يبدو منذ الوهلة الأولى أن رومان أبراموفيتش مالك نادي تشيلسي قد درس جيدا الأسلوب التدريبي لكونتي، خاصة بعد نجاحه اللافت سابقا مع يوفنتوس، فقدّر الرئيس وفكّر ثم قرّر منذ منتصف الموسم الماضي التعاقد مع المدرب الإيطالي كي يكون الربان الجديد. العربمراد البرهومي [نُشرفي2016/12/11، العدد: 10482، ص(23)] نتائج مذهلة يحققها نادي تشيلسي إلى حد الآن في منافسات الدوري الإنكليزي الممتاز، فالفريق يحتل المركز الأول بعد أن حصد انتصارات رائعة في أغلب المباريات الأخيرة، تشيلسي عاد إلى عنفوانه و”جبروته” وقوته وتوهجه المعهود. وما خسره الموسم الماضي تمت استعادته بسرعة بنفس اللاعبين تقريبا، فدييغو أكوستا بدا وكأنه مارد خرج من قمقمه، وهازارد عاد إلى صولاته وجولاته وتألقه اللافت في التسجيل وصنع الأهداف، وكورتوا عاد مرة أخرى حارسا صلبا، وخط الدفاع أضحى بمثابة الصخرة التي تنكسر عليها هجومات المنافسين، بدليل أن الفريق لم يقبل سوى 11 هدفا فقط بعد 14 مباراة في دوري قويّ للغاية من الناحية الهجومية. أمر مدهش يعيشه حاليا هذا الفريق الذي يقدّم في المجمل مستوى رائعا وممتعا، جعل البعض يرشحه لحصد لقب الدوري الممتاز هذا الموسم. فما الذي تغير لدى “البلوز” هذا الموسم، رغم أن الفريق لم يقم بانتدابات عديدة؟ وما الذي أعاد الروح والمتعة لتشيلسي وكل اللاعبين الذين انتفضوا بكثير من البراعة منذ بداية الموسم؟ ربما الإجابة لا تحتاج إلى كثير من الاجتهاد والبحث، فالحل السحري كان لدى المدرب الإيطالي أنطونيو كونتي الذي غيّر منذ الوهلة الأولى مسار الفريق ومسيرته المتعثرة الموسم الماضي، والواثقة في الموسم الحالي. يبدو منذ الوهلة الأولى أن رومان أبراموفيتش مالك نادي تشيلسي قد درس جيدا الأسلوب التدريبي لكونتي، خاصة بعد نجاحه اللافت سابقا مع يوفنتوس، فقدّر “الرئيس” وفكّر ثم قرّر منذ منتصف الموسم الماضي التعاقد مع المدرب الإيطالي كي يكون الربان الجديد بعد أن “غرقت سفينة البلوز مبكرا” في موسم للنسيان، عصفت خلاله رياح التغيير بالمدرب خوزيه مورينهو وألقته بعيدا عن النادي الذي عرف معه في السابق المجد والتتويجات. بعد الاتفاق والتعاقد الرسمي لم ينتظر كونتي كثيرا، فبرغم توليه تدريب منتخب إيطاليا في الموسم الماضي، إلاّ أنه كان يتابع كل صغيرة وكبيرة في محيط فريقه الجديد، ليأتي خلال الصائفة المنقضية ويبدأ العمل الفعلي، فالمهمة الأساسية هي إعادة بناء الفريق وجعله قادرا على العودة إلى الواجهة من الباب الكبير، والسبيل في ذلك هو اعتماد الأسلوب التدريبي ذاته الذي ساعد كونتي على النجاح مع اليوفي. بدأت المنافسات بدا وكأن تشيلسي تخلّص من أعباء الموسم الماضي المثقل بالخيبات والأوجاع والمشاكل، وبدأت ملامح التفوق والتألق تظهر شيئا فشيئا، رغم أن كونتي عوّل على “الحرس القديم” بما أن الانتدابات لم تكن عديدة. تتالت المباريات والتحديات، لكن كونتي نجح إلى حد اللحظة في مساعيه، بل والأهم من ذلك أن الفريق الذي عاش فترة فراغ قصيرة تمكن من العودة بسرعة إلى أجواء الانتصارات، فحقق “البلوز” إلى غاية الأسبوع الرابع عشر ثمانية انتصارات متتالية، أبرزها ضد مانشستر يونايتد برباعية كاملة ومانشستر سيتي بثلاثية. كونتي التلميذ الذكي في مدرسة أريغو ساكي عرّاب الكرة الإيطالية في تسعينات القرن العشرين، تشبّع بأصول الفكر التدريبي القائم على الدفاع بأكبر عدد ممكن من اللاعبين بوضع جدارين أو ثلاثة جدران للصد، ومن ثمة التقدم للهجوم بأكبر عدد ممكن من اللاعبين أيضا، والأهم من ذلك إيجاد حالة من الانسجام والانصهار المطلق من اللاعبين صلب المنظومة الجماعية للفريق، وهذا الفكر الخططي للمدرب كونتي أوجد حالة من التوازن المنشود قاد سفينة تشيلسي إلى برّ الأمان، بل وجعله الفريق الأكثر قوة حاليا والأقدر على الذهاب بعيدا في منافسات الموسم الحالي في الدوري الممتاز. وما يميز كونتي فضلا عن سعيه الدؤوب لتطوير أفكاره التدريبية هو طريقة تعامله مع اللاعبين، فالمدرب الإيطالي لا يهوى النجومية ولا يعترف بفكرة وجود النجم الأوحد والأول والذي لا يمكن لومه أو عتابه، فالكل سواسية أمامه ولا يتورع بالمرة في توبيخ لاعب أو الصياح في وجهه إذا أخطأ أو لم يقدّر ضرورة التقيد بالانضباط الخططي الصارم. خلال تجربته السابقة مع اليوفي لم يتورع هذا المدرب ذاته عن توبيخ الحارس العملاق جيجي بوفون، لقد استشاط غضبا عليه ووجه له كيلا من الكلام الجارح، والسبب في ذلك أن بوفون أراد معرفة حجم المكافآت التي سيحصل عليها اللاعبون بعد التتويج بلقب الدوري، حصل ذلك قبيل مباراة تحصيل حاصل في الأسبوع الأخير، بيد أن كونتي كان يريد إنهاء الموسم بأفضل طريقة ممكنة بعيدا عن الحسابات الجانبية التي تؤثر في تركيز اللاعبين. كونتي المهووس بعمله، كان مقابل صرامته الكبيرة تجاه اللاعبين قريبا جدا منهم، إذ لا يتردد في أن يتعامل معهم خلال التدريبات وكأنه واحد منهم، بل الأكثر من ذلك أنه يسعى لتشكيل علاقة صداقة خارج الملعب مع هؤلاء اللاعبين، كان يدافع عنهم أمام الجميع ويجلس معهم لفترات طويلة، ويعمل على حلّ مشاكلهم، الأمر الذي جعله محبوبا من الجميع رغم شدته وصرامته القاسية في العديد من الأحيان. هذا الحل أوجده مع تشيلسي، فكونتي يعلم جيدا أن سياسة العصا والجزرة هي الأفضل، وهي الوصفة السحرية كي يعيد الحياة في قلب تشيلسي المتوقف عن النبض في الموسم الماضي، أعاد الروح لكل اللاعبين وجعل بينهم محبة ومودة وكأنهم عائلة واحدة وموحدة، ابتعد عن “غطرسة” مورينهو، لكنه لم يتخل عن سياسة فرض النظام والانضباط، فبقدر الحب والعطف والثواب عند النجاح، تحضر الرقابة ويحضر العقاب عند الإخفاق والتسيّب. كاتب صحافي تونسي مراد البرهومي :: مقالات أخرى لـ مراد البرهومي العصا والجزرة في يد كونتي, 2016/12/11 حلم الفراشة: قصة شابيكوينسي الحزينة , 2016/12/04 زمن السنوات العشر , 2016/11/27 المعجزة قد تتحقق مرتين, 2016/11/20 السامبا قادمة يا جماعة , 2016/11/13 أرشيف الكاتب
مشاركة :