المغرب والإرهاب.. مقاربة استباقية شاملة تصنع الاستثناء استطاع المغرب تجاوز الظروف السياسية والأمنية المعقدة التي تمر بها منطقة المغرب العربي والساحل بسبب التهديدات الإرهابية المتربصة بمستقبل القارة السمراء، غير أن المغرب تمكن من مواجهة خطر التطرف لتكريسه إستراتيجية أمنية متعددة الأبعاد إضافة إلى المقاربة الدينية الداعية إلى روح التسامح الإسلامي، وأيضا لكفاءة جهازه الأمني ما جعله يحقق ريادة دولية جعلت منه نموذجا واستثناء يحتذى حيث أثبتت الرباط قدرتها على التعامل مع التحديات الأمنية بنجاح وكفاءة بشهادة المراقبين. العربسعد غراوي [نُشرفي2016/12/23، العدد: 10494، ص(6)] إف بي آي المغرب الرباط- ليس سهلا أن ينجح بلد، مثل المغرب، محاط جغرافيا بمجموعة من أبرز البؤر التي تحتمي بها الجماعات المتشددة، ويصنف دوليا على أنه من بين الدول المصدرة للجهاديين، في أن يكون الاستثناء في منطقة عاصفة، ويضمن استقرار سياحته واستثماراته الأجنبية وأمنه الداخلي. لكن، تجاوز المغرب هذه التعقيدات. وأرسى إستراتيجية متعددة الأبعاد لمكافحة الإرهاب، الذي اكتوى بناره، مع تفجيرات الدار البيضاء في 2003. لم ينجح منفذو هذه العمليات في مبتغاهم، لكنّهم نجحوا في وضع المغرب أمام حقيقة هذا الواقع الجديد. وبدأ التفكير في ضرورة تطوير السياسات الأمنية، لمواجهة هذا الخطر المحيط بالبلاد. وكانت المرحلة الأولى التي أثبتت نجاح التمشي الأمني المغربي في محاربة الإرهاب، إفشال عملية إرهابية كان مخططا لها في أبريل عام 2007. كان جهاديون مغاربة على استعداد لإطلاق موجة تفجيرات انتحارية أخرى في الدار البيضاء، ولكن السلطات نجحت في إبطال العملية عندما طوقت الشرطة المبنى الذي كان يختبئ فيه أربعة من المتآمرين. وخلال موجة العنف التي شهدتها المنطقة، في خضم الربيع العربي، اهتز المغرب على وقع تفجير أبريل 2011، الذي أودى بحياة 17 شخصا في مراكش، معظمهم من السياح، ليدخل المغرب مرحلة حاسمة جديدة تستوجب تفعيل قانون مكافحة الإرهاب الذي صدر في 2003، ومراجعة نصوصه، بما يمنح الجهات الأمنية والاستخباراتية والعسكرية القدرة على التحرك وينظم عملياتها بما لا يخالف حقوق الإنسان ويضمن أمن البلاد. إستراتيجية المغرب في مجال التصدي للإرهاب هي ثمرة إستراتيجية طويلة المدى بدأت بعد اعتداءات الدار البيضاء ويشهد خبراء في مركز ستراتفور الأميركي أن كفاءة قوات الأمن المغربية تعد من بين العوامل الرئيسية المساعدة على إبقاء الجهاديين المغاربة تحت المراقبة. وتعمل وكالة الاستخبارات القوية في البلاد، قوات الشرطة الوطنية والشرطة شبه العسكرية والمكتب المركزي للتحقيقات القضائية (النسخة المغربية من مكتب التحقيقات الفيدرالي)، بشكل وثيق مع نظرائها الأميركيين والأوروبيين، وتلقوا تدريبا مكثفا ما أدى إلى تصنيفهم ضمن ذوي الكفاءات العالية. ووضعت السلطات المغربية عقب ذلك برامج متطورة للمساعدة في تحديد الجهاديين العائدين ورصد المشتبه بهم ومواجهة الجهاديين من الناحية الأيديولوجية وأثبتت هذه البرامج فاعليتها بشكل ملحوظ، لا سيما بالمقارنة مع جهود البلدان الأخرى في المنطقة. لكن، لا يقتصر الاستثناء المغربي في الحفاظ على الأمن الداخلي من مخاطر الإرهاب، على المقاربة الأمنية فقط. ففي خطابه، الذي أعقب تفجيرات الدار البيضاء في 2003، شدّد العاهل المغربي الملك محمد السادس على ضرورة أن تكون الإستراتيجية المغربية لمكافحة الإرهاب متعددة الأوجه وطويلة المدى تستهدف جذور العنف والإرهاب من خلال الواجهات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والدينية. وجدّد العاهل المغربي التأكيد على ضرورة أن يكون التعامل مع الإرهاب والأفكار المتشددة، التي تضرب مختلف أنحاء العالم، شاملا. وهو ما أكّد عليه عبدالحق الخيام، مدير مكتب التحقيقات القضائي المغربي، في تصريحات لصحيفة “العرب ويكلي”، قال فيها إن المغرب “دفع ثمنا باهظا في الهجمات على الدار البيضاء عام 2003. ومنذ ذلك التاريخ، لاحظت السلطات المغربية أن المغرب كان مستهدفا من منظمات إرهابية مثل تنظيم القاعدة”. وأوضح مدير مكتب التحقيقات القضائية بأن “المغرب اعتمد منذ ذلك الحين على إستراتيجية متعددة الأبعاد تستند إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والدينية بالإضافة إلى الجانب الأمني، وقد لاحظنا أن الانتحاريين المغاربة الذين نفذوا هجمات الدار البيضاء كان لديهم فهم سيء للإسلام. وقد بذل المغرب جهودا كبيرة لتغيير هذا التصور من خلال الترويج لإسلام متسامح، خاصة بين الشباب المنتمين إلى التيارات الدينية”. وقال “تستند الإستراتيجية المتعددة الأبعاد على تعزيز الأمن من خلال تعزيز قوات مكافحة الإرهاب واعتماد قوانين خاصة لمكافحة الإرهاب، وقد تم إنشاء المجلس الأعلى للعلماء لتوحيد الفتاوى وتدريب الدعاة كجزء من المبادئ التوجيهية لمؤسسة أمير المؤمنين (الملك محمد السادس)، الذي يلعب دورا كبيرا في محاربة كل مظاهر التطرف”. ويقود المجلس الأعلى للعلماء الملك محمد السادس. ويمتلك المجلس السلطة الوحيدة للتعليق على المسائل الدينية وإصدار الفتاوى في المغرب على أساس إسلام يقوم على التسامح والتعايش، كركن من أركان المذهب المالكي في الفكر الإسلامي السني. وحتى تكون المقاربة شاملة وناجعة، لا بد من أن تركز على الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية. وفي هذا الجانب، قال عبدالحق الخيام إن المغرب يعمل على تحسين مستوى عيش مواطنيه بمحاربة الفقر. وأضاف أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي يقودها الملك لعبت دورا رئيسيا في القضاء على الفقر. صيت عالمي لفت عبدالحق الخيام إلى أن داعش كثيرا ما هدد المغرب بسبب الموقع الجغرافي الإستراتيجي للبلاد. وقد أقام التنظيم فرعا له في ليبيا، وهو بلد مجاور جغرافيا قريب للمملكة المغربية ما يشكل خطرا على أمنها. وينبع التهديد أيضا من منطقة الساحل وجبهة البوليساريو الإرهابية، والتي، وفقا لأبحاث مكتب التحقيقات القضائية، تشارك في الأعمال الإرهابية والجريمة المنظمة. ويتبنى مكتب التحقيقات القضائية (تابع للمخابرات المغربية الداخلية) سياسة استباقية لمكافحة الإرهاب من خلال مراقبة الجهاديين المغاربة العائدين من بؤر التوتر. وتفيد إحصاءات مكتب التحقيقات القضائية بأن أكثر من 1500 من المغاربة، بما في ذلك البعض من الحاملين لجنسيات مزدوجة قاتلوا إلى جانب الجماعات الجهادية في سوريا والعراق وليبيا. والخبرة التي راكمها المغرب في مجال مكافحة الإرهاب وتفكيك خلاياه، منحت الرباط صيتا جيدا على المستوى الدولي ومنحى دوليا حيث يسعى حلفاؤه وشركاؤه التقليديون من الدول الغربية إلى طلب المساعدة والاستنجاد بهذه الخبرة والإشادة بها. وأكد عبدالحق الخيام أن “المغرب يعمل بالتنسيق مع حلفائه في الحرب على الإرهاب منذ ظهور تنظيم القاعدة. وهذا ليس بجديد على المغرب. كان هناك تنسيق جيد ومثمر في مجال مكافحة الإرهاب قبل هجمات باريس”. عبدالحق الخيام: المغرب يعتمد إستراتيجية متعددة الأبعاد تستند إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والدينية بالإضافة إلى الجانب الأمني وقدم العديد من الأمثلة، بما في ذلك المعلومات التي تم توفيرها لواشنطن حول مكان وجود معسكر خلدن الذي يتم استخدامه لتدريب الجماعات الإرهابية في أفغانستان. وقال إن “المغرب يرسل في كل الأوقات معلومات استخباراتية مهمة إلى العديد من الدول الأوروبية لإحباط شن هجمات إرهابية على أراضيها”. وفي الفترة الماضية اكتسب مكتب التحقيقات القضائي المغربي مكانة دولية متميزة بعد هجمات نوفمبر عام 2015 في باريس، التي أسفرت عن مقتل 130 شخصا وتبناها تنظيم الدولة الإسلامية، حيث ساعدت أجهزة الاستخبارات المغربية الشرطة الفرنسية على تعقب عبدالحميد عبود، وهو مواطن بلجيكي من أصل مغربي يُعتقد أنه كان العقل المدبر للهجمات. الإرهاب في منطقة الساحل بلغت أعداد الخلايا الإرهابية، التي أعلن المغرب عن تفكيكها عام 2016، 19 خلية، ترتبط معظمها بتنظيم داعش، باستثناء خلية واحدة ترتبط بمنتمين إلى التيار المسمى بـ”الفيء والاستحلال”. ويمثل هذا العدد تراجعا عن العدد المعلن عنه العام الماضي (21 خلية)، ارتبطت 18 خلية منها بتنظيم داعش، و4 بـ”الفيء والاستحلال”، وهم “السلفيون الجهاديون” الذين يقومون بسرقات أو جرائم مالية من أجل تمويل عملياتهم وأنشطتهم. وكشفت أحدث إحصائيات المكتب المركزي للأبحاث القضائية أن 244 متهما تم القبض عليهم سنة 2016، مقابل 275 سنة 2015. وارتفعت أعداد العائدين من صفوف داعش إلى المغرب هذا العام إلى 47 عائدا، (39 منهم كان بسوريا والعراق، و8 بليبيا) مقابل 24 عائدا السنة الماضية. ويستخدم تنظيم الدولة الإسلامية تكتيكات مختلفة لتجنيد الجهاديين، بمن في ذلك النساء والمراهقون، من المغرب ومن الخارج بهدف تنفيذ هجمات في المملكة التي تقع في منطقة استراتيجية في شمال أفريقيا. وفي مايو الماضي، ألقى مكتب التحقيقات القضائية القبض على شخص يحمل الجنسية التشادية بتهمة قيادة خلية تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في طنجة كانت تسعى إلى شن هجمات إرهابية داخل البلاد. ويرى الخيام أنه “في الوقت الحاضر يمكن لأي فرد أن يتأثر بفكر داعش، في كل مكان في العالم، ويمكنه أن يصبح ذئبا منفردا لأن الإنترنت سهلت تدفق المعلومات”. وأضاف أن المغرب “يمد يده بشكل دائم إلى الجزائر من أجل التعاون والتنسيق بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب، الذي يهدد بزعزعة استقرار المنطقة”، مضيفا “أن الجهاديين ينظرون إلى منطقة الساحل الواسعة على أنه ملاذ آمن لهم”. :: اقرأ أيضاً الخطط الأميركية في جنوب شرق آسيا رهن عقيدة ترامب الصين من دولة كبرى إلى دولة عظمى طريق اللاجئات الباحثات عن الحياة في أوروبا محفوفة بالمخاطر والصعوبات مصر: 2016 سنة أزمات وتحديات
مشاركة :