«العملاق الأناني».. أطفال بين مطرقة الجشع وسندان اللامبالاة

  • 3/25/2014
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

إذا كانت المدرسة الواقعية هي المدرسة السينمائية الأبرز في بريطانيا، ففيلم "العملاق الأناني -The Selfish Giant" هو إضافة جيدة لهذه المدرسة، فهو يصور واقع من لا ينتمون إلى أي فئة عمرية محددة بعد أن لفظتهم الطفولة ولم تعترف بهم الرجولة بعد، ولم يستطع العالم من حولهم احتواءهم. ويظهر من عنوان الفيلم إشارة واضحة إلى قصة قصيرة خيالية للأطفال لأوسكار وايلد تحمل نفس العنوان، لكن الفيلم أبعد ما يكون عن الخيالي، وهو وإن كان يشير بشكل ما إلى الحكاية لكن بصورة مختلفة. الفيلم غارق في واقعية مظلمة لطفل على أعتاب المراهقة اسمه أربور (كونر تشابمان) يعيش في مدينة برادفورد الصناعية في بريطانيا، مع أمه وأخيه، ويعاني فرط حركة وتشتت انتباه ما يستلزم أخذ أدوية، وهو بسبب ظروفه وطبيعة سنه، مشاغب جداً، لكنه مرتبط بصداقة عميقة مع صديق له اسمه "سويفتي" (شون توماس) أكبر حجما وأكثر هدوءا. يتدخل أربور لإنقاذ سويفتي من مضايقة بعض الطلبة، وتكون نتيجة المعركة طرد الإثنين من المدرسة، سويفتي لعشرة أيام وأربور كليا. تعترض أم أربور لكن المدير يقول لها إن المدرسة تعتقد أنه ربما يكون من الأفضل له أن يتعلم في مدرسة خاصة. وسط هذا الضياع ليس سوى الشر في الشوارع وأولها العملاق الأناني كيتن (شون جيلدار) الذي يملك مكانا أشبه بمكب نفايات لكنه ليس سوى مكان لتجميع الخردة. يفتح كيتن مكانه للصبيين ويعطيهما نقوداً بقدر ما يجلبان له من خردة وأفضلها الأسلاك المعدنية من كابلات الكهرباء. يبدو أربور أكثر تمرساً في حياة الشوارع وأكثر حيلة لكنه لا يسلم من خداع حيتان الشوارع، أما سويفتي، فيصب عاطفته على الحيوانات بعيداً عن مقايضات أربور، وهي العاطفة التي ستشكل اختباراً حقيقياً لصداقة الإثنين. على الرغم من أن أم أربور وأم سويفتي يظهران محبة لطفليهما لكن من الواضح أن لديهما من الأعباء ما يجعلهما بعيدتين عما يحدث لأولادهما، فأم أربور (ربيكا مانلي) منفصلة عن زوجها ولديها الولد الأكبر (أيليوت تيتينسور) الذي يبدو مدمنا على المخدرات ويبيعها، ولا تعرف ماذا تفعل مع الولدين فكل منهما في حالة غير سوية وأم سويفتي (سيوبهان فينيران) لديها عدة أطفال ولا يبدو أن زوجها يعاملها بشكل جيد فهي تبدو دائماً منكسرة وضعيفة. أما عالم الشارع فلا يعترف بطفولة أحد ولا أحد فيه يبدي أي اهتمام لما يحدث. هناك مزيج غريب من أبراج الاتصالات، التي تبدو كعملاق صناعي متجاورة مع مراع شاسعة، ترعى فيها الخيول، وخردة كيتين. الرابط الوحيد في الفيلم بين هذه الأماكن هو الصبيان اللذين يتنقلا بينهما من دون أن يعرفا ماذا يخبئ لهما القدر. دخول صبيين كنوع من المغامرة في عالم رجل كبير بالغ، ليست فكرة جديدة، وآخر الأفلام التي تعرضت لهذه الفكرة هي فيلم Mud" الأمريكي، لكن الوضع هنا مختلف. فالمسألة لا تحمل طابع المغامرة بقدر ما تحمل طابع القدر المأساوي. كما أن الفيلم يشير إلى قصة وايلد بشكل ما عبر إشارات صغيرة لها وخاصة النهاية. لكن الفيلم أقرب روحاً إلى "أوليفر تويست"، بصيغة عصرية، بعيدة عن عالم التسول، لكنها أيضاً استغلال للطفولة من قبل أناس لا يهمهم غير الكسب والطمع غير مبالين بما يمكن أن يتعرض له الأطفال في سبيل ذلك. الفيلم هو الروائي الأول للمخرجة وكاتبة السيناريو كليو بيرنارد، بعد أن أخرجت فيلمها الوثائقي الأول The Arbor عام 2010. هو متقن الصنع بكاميرا قادرة على التقاط البشاعة والقبح بشكل سينمائي مختلف، وبمونتاج جيد وأداء مميز جداً وخاصة من كونر تشابمان الذي كان تجسيداً حياً لولد يحمل ملامح بريئة، ولكن الحياة اغتالت براءته وتركته وحيداً يصارع الوحوش. وقد حاز الفيلم على عدة جوائز وكان أحد الأفلام المرشحة في الأكاديمية البريطانية (البافتا) لأفضل فيلم بريطاني.

مشاركة :