المفرقعات تسرق فرحة المولد النبوي من عائلات جزائرية تختلف مظاهر وعادات الاحتفال بالمولد النبوي في الجزائر من منطقة إلى أخرى، لكن القاسم المشترك بينها هو ما يسمى محليا حرب مفرقعات والتي تخلف في بعض الأحيان إصابات خطيرة لدى الأطفال وحتى كبار السن. ولا تزال تجارة المفرقعات والألعاب النارية تعرف رواجا كبيرا في كل المناسبات وتقلق العائلات وخاصة في الأحياء الشعبية، رغم حملات التوعية والتحذيرات التي أطلقتها مختلف الهيئات والمنظمات في كامل محافظات الجزائر. العرب [نُشرفي2016/12/13، العدد: 10484، ص(20)] ألعاب تشعل الفرح حزنا الجزائر - تحولت ظاهرة انتشار المفرقعات في مناسبة ذكرى المولد النبوي بالجزائر، والتي تخلف ضحايا في كل سنة، إلى مرض مزمن لم تفلح إجراءات السلطات وعمليات التوعية الدينية والاجتماعية في مواجهته. وفي ليلة المولد النبوي من كل سنة، يخيل للساكن أو المار بأحياء شعبية في العاصمة مثلا أنه في منطقة تعيش حربا أهلية ومواجهات مسلحة، نظرا إلى حجم التفجيرات والأصوات المنبعثة منها. وتتحول الأحياء في مختلف أنحاء الجزائر إلى فضاءات تجارية لبيع المفرقعات المعروفة محليا بتسمية “المحارق”، من مختلف الأحجام والأنواع، والتي صارت لها تسميات محلية حسب درجة وقوة انفجارها. واحتفلت الجزائر على غرار بقية الدول الإسلامية، الاثنين، بذكرى مولد نبي الإسلام محمد، وهو يوم إجازة رسمية في البلاد. وظهرت خلال هذه السنة مفرقعات ذات انفجار هائل اصطلح على تسميتها بـ"محرز" نسبة إلى اللاعب الدولي الجزائري في صفوف ليستر الإنكليزي رياض محرز، فيما كانت المفرقعة الأكثر شهرة خلال العام الماضي تحت تسمية “داعش” نسبة إلى التنظيم الإرهابي الذي يصنع الرعب في عدة بلدان. ويشتبك الشباب والأطفال في مختلف الأحياء في ليلة المولد النبوي باستعمال المفرقعات حيث تتخللها مظاهر للكر والفر، ما يفرض أحيانا حظرا للتجوال في الأحياء والأزقة وخصوصا في المدن الكبرى. استعمال المفرقعات في المولد النبوي يحرق جيوب الناس وممتلكاتهم ويقطع بعض أطرافهم لذلك هو مرفوض تماما إصابات خطيرة تسجل المصالح الصحية في الجزائر المئات من الإصابات والأضرار الجسمانية الناجمة عن استعمال المفرقعات في ليلة المولد النبوي، وتتباين خطورتها بين جروح وحروق وإصابات في العين وبتر للأصابع وحتى حرائق منزلية. وحذر الأطباء في مصالح الاستعجالات على مستوى المستشفيات والمراكز الصحية من خطورة هذه المواد المتفجرة التي يشبه بعضها القنابل المتفجرة التي تشكل خطرا كبيرا على الجزائريين وبشكل خاص الأطفال، علما أن بعض العائلات تنفق الملايين لاقتناء هذه المحارق. وقال البروفيسور أمين سالمي، إن الإصابات التي قد تحدثها المفرقعات غالبا ما تكون على مستوى العينين، مما يؤدي إلى فقدان حاسة البصر والإصابة على مستوى اليدين التي قد تؤدي في بعض الحالات إلى بتر الأصابع، والحروق على مستوى الوجه والشعر وغيرها من مناطق الجسم الأخرى، مضيفا أن فئة الأطفال الصغار هي الأكثر عرضة لهذا النوع من الإصابات. وسجلت الحماية المدنية لولاية الجزائر، خلال ساعات الصباح من يوم الأحد، ثمانية تدخلات لإخماد حرائق بسبب استعمال الألعاب النارية. كما سجل مستشفى باستور في العاصمة أكثر من 10 إصابات بالحروق متفاوتة الخطورة نتيجة استعمال الألعاب النارية. ويبقى المشهد الطاغي على احتفالات الجزائريين بالمولد النبوي، هو سحب الدخان التي تلبّد سماء المدن، كلما اقترب موعد هذه المناسبة الدينية، بفعل الإفراط في استخدام الألعاب النارية، التي تنتهي في كل مرّة ببعض مستعمليها في المستشفى. ودفع تكرار هذه الظاهرة بجهاز الدفاع المدني الجزائري (الحماية المدنية) إلى وضع رقم أخضر يسمح للمواطنين بالتواصل مباشرة مع لجنة الإصغاء والتبليغ عن الحوادث المسجلة جراء استعمال المفرقعات في ليلة المولد النبوي، في بيان تصدره الهيئة مسبقا تحضيرا للموعد. كما أطلقت الحماية المدنية حملة وطنية تحسيسية في 7 ديسمبر للوقاية من مخاطر استعمال الألعاب النارية والمفرقعات. دخان المفرقعات يلوث شوارع الجزائر وكشف مسؤول الإعلام بالحماية المدنية فاروق عاشور، أن الهيئة سجلت العام الماضي 2316 تدخلا خلال الاحتفال بليلة المولد النبوي، منها 94 حريقا في محافظات عدة من البلاد خلفتها الألعاب النارية. بارونات المفرقعات ذكرت إدارة الجمارك الجزائرية في حصيلة نشرتها في الـ 7 من ديسمبر، أنها حجزت 55 مليون وحدة من الألعاب النارية والمفرقعات خلال سنة 2016 قبل دخولها البلاد وتسجيل 120 مخالفة على علاقة باستيراد غير شرعي لهذه المواد. وأفادت الهيئة أنه في السنة الماضية تم حجز كمية كبيرة من المفرقعات والألعاب النارية بلغت أكثر من 100 مليون وحدة. وقال جهاز الأمن الجزائري في بيان صدر في 9 ديسمبر، إن مصالحه حجزت 6.32 مليون وحدة من الألعاب النارية والمفرقعات سنة 2016 بعد مداهمات لأماكن بيعها، فيما تمت معالجة 93 قضية أوقف على إثرها 113 شخصا. وقال الناطق الرسمي باسم الجمعية الوطنية الجزائرية للتجار والحرفيين، محمد الطاهر بولنوار، إن الإشكالية في تجارة المفرقعات تكمن في أن الجميع يعلم أنها ممنوعة بنص قانوني في الجزائر منذ عام 1963، لكنها تسوق كل سنة. وأوضح الطاهر بولنوار، أن السر وراء تكرار هذه الظاهرة ورواج تجارتها هو أنها سوق مغرية لبارونات الاستيراد “رغم المنع ورغم العقوبات، التجارة رائجة ومنتشرة”. وأضاف “هذا دليل على أن الأرباح تجنى بسهولة من هذه التجارة ونسبة الفائدة فيها كبيرة”. وبحسب تقديره، فإن قيمة تجارة المفرقعات التي تسوق سنويا في الجزائر خلال الأعوام الأخيرة تقدر بأكثر من 15 مليار دينار (قرابة 15 مليون دولار)، مشيرا إلى أن تقديرات الجمعية تشير إلى أن نحو 5 مليار دينار (5 مليون دولار) هي ربح صاف لموردي هذه المواد. وسجل بولنوار تراجعا في كمية المفرقعات هذه السنة بنحو 40 في المئة وقابله ارتفاع في الأسعار. وقال إن “ما يعرض هذه السنة 60 بالمئة منه من مخزون العام الماضي”. ودعا المتحدث السلطات الجزائرية إلى تقنين هذه التجارة وجعلها تتم بطريقة شرعية وفق ضوابط معروفة، ما دام المنع القانوني لها لم يتمكن من القضاء عليها. وقال في هذا الصدد “تقنينها سيضمن مداخيل لخزينة الدولة من خلال الضرائب وغيرها”. وأضاف “التقنين أيضا سيجعلها مراقبة ونتمكن من منع دخول المنتجات الضارة والتي تشكل خطورة”. كما دعا المتحدث إلى توسيع عمليات التوعية للحد من استعمال هذه المنتجات التي تشكل خطرا على الصحة والأمن العام، خصوصا في غياب ثقافة الاستهلاك لدى الشباب ما يؤدي إلى سوء استعمالها. الأطفال يدفعون ثمن الإهمال مهمة السلطات ينص مرسوم حكومي رقم 63-291 المؤرخ في 2 أغسطس 1963 القاضي بحظر صناعة وبيع المفرقعات والألعاب النارية، على أن صناعة واستيراد وبيع المفرقعات وجميع الألعاب النارية محظورة داخل التراب الجزائري. كما يقضي ذات المرسوم بحظر إلقاء المفرقعات في الأماكن العامة وتتراوح العقوبات بين سنتين و10 سنوات سجنا حسب قيمة وطبيعة المواد المحظورة وغرامات حسب قيمة السلعة المحجوزة. وبدوره، قال جلول حجيمي الأمين العام للتنسيقية الوطنية للأئمة (نقابة مستقلة) إن إظهار الناس للفرح بالمولد النبوي الشريف بشكل يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمواطنين والأطفال أمر لا يفرحنا ووجب الابتعاد عنه اشد البعد. وذكر حجيمي أن استعمال المفرقعات في المولد النبوي يحرق جيوب الناس وممتلكاتهم ويقطع بعض أطرافهم لذلك هو مرفوض تماما. وأوضح “نحن لا يفرحنا أن الناس يظهرون الفرح والسرور بالمولد النبوي بشكل يؤدي إلى إلحاق الضرر بهم وحرق جيوبهم ممتلكاتهم وقطع بعض أطرافهم”. ودعا حجيمي الذي يشتغل إماما بمسجد حي “تيليملي” بالعاصمة، السلطات إلى اتخاذ ما يلزم لمنع هذه المظاهر وتفادي وقوع ضحايا ليلة المولد النبوي. وقال “ننصح الجميع…. من يستوردها ويبيعها والأولياء والأطفال بالابتعاد عنها”، مضيفا “على السلطات أن تتخذ ما يجب القيام به لتفادي وقوع ضحايا”. أما الباحث في علم الاجتماع سعيد عيادي فيرى أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في الجزائر فقد كل رمزيته الدينية وتحول إلى ما يشبه مهرجانات شعبية. وذكر عيادي أن الناس صاروا ينتظرون قدوم المولد النبوي ليس احتفاء بحياة النبي الفاضل ولا لذكر سيرته، ولكن استغلال هذه المناسبة لأن وسائل الإعلام تتحدث عنها وكبار السن يستحضرونها كذكريات في حياتهم. واعتبر أن الجميع يتحدث عن هذه المناسبة في كل الوسائط والوسائل، وهو ما يدفع التجار إلى استغلال الوضع وترويج تجارتهم. وقال “التجار يستغلون ذلك لترويج المفرقعات وأغلب فئة تستعملها هي الأطفال والمراهقون، وهو ما ينجر عنه الكثير من الأمور السلبية دون مراعاة شروط استعمالها”. :: اقرأ أيضاً تحديات مغادرة العالم الحقيقي إلى الواقع الافتراضي
مشاركة :