يرى باتريك كوكبرن، أنه "لطالما كان من المرجح بقاء الأسد في السلطة، لأن الطبقات العليا من نظامه كانوا متحدين، ولأن له جيشاً قوياً، وفوق كل ذلك بسبب أن روسيا وإيران كانوا دائماً أكثر التزاماً ببقائه من التزام تركيا والسعودية وقطر والولايات المتحدة بتغيير النظام"، بحسب قوله. إلا أن الكاتب المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بصحيفة البريطانية عاد ليؤكد أن الاحتمالات ما زالت قائمة، لأنه كلما زادت المناطق التي يستولي عليها النظام، فإنه سيكون مضطراً للمحافظة عليها، وهو ما قد لا تمكنه منه المعارضة، التي ستشن حرب عصابات -بحسب ما يأمل أعداء الأسد- ومن ثم لن يكون أبداً قادراً على إعادة تشديد قبضته على كل سوريا. ويتابع في مقاله المنشور الإثنين 12 ديسمبر/كانون الأول 2016، أنه "ربما يكونون (المؤملون في السيناريو السابق) محقين في ذلك، وهو ما يعتمد على موقف القوى الأجنبية، لكنّ الكثير من السوريين لطالما قالوا إن الصراع حول حلب سوف يحدد مصير الحرب. ربما يكونون هم أيضاً محقين". وفيما يلي نص المقال: اقتربت قوات النظام السوري من الاستيلاء على ما تبقى من الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة، شرقي حلب، ليحققوا بذلك أكبر انتصار لهم منذ بداية الحرب، من خمسة أعوام. وكانت قوات المعارضة، المقدرة أعدادها بـ8 آلاف إلى 10 آلاف مقاتل، قد انسحبت أو استسلمت أسرع مما كان متوقعاً. وما زال من المحتمل أن القوة الضاربة للمعارضة سوف تصمد في الأنقاض، لكن بشار الأسد سوف يكون حريصاً على سحق أية معارضة متبقية، من أجل أن يعرض سقوط شرقي حلب باعتباره نقطة تحول حاسمة في النزاع. هل سيكون هذا صحيحاً؟ هناك الكثير من اللاعبين، بأجندات متنوعة، في الحرب الأهلية السورية إلى درجة جعلت "نقاط التحول" في الماضي ليست نقاط تحول على الحقيقة. لكن المهم حقاً حول ما رأينا في حلب، أن الحلفاء الخارجيين للمعارضة المسلحة ضد الأسد، تركيا والسعودية وقطر (وإلى حد ما، في تصنيف مختلف، الولايات المتحدة) لم يأتوا لإنقاذ المعارضة التي دعموها في السابق. في السنوات الخمس السابقة، كانت القوى الأجنبية، لا الفرق الداخلية في سوريا، هي من حددت من يفوز أو يخسر في أية لحظة من لحظات الحرب. عندما كان الأسد يخسر ذهب إلى الروس والإيرانيين والعراقيين وحزب الله، وطلب منهم المزيد من الدعم. وبالمثل، توجهت المعارضة إلى حلفائها الخارجيين عندما كانوا يتقهقرون. هذه المرة لم يحدث الشيء ذاته. لقد أدى التدخل العسكري الروسي في شهر سبتمبر/أيلول 2015 إلى ميل ميزان القوى نهائياً وبشكل دائم لصالح الأسد. صمتت تركيا، غير المدعومة من أية قوة أجنبية، والمنغمسة في صراعها مع الأكراد وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، حول مصير حلب. ذلك أن القلق الأساسي لتركيا منصب حول الدولة الكردية، بحكم الواقع، في شمالي العراق، جنوب حدودها مباشرة. أما السعودية، فقد استلمت الراية في 2013 من قطر، بصفتها الداعم العربي الأكبر للمعارضة السورية. وحتى وقت قريب جداً، كان السعوديون والدول الخليجية على اقتناع بأن الأسد سوف يُهزم ويطاح به، كما حدث مع معمر القذافي في ليبيا في 2011. كما بالغوا في احتمالية حدوث تدخل أميركي عسكري ضد الأسد، على الرغم من أن أوباما قد أعلن بوضوح عن رغبته عدم التورط في مستنقع آخر في الشرق الأوسط، بعد ما واجهته الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان. في الواقع، لطالما كان من المرجح بقاء الأسد في السلطة لأن الطبقات العليا من نظامه كانوا متحدين، ولأن له جيشاً قوياً، وفوق كل ذلك بسبب أن روسيا وإيران كانوا دائماً أكثر التزاماً ببقائه من التزام تركيا والسعودية وقطر والولايات المتحدة بتغيير النظام. لكنّ هناك حدوداً للنجاح العسكري للأسد. هذه حقيقة أكدتها إعادة الاستيلاء على مدينة تدمر الأثرية من قبل مقاتلي (داعش) الذين قاموا مرة أخرى بإعدام الجنود السوريين في شوارع المدينة. إن الجيش السوري، مثله مثل كل المقاتلين الآخرين في الحروب الأهلية، يعانون من نقص في القوات لتعويض خسائرهم البشرية. هذا هو أحد الأسباب التي من أجلها يرسل الرجال في سن التجنيد الذين غادروا شرقي حلب مباشرة إلى التجنيد الإجباري في الجيش. كان الصراع، وما زال، حرباً أهلية، طائفية بشكل أساسي بين السنة وباقي الجماعات، لكنّ له أيضاً مظاهر عرقية واجتماعية. ربما تكون قوات الأمن السورية قد استولت على أفقر أجزاء حلب وأكثرها تديناً، لكنّ ريف حلب ذو أغلبية سنية. تميل المناطق الحضرية الأغنى لدعم الحكومة، بينما الأحياء السنية الريفية هي حاضنة الثورة الأولى. من المرجح أن تستمر هذه الأحياء في القتال، خصوصاً عندما تقوم قوات الحكومة بالانتقال إلى محافظة إدلب غرب مدينة حلب. من المرجح أن هذه المناطق السنية شديدة الكثافة والقريبة من الحدود التركية، ما زالت قادرة على تلقي الدعم من تركيا. كلما زادت الأقاليم التي يستولي عليها النظام السوري، كان عليه المحافظة عليها والدفاع عنها. يأمل خصوم النظام السوري أنه سوف يكون ضعيفاً أمام حرب العصابات ولن يكون أبداً قادراً على إعادة تشديد قبضته على كل سوريا. ربما يكونون محقين في ذلك، وهو ما يعتمد على موقف القوى الأجنبية، لكنَّ الكثير من السوريين لطالما قالوا إن الصراع حول حلب سوف يحدد مصير الحرب. ربما يكونون هم أيضاً محقين. - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Independent البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط .
مشاركة :