انتظر الآلاف من المدنيين والمقاتلين السبت وسط برد قارس وظروف إنسانية مأسوية، استئناف عملية إجلائهم من مدينة حلب وسط تكثيف الاتصالات بين موسكو وأنقرة لاستئناف إجلاء عشرات آلاف المدنيين المحاصرين، في وقت تمسكت طهران بضم عناصر ميليشيات تابعة لها ومدنيين في بلدتين مواليتين لإيران في ريف إدلب إلى اتفاق حلب. وأكد المسؤول عن ملف التفاوض من جانب الفصائل المعارضة لوكالة «فرانس برس» التوصل إلى اتفاق لاستئناف عمليات الإجلاء السبت، في حين قال مسؤول عسكري سوري إن الاتفاق «لم يتبلور بعد» غداة تعليق تنفيذه أمس. من جهة أخرى، قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن «29 حافلة تحركت من مدينة حلب من أصل 126 حافلة كان من المقرر توجهها إلى بلدتي الفوعة وكفريا (المواليتين لدمشق وطهران) في ريف إدلب، حيث من المنتظر أن تصل هذه الحافلات إلى البلدتين وتدخلهما لبدء عملية النقل والإجلاء لمصابين وحالات مرضية ومدنيين من كفريا والفوعة»، لافتاً إلى أن «الإيرانيين طرحوا بند إخراج 4 آلاف شخص من البلدتين، في حين لم يوافق جيش الفتح (الذي يضم فصائل إسلامية تسيطر على إدلب) سوى على إخراج 400 شخص فقط، ومعلومات عن التوصل إلى حل وسط بين الطرفين». وكان «المرصد» إشار إلى أن 126 حافلة على الأقل «باتت جاهزة للتوجه نحو بلدتي كفريا والفوعة اللتين يقطنهما مواطنون من الطائفة الشيعية بشمال شرق مدينة إدلب، حيث سيتم إخراج 4 آلاف شخص على الأقل، وأكدت أنه جرى تجهيز كل ما يتطلب للمباشرة بتنفيذ عملية الخروج، بانتظار دخول الحافلات وسيارات الإسعاف التي ستنقل 4 آلاف شخص من البلدتين». وشمل الاتفاق عدداً من الحالات المرضية التي لا يمكن علاجها داخل البلدتين «إضافة للأيتام دخل البلدتين، وبقية أفراد العوائل التي نقلت في وقت سابق إلى خارج البلدتين». وبعد التوصل إلى اتفاق، كان متوقعاً أن يجري استكمال تنفيذ اتفاق حلب وإخراج من تبقى من المدنيين والمقاتلين في مربع سيطرة الفصائل بالقسم الجنوبي الغربي من أحياء حلب الشرقية، إلى الريف الغربي للمدينة، حيث كانت خرجت حتى ظهر الجمعة، 9 قوافل على الأقل حملت نحو 8500 شخص بينهم أكثر من 3 آلاف مقاتل، فيما أعيدت القافلة العاشرة إلى مربع سيطرة الفصائل بعد إغلاق معبر العامرية- الراموسة من مسلحين موالين للنظام من بلدتي كفريا والفوعة وعناصر من «حزب الله»، بحسب «المرصد». وأضاف أن الفوعة وكفريا تضمان حوالى «20 ألف شخص، بينهم 4500 من المسلحين الموالين لقوات النظام، بالإضافة لوجود عناصر من حزب الله اللبناني». وكان الآلاف من السكان وبينهم عدد كبير من الأطفال شرق حلب، أمضوا ليلتهم في الشوارع أو داخل المنازل المهجورة الفارغة من أي أثاث، حيث افترشوا الأرض في ظل تدني الحرارة إلى ست درجات تحت الصفر، وفق ما أفاد مراسل لـ «فرانس برس». وقال إن السكان يعانون من إرهاق وتعب شديدين، عدا الجوع والعطش، ويقتات معظمهم من التمر، ولا يجدون حتى مياهاً ملوثة للشرب. وبحسب الأمم المتحدة، لا يزال نحو 40 ألف مدني عالقين في حلب وما بين 1500 إلى خمسة آلاف مقاتل مع عائلاتهم. وكان عدد كبير من السكان توجهوا الجمعة إلى حي العامرية للخروج ضمن الحافلات، وعمد كثيرون إلى إحراق مقتنياتهم وإتلاف ما كان متوافراً في منازلهم من أغراض وطعام ومؤونة، باعتبار أنهم لن يعودوا، ليفاجأوا إثر ذلك بتعليق تنفيذ الاتفاق. ومنذ الخميس، تم إجلاء نحو 8500 شخص بينهم ثلاثة آلاف مقاتل من مناطق سيطرة الفصائل في حلب، بحسب «المرصد»، بينهم 500 حالة بين جريح ومريض على الأقل. وتمت عملية الإجلاء بموجب اتفاق تم التوصل إليه برعاية روسية- تركية، بعد سيطرة قوات النظام خلال شهر على معظم الأحياء الشرقية التي كانت تحت سيطرة الفصائل منذ العام 2012، تاريخ انقسام المدينة بين الطرفين. وكان من المفترض أن تستمر عملية الإجلاء أياما عدة، إلا أنه جرى تعليقها الجمعة بعدما اتهم الجيش النظامي السوري المقاتلين بخرق الاتفاق. وقال مصدر عسكري سوري لـ «فرانس برس» الجمعة إن تعليق الإجلاء جاء إثر إقدام المسلحين على «اطلاق نار، ومحاولة أخذ مخطوفين (معهم من حلب الشرقية) ومحاولة تهريب أسلحة متوسطة في حقائب». ونص الاتفاق الأساسي على خروج المسلحين مع أسلحتهم الخفيفة فقط. وشهدت الليلة الماضية مفاوضات بين الأطراف المعنية تمهيداً لاستئناف عملية الإجلاء من حلب، مع محاولة كل طرف تحقيق «مكاسب» إضافية. وقال «الفاروق أبو بكر» من «حركة أحرار الشام» المكلف بالتفاوض عن الفصائل المعارضة: «تم التوصل لاتفاق بين الثوار وروسيا وإيران بشأن حلب، ونعمل على استئناف عملية الإجلاء اليوم (أمس) إن شاء الله». وأضاف أنه بموجب الاتفاق «سيخرج كل أهل حلب والمسلحين» من المربع الأخير تحت سيطرة الفصائل، مقابل خروج عدد لم يحدده من بلدتي الفوعة وكفريا وميدنتي مضايا والزبداني في ريف دمشق. في المقابل، قال مصدر عسكري سوري لـ «فرانس برس» السبت، إن «الأمور لم تتبلور بعد»، مشيراً في الوقت ذاته إلى «مسار إيجابي» في ما يتعلق بعملية الإجلاء من الفوعة وكفريا. ويسري على مضايا والزبداني والفوعة وكفريا اتفاق تم التوصل إليه في أيلول (سبتمبر) 2015 بين الحكومة السورية والفصائل المقاتلة بإشراف الأمم المتحدة يتضمن وقفاً لإطلاق النار. ونص على وجوب أن تحصل عمليات الإجلاء منها وإدخال المساعدات بشكل متزامن. وقال مدير «المرصد السوري» رامي عبد الرحمن لـ «فرانس برس» إنه يتوقع أن «تُستأنف السبت عملية الإجلاء من حلب في الساعات المقبلة تزامناً، مع نقل حالات طبية وجرحى وعائلاتهم وأيتام وحالات لم شمل من بلدتي الفوعة وكفريا ضمن قائمة تضم أربعة آلاف اسم». وأوضح أن إدخال الزبداني ومضايا في الاتفاق «يأتي إرضاء للمقاتلين، باعتبار أن المدينتين مرتبطتان بالاتفاق السابق مع الفوعة وكفريا». وأوضح أحمد الدبيس، المسؤول عن وحدة من الاطباء والمتطوعين تتولى تنسيق عمليات الإجلاء لـ «فرانس برس» أمس: «وصلتنا تطمينات من جهات عدة بأن الإخلاء سيتم خلال 24 ساعة»، لافتاً إلى أن سيارات الإسعاف ما زالت في «الخطوط الخلفية» بعد سحبها أمس. وأجبر مقاتلون موالون للنظام قافلة تضم 800 شخص صباح الجمعة على العودة أدراجها بعد انطلاقها من نقطة التجمع في حي العامرية، وفق «المرصد السوري». وبحسب مراسل «فرانس برس»، سادت حالة من الخوف والذعر في حي العامرية إثر عودة القافلة. واتهمت الفصائل المعارضة مقاتلين موالين من «حزب الله» باعتراض هذه القافلة والاعتداء على عدد من ركابها، متحدثة عن حصول إطلاق نار قبل أن تعود أدراجها. وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تتولى الإشراف على عملية الإجلاء، أنها تنظر في أنباء عن إطلاق نار قبل عودة القافلة أدراجها.
مشاركة :