أنت فين والليبرالية فين

  • 12/16/2016
  • 00:00
  • 26
  • 0
  • 0
news-picture

أفعال الليبرالي وأقواله تسير في طريق والمبادئ التي يحملها في طريق آخر. الليبرالي العربي هو من جعل من الليبرالية تهمة وشتيمة، شوهها أكثر مما يفعل خصومه يبدو أننا نشهد اليوم حالة من الطلاق البين ما بين الشعارات التي تؤمن بها مختلف الجماعات وتتبناها وبين ما يتم تطبيقه على أرض الواقع. فإيمان الدواعش بأن الإسلام دين العدل لا يعني أنهم دعاة عدل وحمائم سلام، وإيمان الميليشيات الشيعية بشجاعة "آل البيت" لا يدل على أنهم فرسان الوغى، وعلى نفس المنوال نجد أن إيمان الليبرالي العربي بالديموقراطية والعدل والمساواة لا يعني أبداً أنه مقتنع فعلاً بما يؤمن به، ربما لم يكن هذا الأمر واضحاً بالأمس إلا أنه ومع بداية الربيع العربي بات من أوضح الواضحات، فأخوة الإنسانية التي تعتبرها الليبرالية مبدأ أصيلا اتضح أنها مشروطة بطبيعة انتماء الآخر، ورأي الأغلبية الذي تدندن حوله الليبرالية يتم إلغاؤه في أقرب مزبلة إذا ما اتجهت آراء الأغلبية لغير المرضي عنهم ليبرالياً، وغير هذا من تصرفات وأقوال الليبرالي العربي تجعل المتابع يتساءل حائراً: أنت فين والليبرالية فين؟! لقد أصبح حديث الليبرالي عن الإنسانية والعدل والمساواة شبيهاً بنكتة سامجة ترغم المستمع على أن يبتسم، لا لعدم اقتناعه بالشعارات التي تردد على مسامعه إنما لأن المتحدث أمامه مقتنع تماماً بأن ما يعرضه من قيم ومبادئ جميلة راقية تمثل شخصه الكريم فعلاً! لا علاقة يا سيدي الليبرالي الكريم واليوم تحديداً بين ما تؤمن به وتحمله من شعارات وبين ما تفعله على أرض الواقع، أنت لا تختلف كثيراً عن داعشي يفجر نفسه أو رافضي ينحر خصمه لمجرد إثبات وجهة النظر، الاختلاف فقط هو اختلاف في الكيفية وطريقة إثبات وجهة النظر وفي الأدوات، صحيح أن أدواتك وأساليبك ليست بتلك الوحشية والدموية لكن هذا لا يعني أنها أدوات وأساليب حضارية، بمعنى أن كونك أفضل السيئين لا يعني أنك جيد، فأفضل السيئين سيظل سيئاً مهما حف شاربه وتجمل وردد من شعارات. إن الليبرالية العربية في هذا الربيع العربي باتت "لا هوية من لا هوية له"! مجرد فكر قائم على تبني آراء ومبادئ يدندن بها أناس يحفظون النوتة جيداً لكنهم لا يجيدون إلا العزف المليء بالنشاز، هذه اللاهوية لليبرالية العربية جعلتها أفضل مطية توصل الآخرين لمآربهم، ولا أتفق هنا مع القائل بأن الليبرالية العربية ضد الدين وضد الأمة، إن مشكلتها ليست في أنها ضد إنما في أنها بلا هوية، ومن لا هوية له فمن السهل جداً أن يتخذه الآخرون هويةً لهم، من السهل جداً على كل من يعمل ضد هذه الأمة أن يتخذها وسيلته لتمرير قناعاته وأفكاره وحتى أجنداته، لهذا توجد اليوم حالة من التناغم والتناسق ما بين الآراء الليبرالية وآراء "محور الممانعة" التي يتم إعدادها في طهران. فالسلفية منبع التطرف، وأس البلاء، والإخوانية أخطر على الأمة من المشروع الصفوي وحتى الصهيوني، بل وماذا فعلت إيران إلا أنها تسربت من عيوبنا! ثم وتحت العنوان العريض "الوطنية والحقوق" وبقدرة قادر يتحول التطرف الإيديولوجي الرافضي العقدي الدموي إلى مجرد حوادث فردية وأخرى جنائية، بينما تتحول حادثة مطاردة مطوع لشاب لقضية رأي عام تستحق لأجلها أن يغربل كامل الموروث! هذا التمويه على القضايا الجوهرية وكل هذا التناسق في الآراء، يجعل المتأمل يتساءل: هل يقرأ الجميع من نفس الورقة؟ أم نحن أمام حالة نادرة جداً من توارد الخواطر؟ المفارقة المضحكة أن خصوم الليبرالية نجحوا في تطبيق المبادئ والشعارات الليبرالية على أرض الواقع، بينما فشل الليبرالي تماماً في تطبيق ما يؤمن به، وعلى أثر هذا الفشل أخذ يلعن كل ما آمن به وردده على مسامعنا صباح مساء، يلعن الديموقراطية إن أتت بخصمه للسلطة، يصف مخالفه بالظلامية والجهل والتخلف ضارباً بأخوة الإنسانية عرض الحائط، يبارك الانقلاب العسكري نكالاً في خصمه، ولدوافع تحزبية بحتة يستقبح الشرعية ويستهجنها ويرحب بالاستبداد! فهل الربيع العربي وضع الليبرالي العربي في مأزق، ودفع به إلى التواجد في كل المواقع اللاليبرالية؟ أم تراه منذ البدء كان يقف في هذا اللامكان كالتائه الضال؟ ختاماً، لا بد من القول بأن الليبرالية ليست تهمة تضع المنتمي إليها في قفص الاتهام، ولا يوجد مانع في الإسلام يمنع من تبني الأفكار والنظريات من الشرق والغرب، والحضارة الإسلامية قامت على عدة عناصر أهمها التفاعل مع الحضارات الأخرى وتبني شتى الأفكار بدءًا من الفلسفات الإغريقية اليونانية والهندية إلى التنظيمات المدنية الفارسية، لكن الإشكالية اليوم ليست في الليبرالية إنما في أن النسخة العربية منها التي لم تكتف بعدم تقديم شيء يذكر إنما أخذت تقدم ما فيه ضرراً على المجتمعات العربية، الإشكالية أن أفعال الليبرالي وأقواله تسير في طريق والمبادئ التي يحملها في طريق آخر، الإشكالية أن الليبرالي العربي هو من جعل من الليبرالية تهمة وشتيمة، شوهها أكثر مما يفعل خصومه.

مشاركة :