يقول نجيب محفوظ، إنه كتب الكثير من أعماله تحت تأثير حُب المرأة، مُسترجعًا ذكرياته بـ «عرفت النساء في الأحياء الشعبية من المعايشة المباشرة، يكفي جلوسي أمام بيتنا في الجمالية، كنّ يجئن إلى أمى، إحداهن تبيع الفراخ، أخرى تكشف البخت، دلالات، منهن نساء واظبن على زيارتنا في العباسية، كُنت أصغي إليهن في أحاديثهن مع الوالدة، وهن يروين لها الأخبار، وعرفتُ نماذج عديدة منهنّ ظهرت في رواياتي فيما بعد». وأضاف: «الحقيقة أن المرأة في حياتي وأدبي شيء واحد، لعبت المرأة في حياتي دورًا كبيرًا، إن لم يكن مثل السياسة فهو يفوقها، أثر الوالدة في التربية، ونوع الثقافة التى منحتها لي، على الرغم أنها لم تكُن مثقفة، ثم تجربة الحب الأول التي سيطرت على حياتي بدرجة كبيرة، وبعد ذلك تجارب حُب، يمكن أن تسميه (طياري)، لكن كان لهُ أثره الكبير في تعرفي إلى عدد كبير من النساء والفتيات، نماذج عجيبة وغريبة، ظهرت فيما بعد في أعمالي كُلها». وفي ذكرى ميلادُه التى توافق 11 ديسمبر، «المصري لايت» يرصُد قصة 3 سيدات من أصحاب الفضل على أديب نوبل، نجيب محفوظ، كخيوط بِكر للإلهام: الأولى حبيبته الأولى، الثانية جامعة أعقاب السجائر، أما الثالثة فكانت سيدة الغناء العربي، كوكب الشرق، أم كلثوم. 3. «عايدة يا قضائي وقدري»، ولو لم أعرف عايدة لكُنت إنسانًا غير الإنسان، ولكان الكون غير الكون»، هكذا قال كمال عبدالجواد، في «قصر الشوق»، الرواية التي سطّرها نجيب محفوظ، بناءً على مشاعر حقيقية، مستوحاة من شخصية «عايدة»، كما اعترف في أواخر الثمانينيات للأديب الراحل، جمال الغيطاني، وهو ما سجّله الغيطاني ضمن كتاب بعنوان «نجيب محفوظ يتذكّر». يقول محفوظ عن المرأة التى ألهمتهُ: «خبأت حبي الأول مُنذ زمن بعيد، لا أستطيع تتبع أخبارها الآن، لأنها ابنة عائلة اندثرت منذ مدة، قصرهم أصبح عمارة، كانت سراياهم في شارع بالعباسية اسمه حسن عيد يصل بين شارع العباسية وشارع الملكة نازلي، أصبح مكان السراي الآن عمارتان حديثتان؛ لا أعرف مصيرها، أو أين هي الآن، في مصر أو خارجها، حتى إخوتها انقطعت أخبارهم عني». ويُضيف، أحيانًا يقولون إن الدنيا تلف وتدور ثم تشوف، لكن هذه انقطعت أخبارها كلها عنى بالمرة، الغريب أن البيت الصغير الذي أسكن فيه بالإسكندرية تعيش به قريبتها في الطابق الذي يقع تحتي، ابن عمها دكتور قابلني ذات مرة وتذكرني، لكن ليس من المعقول أن أسأله عنها، معقول أن تكون ماتت، لو أنها تعيش، فهي الآن فوق الثمانين. يُحدث نجيب محفوظ نفسه عن الحُب الأول، قائلًا، قيل في الزمن البعيد، إنها تزوجت مهندسًا، وبعد زواجها لم أرها إلا مرة واحدة في ميدان الإسماعيلية، واسمه الآن ميدان التحرير، تمكن مني هذا الحب في شبابي إلى حد كبير. ومن عجب أن صورتها اختفت تمامًا وراء سُحب الماضي، بل تعذرت على الوضوح، كما قال في فصل «صفاء الكاتب»، من كتاب «المرايا»: «لا أعرف لون شعرها ولا تسريحتهُ ولا لون عينيها أو رسمها، ولا طول قامتها أو درجة امتلائها، ذاب ذلك في سائل سحري». 2. وفي أحد اللقاءات الصحفية القديمة، التى عُقدت مع الأديب الراحل نجيب محفوظ، سألهُ المحاور «ماذا كان موضوع قصتك القصيرة الأولى؟»، فردّ نجيب قائلًا: «جامعة أعقاب سجائر»، فكانت تلك الفتاة هي إحدى مُلهمات الأديب، نجيب محفوظ، والتي أثرت عالمه الروائي. تدور القصة المستوحاة من أحداث حقيقية، حول فتاة تبحث عن أبيها فتجدُه في طرف من أطراف القاهرة، حيث لا يصل رجال البوليس، يدير عصابة لتجارة المخدرات، والقصة بعد ذلك تصوير لانفعالات المسكينة بين أبيها وأعوانه المردة، دائمًا ما يعترف أن أبطال قصصه أُناس ممن تراهم العين كُل يوم، آدميون، ينفعلون ويثورون ويضحكون ويضيعون في زحمة الحياة، كما قال: «قد يكونون معي في البيت أو قبالتي في السكن، أو جواري في المكتب، وقد يكونون في حانوت أو طريق. وأنا آخذ من الواقع وأنسج عليه من الخيال، فإن العمل الفني ليس أن تعطي الواقع كما هو، بل أن تأخذه وتهضمه وتبلوره في أعماقك ثم تخرجه من جديد خلقًا آخر». 1. أما السيدة الثالثة التى ألهمت نجيب محفوظ، كانت كوكب الشرق، أم كلثوم، حيثُ قال في اعترافاته للغيطاني: «في البداية لم أكُن أستمع إلى أم كلثوم، سمعناها في أسطوانات سنة 1926، كما تشاجرتُ مرة مع واحد لأنه قال إن أم كلثوم أفضل من منيرة المهدية». وبعد ذلك تحسنت علاقة بين نجيب محفوظ وأم كلثوم سماعيًا، لدرجة أنه كتب في جريدة «الأيام»، 21 ديسمبر 1943، مقالاً عن أم كلثوم، قائلاً: «وما من جمود مثل أن تقارن أي صوت من الأصوات المصرية بهذا الصوت المُتعالي، فقل في غناء أسمهان وليلى مراد ونور الهدى ما تشاء، إلا أن تقارنه بصوت أم كلثوم، فتضره من حيث أردت تنفعه، وتهينه من حيث أردت أن تكرمه وتمرغه في التراب وقد أردت أن تسمو به السماء».
مشاركة :