ليـــس من الصـــدفة أن يقــوم القيّمون على أي عمل فني يتضمن أغنيات مر عليها عقود، بتقديم إعداد جديد له يلائم المتغيرات التي طرأت على أمزجة الناس بفعل مرور سنوات ليست بالقليلة على تقديمه في المرة الأولى. غير أن هناك بعض العروض تقدم كما هي، على رغم مرور سنوات ليست قليلة على تقديمها، ويتقبلها الجمهور وكأنها جديدة للتو، تأليفاً وألحاناً وصوتاً. ومن ذلك ما قدمته المغنية اللبنانية ريمي بندلي، من الجزء الأكبر من استعراضها الغنائي الراقص، إذ كان الجزء الآخر يتضمن أغنيات من ألبومها الجديد «ما نسيت» التي احتضنها «مسرح قصر الثقافة» في عمّان. أغنيات بندلي، كانت سكنت قلوب أجيال عريضة من المجتمعات العربية، وحتى بعد أن كبرت ظلت تسكن في فضاءات من ذكرياتها الدافئة الجميلة، لما كانت تطرحه قيم كلماتها من معانٍ إنسانية تخص الطفولة، أحبتها فئات اجتماعية عربية واسعة، وخصوصاً أنها مقدَّمة بصوت طفولي فطري وعفوي. فأغنية «أعطونا الطفولة» التي كانت بمثابة إدانة للحرب الأهلية اللبنانية، من خلال الدعوة إلى إنقاذ الطفولة، تطرح راهناً الإدانة نفسها لمآسي الأطفال الناتجة من حروب الاقتتال الداخلي في المجتمعات العربية، والتدخل الخارجي من دول مختلفة. بينما تحتفي أغنية «طير وعلي يا حمام» بالوجود برؤية فطرية، تناسب وعي الأطفال الصغار، كما في إحدى جملها «السما فرحانة والغيمة دفيانه والوردة غفيانة على شبابيك بيوتنا». أشعلت بندلي قاعة العرض تفاعلاً عاطفياً، مع «جينا نعيدكم ليش ما في عنا أعياد ولا زينة» تصفيقاً، وهمهمات إعجاب من الجمهور الذي شاركها الغناء، من الأطفال الذين حضروا حفلة بندلي السابقة أنفسهم في هذا المسرح قبل 29 سنة، وغدوا الآن كباراً. واختتمت أغانيها القديمة، في الحفلة التي نظمتها شركة «KD Entertainment»، بأغنية تطرح رسالتها من وراء جولاتها العالمية، من خلال مقاطع منها كلماتها: «من عمر الطفولة أحلم بحرية واستقلال بلادي». كما غنّت من الموروث الشعبي الشامي «ياعنيد يا يابا»، وبلكنة خليجية «تدرون ما تدرون». وكانت أغنية «صور» أول ما غنته من ألبومها الجديد «ما نسيت»، إذْ شدت بكلماتها التي لم تخلُ معانيها من شجن: «صوركن غفيت في بالي خبيته في صفحة من كتابي». وضم ألبومها الجديد 9 أغنيات يغلب على ألحانها الطابع الرومانسي، شارك فيه كتابةً وسام شدياق وأنطوان شمعون ومحمد علي الضيقة وكميل سلامة، إضافة إلى أغنية «ليش» من كلمات وألحان بندلي نفسها. وقالت بندلي لـ «الحياة» عن سر تقبل الناس أغانيها لا سيما المكررة عبر عقود: «الجميل يظل جميلاً، ذلك أن الكلمات إنسانية عامة تهم الطفولة لبني البشر عموماً، وكل ذلك بصوت جديد». وعن أثر الهجرة عن الوطن لبنان لفترات طويلة، على أدائها الفني، قالت: «البعد كان صعباً جداً، وشاقاً على النفس، ولكن المضيء في هذا الوضع أنني كنت دائماً أتعلم الموسيقى، ولحنت أغاني بالعربية والفرنسية والإنكليزية». وعن مشاريعها قالت: «لديّ كثير من الحفلات أقربها في جامعة البلمند اللبنانية في آذار (مارس) المقبل». وعن تجربتها في التلحين قالت إنها قديمة، مؤكدةً أن كل أغنية تقدمها تعد «جزءاً مني، لذلك أتمنى أن يحبها الجميع». وبعد الحفلة وقعت بندلي ألبومها مع محبي غنائها.
مشاركة :