تُعتبر مشكلة توفّر الأراضي والمساحات الحرفية، وتهيئتها للمشاريع الصغيرة، أمراً ليس بجديد على قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة. فتحت شعار توطين الأنشطة الحرفية قُدّمت مبادرات لإنشاء مناطق حرفية وصناعية لأهداف تصب في صالح الشباب، وهذا القطاع، إلا أنها انتهت إلى الاستفادة بشكل ربحي من أملاك الدولة دون تحقيق فعلي للغرض الأساسي من منح الأراضي. إن قلة المساحات والأراضي الصناعية المخصصة من قبل الهيئة العامه للصناعة للمبادرين والمشروعات الصغيرة تمثل هاجساً كبيراً للشباب، فقد جاء القانون رقم (89 لسنه 2013) للصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة بمادته رقم 10، ليوفر هذه الأراضي ويهيئ المساحات لإقامة المشاريع الشبابية، فقد نصت المادة بأن تخصص الدولة أراضي لا تقل مساحتها عن 5 ملايين متر مربع توزع على مناطق لمزاولة الأنشطة المقررة بالقانون. وبعد 3 سنوات من صدور القانون والانتظار لم تقم الجهات المعنية بتوفير الأراضي للشباب ومشاريعهم إما بسبب عدم تهيئة البنية التحتية للأراضي أو الإجراءات الروتينية المعيقة. ويكمن جزء من حل مشكلة في توفير الأراضي والمساحات للمشاريع الشبابية في الاستفادة من مواقع أملاك الدولة غير المستغلة كونها مهيأة البنية التحتية وجاهزة لتشغيل الأنشطة وتسليمها للشباب من أجل إعادة تصميمها وتطويرها، ومن ثم تشغيلها بشكل يتناسب مع مبادراتهم وأفكارهم. إن السماح لاستغلال هذه الأراضي والمساحات للشباب تعتبر فرصة مثالية لإعطاء الشباب الخيار في خلق بيئة ومكان للعمل يناسب طموحهم وإبداعهم، وهناك أمثلة حية على أرض الواقع لمواقع غير مستغلة مستخدمة، كيف أحياها الشباب حتى أصبحت وجهة ومعلماً. فتوفير الأرضية الصلبة للشباب لإطلاق عنان خيالهم وترجمة أفكارهم إلى واقع هو المطلوب توفيره لهم، فهم الأقدر على إدارة أمورهم. تقليص الدورة المستندية قامت وزارة التجارة والصناعة أخيراً بتدشين مركز الكويت للأعمال (إدارة النافذة الواحدة) للأعمال والمشاريع، تسهيلاً لإنجاز الإجراءات الرسمية محققة بذلك طموح فئات كثيرة من أشخاص ومستثمرين، فضلاً عن الأهم من أصحاب المشروعات الصغيرة المستفيدين من خدمات الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ويعد ذلك تحسيناً لبيئة الأعمال والاستثمار بالكويت واستجابة ومواكبة لدواعي التطور العالمي والسرعة التي تتطلبها منظومة الاستثمار المباشر، حيث تستغرق عملية تأسيس الشركة الجديدة مدة لا تتجاوز 3 أيام والترخيص لها في 5 أيام بعد أن كانت العملية تستغرق أكثر من 45 يوماً. فتقليص الدورة المستندية واختصارها كان يعد من أهم العقبات التي تواجه الشباب في تأسيس مشاريعهم والتعامل مع الجهات الحكومية المعينة، فطبيعة المشاريع الشبابية وعمر الشباب يحكمها عامل الوقت والسرعة. ومن جانب آخر، وفي الوقت الذي تقوم به «التجارة» بتطبيق «النافذة الواحدة» للأعمال لتسهل وتختصر إصدار التراخيص التجارية، نتفاجأ بأن الصندوق يقوم بعكس إجراءات الوزارة والجهة التابع لها! فالصندوق الوطني كان يطالب، ويسعى لتقليص الدورة المستندية، وتهيئة بيئة الأعمال وتسهيل الإجراءات الروتينية، نجد استحدث دورة أخرى في مطالباته واستكمال بيانات المبادرين الممولة مشاريعهم للإرفاق والموافاة، بما يزيد على 15 طلباً ومستنداً لمباشرة التقديم على التمويل. الشروط التمويلية شروط الحصول على التمويل الخاص للمشروعات الصغيرة المتوسطة وضعت منذ عام 1998 مع تأسيس وتشغيل الشركة الكويتية لتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتبعتها محفظة النشاط الحرفي والمشروعات الصغيرة لدى بنك الكويت الصناعي، وكذلك محفظة الاستثمار الوطني التابعة للهيئة العامه للاستثمار والمدارة من القطاع الخاص. فشروط التمويل عندما وضعت قبل 25 سنة مع تأسيس البنية التحتية لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة كانت تتناسب مع الظروف الاقتصادية، ووضع السوق آنذاك وتتماشى مع ظرف تشغيل القطاع في بداياته، فكانت مقبولة ويسهل التعامل معها من جانب تمويلي، حيث وضعت هذه الشروط لقياس مدى جدية المبادر وصاحب المشروع في الدخول في شراكة ذات مخاطر عالية تتوزع ما بين المبادر والمال العام الذي يتحمل النسبة الأكبر منها. ولم تتغير هذة الشروط بالمتغيرات الاقتصادية أو المالية التي طرأت على السوق منذ أكثر من 20 عاماً، بل انسحبت هذه الشروط التمويلية لتكون لبنة الأساس عند وضع وصياغة القانون رقم (89 لسنه 2013) للصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة. فقانون الصندوق الوطني عندما تم تقديمه من قبل مجلس الأمة (2012) كمشروع قانون للصياغة والتشريع اعتمد على شروط تمويلية كانت تتناسب مع ظروف اقتصادية جيدة تتمثل بأسعار النفط مختلفة كلياً عن الوقت الراهن. فما كان مقبولاً منذ فترة قد يصعب التعامل به حالياً، فبعد 4 سنوات من تشريع القانون ومع تغيّر الظروف الاقتصادية وتذبذب أسعار النفط، وما صاحبها في توجه الدولة نحو إيجاد مصادر أخرى للدخل وتنويعها، والتخفيف على الضغط على الميزانية العامة، ودعم الأنشطة الاقتصادية، وما يقابله من عدم إقبال المبادرين للاستفادة من خدمات الصندوق التمويلية بشكل واضح قد يكون أحد أهم أسبابها شرط نسبة مساهمة المبادر في رأسمال المشروع الـ 20 في المئة، خصوصاً إن اعتبرنا أن شريحة العاملين بالقطاع العام هم المستهدفون بالدرجة الأولى والشباب بشكل عام. فشرط مساهمة المبادر بنسبة 20 في المئة في رأسمال المشروع يصعب توفرها في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية، وإن قام الصندوق بتحمل المساهمة الأكبر بنسبة 80 في المئة من رأسمال المشروع، آخذين بالاعتبار توجيهات البنك الدولي بالتزام مساهمة صاحب المشروع بنسبة لا تقل عن 5 في المئة من رأسمال المشروع. وعليه، نرى ضرورة تقديم وطرح حلول تمويلية ذاتية جديدة تتناسب مع ظروف المرحلة وتتكيف مع الأوضاع الحالية لتعالج مكامن الخلل وتسد الثغرات، وتعزز القانون بشروط تمويلية تدفع الشباب وتشجعهم للاستفادة من خدمات الصندوق، وان تطلب الأمر تعديل بعض مواد القانون من مجلس الأمة ولاسيما المتعلقة بالشروط التمويلية حتى تتماشى مع الأهداف التي وضعت من أجله. كما أن تجربة الاتفاق والتعاون ما بين الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات والبنوك المحلية بتمويل المشروعات الصغيرة، نعتقد بأنها لم تحقق الهدف والغرض المطلوب منها. فقد انسحبت الشروط التمويلية للصندوق الوطني كذلك، لتدخل البنوك طرفاً ثالثا في المشروع الصغير، فعندما يقوم الصندوق بتوجيه الشباب لجهات تمويلية أخرى كالبنوك للاقتراض المصرفي من أجل تغطية نسبة مساهمة المبادر برأسمال المشروع لتعذر توفر السيولة لديه، فهو بذلك أدخل طرفاً ثالثاً بالتمويل والمساهمة برأسمال المشروع (الصندوق - المبادر- البنك)، مما قد يخل بمبدأ الشراكة الثنائية ما بين الصندوق والمبادر، وما قد يترتب عليه من آثار مستقبلية عند تخارج المبادر بنجاح المشروع أو عند التصفية بتعثر المشروع، وكلاهما قد يكون المتضرر الأكبر هو المبادر نفسه. فالبنوك عندما تقوم بمنح قرض مصرفي لمشروع صغير ستقوم بإقراضه بنسبة فائدة تزيد على فائدة الصندوق المنصوص عليها بالقانون (مادة رقم 26) التي لا تزيد على 2 في المئة من رسم تكلفة التمويل، وعليه ستختلف فائدة القرض المصرفي من بنك إلى آخر، وقد تصل إلى 7 في المئة طالما لا يوجد ضوابط تحكمها من قبل قانون الصندوق الوطني. ومن جانب آخر، عندما يقوم البنك بتقديم قرض مصرفي لمشروع المبادر، سيكون ذلك حسب قواعد وشروط الإقراض المتبعة في البنوك التي تشترط ضمان القروض الممنوحة، ويتمثل هذا الضمان في رهن أصول المشروع مقابل الالتزام بالسداد، تضاف إلى ضمانات تمويل الصندوق الوطني التي تلزم صاحب المشروع برهن أصوله مقابل الحصول على التمويل. وعليه، سيكون من الصعب جداً على المبادر التخارج من المشروع في حال نجاحه بالمدة المقررة للتخارج لأن الالتزامات التمويلية، عليه بالسداد ستكون صعبة الوفاء، وسيكون ملزماً بالسداد لجهتين تمويليتين هما الصندوق والبنك، وسيكون هذا النوع من التمويل عبئا على رأسمال المشروع الصغير يصعب تحمله صاحب المشروع نفسه. كما نشير إلى إنه عندما يقوم الصندوق بتوجيه الشباب لجهات تمويلية أخرى لاستكمال تمويل مشاريعهم، فهو بهذه الخطوة قام بإطالة الإجراءات التمويلية (المفترض اختصارها) والتي يتحاشاها الشباب، ويتجنبها ولا تتماشى مع نمط تفكيرهم ورتم سرعتهم. فعندما أسس الصندوق كان الهدف منه أن يكون جهة مركزية لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة يندرج تحتها جميع الخدمات التمويلية المطروحة للشباب، فتجربة الاتفاق والتعاون ما بين الصندوق الوطني والبنوك بتمويل المشروعات الصغيرة نرى بأنها لم تحقق الهدف والغرض المطلوب منها. ونعتقد بأن الصندوق الوطني قد أبعد عن نفسه صفة المركزية بالتمويل والتعامل مع الشخص الاعتباري، وأدخل طرفا ثالثا كشريك بالمشروع. * متخصص في إدارة وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة
مشاركة :