خائن في البيت اللومباردي بقلم: مراد البرهومي

  • 6/18/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

هل ارتكب دوناروما ذنبا كبيرا؟ ألا يحق له التفكير في مستقبله بشكل مختلف ودون السقوط في فخ التضحيات لفائدة الأخر؟ أعتقد أن لديه بعض الحق، وهو حر في اختيار مصيره ومستقبله.العرب مراد البرهومي [نُشر في 2017/06/18، العدد: 10667، ص(23)] مازال أغلب عشاق الساحرة المستديرة في ميلانو، تلك المدينة الشاهدة على إنجازات خالدة وتاريخية ورائعة لنادي الميلان، ينتظرون منذ أعوام إعادة بناء الفريق من جديد وتشكيله بقواعد وثوابت قادرة على رفع سقف الطموحات مرة أخرى. كان هؤلاء ينظرون بشغف وصبر كبيرين نحو مستقبل مبتسم أفضل من سنوات القحط الأخيرة، وبعد رحيل “الأب الروحي” وصانع تتويجات التسعينات من القرن الماضي الرئيس السابق للنادي سيلفيو برلسكوني الذي “باع” كامل نصيبه من النادي إلى الملاك الصينيين الجدد، كبرت الأحلام مجددا خاصة وأن الإدارة الصينية للنادي قررت منذ اكتمال كافة ترتيبات شراء النادي تخصيص كافة الاعتمادات المادية الضرورية لتجديد أركانه وبناء فريق مهاب، وبدأت بالفعل هذه الخطوات. فمنذ بداية “الميركاتو” الصيفي الحالي تم التعاقد مع عدد لا بأس به من اللاعبين الموهوبين القادرين على تقديم الإضافة والمساهمة في رفع مستوى الفريق مرة أخرى. والأكثر من ذلك أن الإدارة الجديدة أكدت وبرهنت في عدة مناسبات سابقة أن حملة التعاقدات مازالت مستمرة إلى حين انتهاء مرحلة البناء، ومن ثمة بدء مرحلة الحصول على الألقاب والتتويجات وبسط السيطرة الأوروبية والعالمية مثلما كان يفعل الفريق ذلك في السابق وتحديدا في حقبة التسعينات من القرن الماضي. وبما أن أي مشروع مستقبلي يتطلب بالضرورة وجود أعمدة قوية ودعائم ثابتة راسخة في البيت قبل مواصلة التشييد والتطوير، فإن بناء ميلان جديد يتطلب بالضرورة الاستنجاد بأبناء النادي الشبان القادرين على حمل لواء النادي لسنوات طويلة للغاية، أسوة بما حصل سابقا مع مالديني وكوستاكورتا وألبرتيني ودونادوني وغيرهم من اللاعبين الذين شكلوا نواة “ميلان” قوي ورائع للغاية فرض هيمنته محليا وأوروبيا على امتداد سنوات طويلة بقيادة مدربين محنكين أمثال أريغو ساكي وفابيو كابيلو. لكن أولى الضربات التي تلقاها مشروع البيت اللومباردي الجديد للميلان كانت بمثابة صفعة قوية وصادمة من قبل أحد أبرز مواهب النادي في الموسمين الماضيين، ونعني بذلك الحارس الشاب صاحب الثمانية عشر ربيعا جانلويجي دوناروما الذي قرر عدم تجديد عقده مع الميلان فاتحا بذلك الباب أمام كل الفرق الأخرى الطامحة والطامعة في التعاقد معه، وموجها ضربة موجعة لكل من آمن بأن هذا الشاب اليافع والحارس الواعد سيواصل مسيرته إلى النهاية في ميلانو ويساعد بذلك على استعادة نغمة التتويجات للبيت اللومباردي. ضربة موجعة وغير منتظرة من هذا الحارس الذي كان الجميع يتحدث عن مهاراته العالية وموهبته المنفردة والتي قد تخول له مستقبلا بأن يكون “الوريث الشرعي القادم” لسلالة الحراس العمالقة في إيطاليا، ليخلف بذلك الحارس الأسطوري لنادي اليوفي والمنتخب الإيطالي جانلويجي بوفون، لكن هيهات.. فالشاب الصغير دوناروما يبدو أنه ترك جانبا لغة العواطف الجياشة والمشاعر الملتهبة ليغلّب لغة العقل وما يفرضه المنطق، وبدأ يفكر في حتمية تأمين مستقبله المالي وبدرجة أقل الرياضي. لقد أدرك جيدا أنه مطلوب من أقوى الفرق العالمية سواء رياضيا وجماهيريا مثل ريال مدريد أو اقتصاديا وماليا مثل باريس سان جرمان وتشيلسي ومانشستر سيتي، لذلك رفض تجديد عقده الذي ينتهي مع الميلان العام المقبل، خاصة وأنه سيكون في حل من كل ارتباط، ما يضمن له بكل تأكيد الظفر بعقد جديد يتضمن الكثير من الامتيازات المالية لفائدته هو فقط.. يبدو أن اليافع دوناروما أدرك أن ضمان مستقبله لا يتعلق بوجوبية اللعب في الفريق الذي كونه وقدمه للعالم والوفاء إليه إلى الأبد، بل يتعين النظر بأعين متطلعة دوما نحو فضاء أكثر رحابة، وكأنه أراد أن يقول بلهجتنا العامية “بلا وفاء.. بلا بطيخ”، فنحن اليوم في عالم تحكمه الأموال وقوة المشروع الرياضي والنفوذ الاقتصادي قبل كل شيء. غير أن دوناروما تحول مباشرة بعد إعلان قراره بالرحيل من النجم الأول والواعد إلى “الخائن” الأكبر، لقد خان “الخبز والملح” وخان من فتح أمامه أبواب الشهرة واللعب مع المنتخب الإيطالي. كل الصحف المختصة بدأت في شن حرب ضد هذا الحارس ووكيل أعماله الذي وصف بكل النعوت السيئة، وكل المواقع الإلكترونية الموالية لنادي الميلان اتهمت دوناروما بأنه خائن ناكر للجميل ولا يستحق مكانا في البيت اللومباردي. والأكثر من ذلك أن أغلب الصحف الإيطالية سلطت سهام نقدها تجاه هذا الحارس الذي أصاب الفريق في مقتل، لأنه كان يمثل لديه رمز النهوض من جديد. لكن هل ارتكب دوناروما ذنبا كبيرا؟ ألا يحق له التفكير في مستقبله بشكل مختلف ودون السقوط في فخ التضحيات لفائدة الأخر؟ أعتقد أن لديه بعض الحق، وهو حر في اختيار مصيره ومستقبله. ألم يسر دوناروما على خطى برلسكوني حين غلّب مصلحته الخاصة على حساب الميلان، فبدأ منذ سنوات في التفريط في أبرز الركائز؟ ولعل بعض المولعين بالكرة الإيطالية يتذكرون كيف فرط برلسكوني في النجم البرازيلي كاكا الذي غادر نحو ريال مدريد، ثم النجم السويدي المتألق زلاتان إبراهيموفيتش الذي تحول بقوة المال إلى باريس سان جرمان ومعه المدافع البرازيلي تياغو سيلفا.. ألم يضعف برلكسوني النادي ويدخله نفقا مظلما من المشاكل المالية قبل أن يقرّر نهائيا مغادرة النادي والتفريط فيه كليا إلى رجال أعمال من الصين؟ كاتب صحافي تونسيمراد البرهومي

مشاركة :