ربما كان يصعب على البعض قبل شهر أكتوبر الماضي، التنبؤ بغير أن تؤدي السيولة المحققة من بيع 66.7 في المئة من الشركة الكويتية للأغذية (أمريكانا) لشركة اديبتو، إلا لتعزيز كفاءة البنوك وتقليل مخاطر التكهنات الائتمانية التي كانت تواجهها بين الفينة والأخرى. لكن سرعان ما تبددت التوقعات المتفائلة بعد إنجاز الصفقة، أقله لدى البنوك التي انتقل إلى نظامها المصرفي نحو 700 مليون دينار من إجمالي يقارب 711 مليوناً، ضمن برنامج السداد لمديونية المجموعة المالكة لـ «امريكانا». وفي هذا الخصوص علمت «الراي»، من مصادر مطلعة أن البنوك الكويتية، اشتكت إلى بنك الكويت المركزي «شفوياً» من ارتفاع منسوب السيولة لديها، إلى حدود تعيش فيها حالياً مرحلة طفح سيولة في نظامها، مشيرة إلى أن تراجع معدلات الأعمال ونمو معدلات الائتمان قياساً بالمسجلة في العام الماضي أسهم في زيادة الفائض غير المستغل لديها أو المستثمر في فرص أو أدوات. وأضافت المصادر أن مديري الخزينة كانوا قد فتحوا نقاشاً داخلياً، للتباحث حول الآليات الممكنة لتخفيف العبء الواقع عليهم في امتصاص سيولة «امريكانا»، خصوصاً وأن المبالغ المتأتية من الصفقة رفعت الطاقة القصوى من الفائض لديهم، ما زاد الحاجة لامتصاصها أكثر، لافتة إلى الطلب من «المركزي» «بشكل منفرد غير رسمي» المساهمة في تخفيف العبء الواقع عليها بهذا الخصوص. وأوضحت المصادر أن البنوك لمست في الآونة الأخيرة، أن طلبات السيولة المتداولة فيما بينها، أو ما يعرف بسوق «إنتربنك»، بدأت في التناقص إلى معدلات متدنية، رغم وجود فائض كبير من السيولة المعروضة لدى جميع المصارف، والتي تقابلها بمعدلات فائدة أقل من التي كانت تتداول بهذه السوق في أغسطس الماضي. وذكرت أن طلبات «الإنتربنك» باتت مقتصرة على عمليات استثنائية، لا تعكس وجود حاجة طبيعية للسيولة، إذ إنه ومع تلك المحققة من صفقة «امريكانا» يتضاعف التحدي المصرفي لامتصاصها. وقالت المصادر: «تراجعت ودائع الانتربنك أخيراً لدرجة أنها تكاد تنقطع في دورة سيولة المصارف، ما أحيا الأجواء التي عاشتها النبوك الكويتية بعد بدء الأزمة المالية التي تعرضتها لها الأسواق العالمية في 2008، وقت كانت تعاني من ارتفاع مستويات السيولة وشح الفرص، إلى درجة أنها باتت تمثل عبئاً عليها لجهة كلفة الأموال المترتبة على بقائها دون استثمار. وتعاني البنوك تحديداً بعد العام 2008، من ندرة فرص أعمالها في السوق المحلي والخارجي، سواء على صعيد التمويلات الكبرى، من قبيل تمويل صفقة الوقود البيئي التي تم الإعلان عنها في النصف الأول من العام الحالي بقيمة تقارب 1.2 مليار دينار، في وقت لاحظت البنوك تراجع معدلات النمو الائتماني فيما يتعلق بمحافظ القروض الشخصية. ولفتت المصادر إلى أن البنوك طلبت من «المركزي» بدون توجيه مباشر، بأهمية أن يزيد من تدخلاته في سحب السيولة الفائضة، عبر إصدار سندات خزينة وأذونات، منوهة بأنه على الصعيد الرقابي لا يمكن الاستجابة لهذه الدعوى بالسهولة المتوقعة، لأكثر من سبب، وأبرزها أن تدخلات الناظم الرقابي لسحب فائض السيولة من المصارف مستمرة في الأساس، إلا انه في المقابل لا يستطيع تجاوز الهامش المحدد لهذه الإصدارات والتي يتم تجديدها بشكل دوري لامتصاص السيولة الفائضة. وتسعى البنوك إلى اقناع «المركزي» بالتوسع في بعض الإجراءات، وفي مقدمتها توسعة نسبة الإقراض بزيادة الحدود الائتمانية إلى معدلات تصل لـ 70 ألف دينار، في حالات القروض الاستهلاكية التي تمنح حالياً بسقف أعلى يبلغ 15 ألف دينار، مع السماح بتوسيع الخناق بعض الشيء على تقديم العملاء لفواتير تثبت استخدامهم للقرض في الوجه المحددة له، من خلال تقسيمهم على سبيل المثال إلى شرائح. وبينت أن قبول هذا المقترح يواجه صعوبة لدى «المركزي»، المقتنع أصلاً، بفكرة العمل على تقنين الائتمان، وعدم منحه بحدود تؤدي إلى انفلات الحاجة المحددة له مثلما حدث في السابق، وترتب عليها تأسيس الدولة لصندوق المتعثرين، مؤكدة أن ما يعزز هذه القناعة المناخ الاقتصادي والسياسي غير المستقر محلياً وخارجياً. علاوة على ذلك، تدفع البنوك الكويتية إلى زيادة حصتها من الاكتتاب، في سندات الدين العام المقدرة بنحو 5 مليارات دينار، لجهة إعادة النظر في توزيعتها المقررة على اساس ملياري دينار، بدأت وزارة المالية في طرحها بالسوق المحلي، و3 مليارات جارٍ التحضير لطرحها في الربع الأول من العام المقبل في سوق السندات الدولية. إلا انه من غير المتوقع أيضا ان تتجاوب «المالية» مع هكذا مساعٍ، على أساس أن تقديرات الطرح وتحديد أحجامها المقررة لكل سوق تخضع لموازنات، يقررها البنك المركزي ولجنة الدين العام بناء على اعتبارات تعزز المصلحة العامة.
مشاركة :