/B) أقل من واحد أو أقل من 0.5 مرة إذا كانت الشركة لا تحقق أرباحاً ولا تعطي اي توزيعات؟ أو على الأقل ليست أرباحها ذات صفة متكررة؟ لذلك لابدّ للمستثمر أن ينظر أولاً وأخيراً إلى العوائد وإمكانية استمراريتها قبل تكوين مركزة أو الشراء على سهم بعينه.
مشاركة :