النسخة: الورقية - دولي يدفع مذهب التطور، بتأثير التحول، الكثيرين للإنحياز إلى القوة واعتناق التناحر، هي العادة وقد تؤثر في التركيبة أو في الأغلب هي التركيبة القائمة وإنها لقادرة مع بعض التهذيب والتغيير البسيط أن تتحول إلى عادة، فهذه الدواجن وكذا البط ومثلها النعام، طيور بالخلقة، لكنها شواذ لا تطير. الخلد مثال آخر، في باطن الأرض معاشه، له عينان بارزتان لكنه فاقد البصر. إنها الحاجة والكفاية وتأثير الطبيعة تتداخل معاً لضمان البقاء ومواجهة أسباب الإنقراض. بالعودة إلى شريط الأحداث في بلاد العرب، وفي سورية تحديداً، فإنك ولا بد ستلحظ تغيراً صريحاً في مسارات التسوية، وتلمس تبدلاً واضحاً في مواقف اللاعبين الدوليين كما الإقليميين، كل وفق مصالحه وما تمليه عليه التطورات الميدانية في ساحات المعارك، أضف إليها البروز المستمر لمعطيات طارئة شكلت وستشكل حالات شاذة تستطيع، بالتحول النشوئي، الإنقلاب على المعادلات القائمة وإفراز قوى جديدة تمضي مؤثرة تدرك غايات أخرى مختلفة تصبح الأولى معها غير ذات قيمة أو فائدة. تلك الأمور وغيرها أعادت لبنان إلى حال الفراغ والركود التي لم يخرج منها أصلاً منذ متصرفية جبله في الربع الأول من القرن العشرين وأبقته أسير حال متحركة متقلبة متمددة متقلصة ومغلقة أحياناً تطفو على سطحه، بين الحين والآخر، فكرة تصريف الأعمال، تلك التي تبنتها في السابق قوى مؤيدة أو داعمة، متورطة أم مورطة مع أنظمة ودول في حروبها تحت عناوين مختلفة، لكنها اليوم أصبحت مطلباً جماعياً لمعظم القوى اللبنانية التابعة، خصوصاً أن صرخات النأي بالجمهورية عن الصراعات بحت وما عادت تسمع، فالأصل من الحرب عندهم تحقيق المكاسب وتوزيع المغانم ولا مكان فيها لوهم النصر أو حقن الدماء. الأمور ذاهبة، وبعد فشل «الجينفات» كلها السابقة واللاحقة، إلى مزيد من القتال والدماء والصراخ، إلى التشرد والعاهات، إلى الكثير من الخراب والبطالة والأمراض، إلى العديد من المشكلات الإجتماعية والإقتصادية، إلى أزيز الرصاص واحتدام المعارك، لكن هذه المرة بأمر من الداعين إلى المؤتمرات الخاوية ومن مصممي الطاولات الحوارية الفولكلورية الفارغة، العظمى منها والصغرى، مدعمة بصعاليك متقاتلة، ومن أمكنة حسم المنافسة، خاض القتال الأخير على الحلبة وحاز على لقب الطرف الثاني إلى جانب الثابت (إلى الأبد). الكل يحشد ما أمكن لحسم المنافسة، ينظم صفوفه وعتاده، يقوي تحالفاته، يمتن علاقته، يبحث عن مصادر إمداده، يثبت مؤيديه من بقي منهم ومن أرغم على البقاء لحسم المعركة. المراهن على الثورة خاسر، فهذا ليس زمانها، العقل أضناه التعب والفكر تاه من كثرة الجهل. الامر مال صوب التعصب، والمنطق لم يقدر له النجاة، الحكمة منعزلة في إحدى زوايا متحف تاريخ الفكر العربي الإسلامي بانتظار من يقوم باستحضارها.
مشاركة :