تحت عنوان «صور أيقونية من آسيا»، يقدم المصور العالمي ستيف ماكوري في معرضه الذي افتتح أخيراً في غاليري الربع الخالي 26 عملاً مصوراً، يعرض من خلالها الكثير من الوجوه والمعالم المهمة في مدن عدة من آسيا. يسلط ماكوري الضوء من خلال التصوير على العادات، فيلجأ إلى الأماكن الشعبية التي تظهر طقوس الناس وعاداتهم وتقاليد اللباس والطعام. ما يميز المعرض الذي يستمر حتى 10 من يناير المقبل، أنه أشبه بعملية بحث مكثفة داخل الأحياء عن مظاهر شديدة الصدق والواقعية من خلال عدسة باتت الحكواتي الذي يخبر بهموم الناس ومشكلاتهم وأوضاعهم. سيرة فوتوغرافية ولد المصور ستيف ماكوري في فيلاديلفيا، ترعرع في البلد ودرس التصوير السينمائي، لكنه اتجه للعمل في التصوير الصحافي. بعد عامين من العمل الصحافي في جريدة يومية، سافر ماكوري إلى الهند أكثر من مرة، فأخذ معه الكاميرا، ووثق رحلته، ليخط بذلك أول علاقته مع تصوير الأماكن والشعوب. بعد شهور قليلة سافر إلى باكستان، وهناك التقى مجموعة من اللاجئين، حيث كانت الحدود مغلقة، وتمكن وقتها من تصوير فيلم وثائقي. نال مجموعة من الجوائز المهمة في التصوير، منها الميدالية الذهبية لروبرت كابا، وجائزة «ناشونال برس» للتصوير، والفوز أربع مرات بالمركز الأول في الجائزة العالمية للتصوير الصحافي، وغيرها من الجوائز. من خلال الإطار الخاص بالأعمال تدخل إلى عالم روحي أكثر عمقاً، يمتد في سياقه الزمني عبر ثلاثة عقود، فعندما تقف أمام كل عمل تدرك أنك أمام لحظة سحبت من الحياة، ومن الزمن، لحظة محاطة بالهالة الثقافية لشعب بأكمله، وتشعر بأنك أمام التفاصيل الحياتية المتكاملة لهذا البلد. المشاهد التي يقدمها ماكوري ليست مثالية، بل على العكس، تحمل الكثير من التناقضات، وتجد أنك يمكن أن تصادفها في الشوارع خلال حياتك اليومية، إذ يلجأ المصور إلى تقديم ما يوثق حياة الناس بصدق. يركز ماكوري على الوجوه التي تحمل الكثير من الألم، فحتى الأطفال الذين يلتقطهم بعدسته تجد في ملامحهم الفتية التي لم تعرف النضج بعد ما يشي بالكثير من التعب، وكأن الفقر قد أهلكها، ومشقات الحياة قد تركت أثرها من خلال الوحل والغبار والعيون المتعبة. لا تحمل الوجوه الطفولية التي يعرضها المعرض الكثير من السعادة، وكذلك النساء والكبار، فهو يلتقط صورهم في الأسواق، وفي لحظات العمل الكادحة، وسعيهم وراء لقمة العيش، سواء في الأسواق الشعبية التي تبيع الأحذية أو الخردة أو حتى في أسواق الخضار والفاكهة الموجودة في سفن فوق النهر. وعلى الرغم من كل هذا الشقاء الذي تعرضه الصور، إلا أنك تشعر بأنك على معرفة بالوجوه التي يقدمها، فترى أنها محفورة في الذاكرة، وهي كفيلة بأن تدخلك في حالة من الحزن، وأحياناً على النقيض في حالة فرح، فهي تجرك من يدك ومن روحك إلى العالم الخاص بها، لهذا يمكن أن نطلق عليها مصطلح الأيقونة. في المقابل، لا يمكن إغفال الوجوه الحيوية التي صورها من مهرجانات كرنفالية، حيث النساء قد زُينت بالماكياج المشع بالحياة والبهجة. بدأ ماكوري رحلته في عالم التصوير من خلال رحلة خاصة قام بها إلى الهند، أخذ معه الكاميرا الخاصة به، وبدأ يوثق لهذا البلد خلال تجواله. هذا النمط من العمل التصويري صبغ أعماله إلى اليوم، فجميع ما نشاهده يأتي نتيجة استكشاف وتجوال ورحلات طويلة، فالمعرض يتنقل بين التيبت وفيتنام، وسريلانكا، وبحيرة دال، والصين، وإندونيسيا، وكمبوديا، والهند، وباكستان، وأفغانستان. نرى من خلال المعرض علاقة ماكوري في التعاطي مع الزمن ومرور الوقت، ففي الصورة التي التقطها في سريلانكا، يجسد هذا المفهوم عبر الفتاة التي تسير إلى صفها، بينما نجد في اليمين صور الأستاذ الذي يمسح اللوح، وفي اليسار نرى الطلاب الذين ينتظرون الأستاذ. هذه الصورة التي تتعاطى مع الوقت تقابلها الصور التي تعرض التناقض بين الوجوه والحالات الاجتماعية، لاسيما الفتاة التي التقطها في التيبت، والتي كانت ترتدي معطفاً قديماً لا يتناسب مع وجهها الجميل جداً. أعمال ماكوري، التي منها ما يعود إلى بداية التسعينات، تشبه حالة توثيقية، فالمصور الذي يجعل عمله ترجمة مخلصة لجولاته في البلدان، يسعى إلى توثيق أخبار الشعوب، فهو يلعب دور المؤرخ الشاهد على عصره. الأسواق الشعبية شكلت مصدراً مهماً لمجموعة من أعماله، فوجدناها في كشمير، وكذلك في كابول، حيث صور النساء في الأسواق يرتدين البرقع التقليدي في المحل الخاص ببيع الأحذية، أما في أفغانستان فقد ركز على المشاهد الطبيعية الآسرة، ومنها التي تعكس الجبال والطبيعة الخلابة، وكذلك التنقل على الجمال وسط الطرق الصحراوية.
مشاركة :