سلطت الأزمة الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا الضوء على سكان شبه جزيرة القرم، وخاصة تتار القرم الذين يرفضون انضمام الإقليم لروسيا، فمن هم تتار القرم المسلمون، وما تاريخ وجودهم في ذلك الإقليم؟ تقول الإحصائيات: إن تتار القرم ذوو الأغلبية المسلمة يمثلون نحو 12 في المئة من سكان شبه جزيرة القرم، ويبلغ عددهم نحو 243 ألف نسمة من عدد السكان البالغ مليوني نسمة في الإقليم، ويعد السكان من ذوي الأصول الروسية الذين تبلغ نسبتهم نحو 58% هم أكبر عرقية تسكن الإقليم، وهو ما يفسر نتيجة التصويت لصالح الانضمام لروسيا. بينما يمثل السكان من الأوكرانيين في الإقليم نحو 24%، وذلك وفقًا لآخر إحصاء سكاني أجرته أوكرانيا منذ عام 2001، وكانت جمهورية تتار القرم من أنشط الجمهوريات الإسلامية في الدفاع عن الإسلام ونشره والتعريف بهديه وتعاليمه السمحة، وبرز من بين تتار القرم علماء أثرَوا الحياة الفكرية والثقافية بمؤلفاتهم القيمة في مختلف المعارف والعلوم، ودوَّن هؤلاء العلماء مؤلفاتهم باللغة العربية وباللغة التتارية المدوَّنة بالحروف العربية، وقد تعرض التتار لمؤامرة شرسة أدت إلى احتلال الروس لأراضيهم، كما تعرض جميع سكان الجمهورية المسلمة إلى التهجير الجبري اللا إنساني إلى أكبر صحراء جليدية في العالم وهي صحراء سيبيريا، وبعد أن كانت جمهورية «تتار القرم» من أهم مناطق العمران البشري تحوَّلت إلى اطلال بعد أن أباد الروس كلَّ معالم التراث الإسلامي فيها وأراد ستالين إنشاء كيان يهودي في القرم عام 1928م، وثار عليه التتار بقيادة أئمة المساجد والمثقفين فأعدم 3500 منهم، وجميع أعضاء الحكومة المحلية بمن فيهم رئيس الجمهورية ولي إبراهيم، وقام عام 1929م بنفي أكثر من 40 ألف تتري إلى منطقة سفر دلوفسك في سيبيريا، كما أودت مجاعةٌ أصابت القرم عام 1931م بنحو 60 ألف شخص. التتار أصل القرم تبنى البرلمان الأوكراني الجديد مؤخرًا، والذي جاء بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، قرارًا يعتبر تتار القرم هم السكان الأصليون لشبه جزيرة القرم، على أن تعمل أوكرانيا بموجبه على تحريرهم وتنميتهم في المجالات العرقية والثقافية واللغوية بوصفهم مواطنين أوكرانيين. وبرز دور تتار القرم في الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها أوكرانيا ضد يانوكوفيتش، إذ كانوا يرفضون تقارب البلاد مع روسيا ويطالبون بتوقيع اتفاقيات شراكة واسعة مع الاتحاد الأوروبي. وكان تتار القرم يرون أن العيش في ظل أوكرانيا أو الاتحاد الأوروبي يفتح لهم آفاقًا أوسع في مجال الحقوق والحريات، ولم تغب عنهم ذكريات الماضي في ظل الحكم الروسي، وكانت شبه جزيرة القرم قد انضمت في عام 1954 إلى أوكرانيا بعد أن أهداها الزعيم السوفيتي الأوكراني الأصل نيكتا خروتشوف إلى موطنه الأصلي، لكن لم يكن لذلك القرار أثر واقعي إبان الحقبة السوفيتية، لكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، أصبحت القرم جزءًا من أوكرانيا المستقلة التي منحت الإقليم حكمًا ذاتيًا. تهجير قسري هاجرت الغالبية العظمى من سكان تتار القرم من الإقليم بعد أن تعرضوا لعمليات تهجير قسري في عهد الزعيم السوفييتي السابق جوزيف ستالين عام 1944، وذلك بعد أن اتهمهم بالتعاون مع الألمان خلال الحرب العالمية الثانية. ونزح الكثير منهم إلى عدد من دول آسيا الوسطى، بالإضافة إلى تركيا التي كونوا فيها واحدة من أكبر الجاليات خارج أراضيهم والتي تعد أحد أهم الداعمين لهم في الأزمة الأخيرة مع روسيا، وينظر تتار القرم لمستقبل وجودهم في ظل الحكم الروسي بشيء من القلق ولعل ذلك يفسر الزيارة التي قام بها تشوباروف رئيس مجلس شعب تتار القرم، أحد أبرز المؤسسات الثقافية ذات الطابع السياسي التي تمثل تتار القرم في الإقليم، إلى تركيا مؤخرًا، وكان تشوباروف قد أعلن رفض تتار القرم انضمام الإقليم إلى روسيا، وطالب الأمم المتحدة بإرسال قوات لحفظ السلام إلى الإقليم محذرًا من تهديدات قد تشهدها المنطقة بعد سيطرة القوات الروسية على شبه جزيرة القرم. المستقبل موقع متميّز كانت شبه جزيرة القرم تخضع للحكم العثماني حتى أواخر القرن الثامن عشر، وكانت تتمتع بأهمية كبيرة في المنطقة بسبب موقعها الجغرافي المتميز المطل على البحر الأسود، وبعد حروب طويلة بين العثمانيين والإمبراطورية الروسية، تمكنت الأخيرة من السيطرة عليها، وانتقل العديد من أبناء الإمبراطورية الروسية للعيش هناك. وفى ظل النظام السوفييتي تم تهجير أكثر من 400 ألف تتري مسلم عام 1944م في قاطرات نقل المواشي إلى أنحاء متفرقة من الاتحاد السوفييتي، خاصة سيبيريا وأوزبكستان. وأحرق الجنود الروس المصاحف والكتب الإسلامية، وأعدموا الأئمة والعلماء، وحوَّلوا المساجد إلى دور سينما ومخازن، ولم يتبق من عدد 1200 مسجد في شبه جزيرة القرم عام 1940م إلا سبعة مساجد فقط!!. *»سيمفروبل» المسجد الأبيض: وأهم مدن القرم هي العاصمة «سيمفروبل»، وكان اسمها فيما مضى «آق مسجد» أي المسجد الأبيض قبل أن يستولى عليها الروس، وكانت أول عواصمها الإسلامية مدينة «بخشراي»، ومن مدنها المهمة «يالطا» المدينة الساحلية السياحية الجميلة، والتي عُقد فيها مؤتمر يالطا بين قادة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية في فبراير عام 1945م ستالين وروزفلت وتشرشل، كما أن مدينة سيفستوبل هي الميناء الذي كان يأوي إليه أسطول الاتحاد السوفييتي الضخم، والذي أصبح محل نزاع بين روسيا وأوكرانيا. وكلمة القرم تعني «القلعة» باللغة التتارية، وتتمتع القرم بموقع استراتيجي هام، وفيها الكثير من الثروات الطبيعية، مثل: النفط، والفحم الحجري، والغاز الطبيعي، والنحاس، والحديد، والمنغنيز، والرصاص. والثروة الزراعية مثل: القمح، والفواكه، والمياه المعدنية ذات الخاصية العلاجية التي جعلت منها واحدة من أفضل المشافي في العالم. التتار المسلمون: وتاريخ المسلمين في القرم يعود إلى ما بعد غارات التتار على العالم الإسلامي، فبعد هجماتهم الشهيرة على بلاد المسلمين، والتي نتج عنها تدمير عاصمة الخلافة الإسلامية آنذاك مدينة بغداد؛ شرح الله صدور التتار للإسلام، فأشهرت إحدى قبائل التتار إسلامها عام 740هـ، وكانت تلك القبيلة تعرف بالقبيلة الذهبية التي أسسها «باطوخان» أحد أشهر أحفاد جنكيز خان، وانتشر الإسلام بواسطة هذه القبيلة على طول نهر الفولجا الذي أصبح نهرًا إسلاميًا من منبعه إلى مصبِّه، كما انتشر الإسلام بواسطة التتار في منطقة جبال الأورال، ونشأت إمارة القبشاق إحدى ممالك المغول الكبرى، والتي سيطرت على أجزاء واسعة من روسيا وسيبيريا، واتخذت من مدينة سراي في الفولغا عاصمة لها. وأصبحت شبه جزيرة القرم التي استوطنتها القبائل التتارية كلها إسلامية، وظهر في هذه المنطقة الكثير من المدن والحواضر الإسلامية، وأصبحت أغلب المناطق التي عرفت فيما بعد بالاتحاد السوفييتي خاضعة لحكم التتار المسلمين، واستمر حكمهم لهذه المناطق زهاء ثلاثة قرون، وكانت خلالها موسكو إمارة صغيرة تخضع لحكم أمير قازان المسلم. وكان أمير موسكو لا يعيَّن إلا بعد استشارة أمير قازان المسلم، وظلت إمارة موسكو تدفع الجزية للإمارات التترية المسلمة حتى عام 918هـ. وتولى الحكم في إمارة القرم الحاج دولت خيري أو كيراي في عام 1428م، وعندما توفِّى خلفه ابنه الثاني في الحكم بمساعدة البولنديين، إلا أن الأخ السادس منجلي قتل أخاه واستولى على حكم الإمارة بمساعدة الجنيزوف، حيث حكم في الفترة 1466/1515م وخضعت الإمارة لحكم العثمانيين في عام 1521م. القضاء على الإمارات الإسلامية: وفي سنة 1552م الموافق 960هـ استطاع قيصر روسيا «إيفان الرهيب» أن يقضي على الإمارات الإسلامية، وأن يسيطر على جزيرة القرم المسلمة، بعد أن أدَّت الخلافات بين الأمراء المسلمين إلى إضعافهم وتمكين عدوِّهم منهم. وتحولت الإمارة الكبرى إلى ثلاث إدارات هي: استراخان، وقازان، والقرم. وقام بطرس الأول عام 1678م بمحاصرة القرم التي أُسقطت في عهد الإمبراطورة «انا أوانوفنا» عام 1736م، واحتلَّت الجيوش الروسية عاصمة القرم بخشراي، وأحرقت الوثائق التي كانت تعدُّ ذخيرة علمية لا تقدر بثمن، وكانت رمزًا تاريخيًا للشعب التتري. مذابح ضد المسلمين بعد أن سيطر الروس على شبه جزيرة القرم قاموا بقتل 350 ألف مسلم تتاري، كما قاموا بنفي نحو 500 ألف مسلم بعيدًا عن بلادهم وإحلال الروس مكانهم، ومع زيادة عمليات التهجير الإجباري أصبح مسلمو القرم أقلية في بلادهم مقابل أكثرية روسية تفوقهم في العدد والثروة، ولقد مارست الجيوش الروسية المذابح ضد السكان الآمنين إلى درجة أن الجثث لم تجد من يدفنها، وانتشرت الأوبئة التي أودت بحياة القتلة الروس أنفسهم، إلا أن أبشع المذابح وقعت عام 1771م، عندما طبقت الجيوش الروسية المعتدية شعار: (من غير انتظار ولا عودة يجب محو التتار من هذه الأرض)، وقتل في تلك المذابح أكثر من 350 ألف تتري. ومارست روسيا القيصرية شتى ألوان القهر والتعذيب ضد شعب التتار، وصادرت أراضيهم ومنحتها لمواطنيها، وصادرت مساجدهم ومدارسهم، واضطُرَّ زهاء مليون وعشرين ألفًا منهم أن يفرُّوا إلى تركيا، وقامت روسيا بتهجير الباقي إلى داخل المناطق الخاضعة لها، وذلك تطبيقًا لاقتراح الأمير الروسي منشكوف، وعندما فشل الروس في زراعة أراضي القرم التي صادروها من أهلها التتار، وذلك لعدم خبرتهم بها أجَّروها مرةً أخرى لهم لكي يزرعوها لهم. * الثورة البلشفية تعد وتخلف وعندما قامت الثورة البلشفية أذاع الشيوعيون بيانات كثيرة أكدوا فيها أنهم سيعاملون المسلمين في روسيا معاملة الشركاء في الثورة إن هم ساعدوهم في ثورتهم ضد القياصرة الروس، بل وعدوا بتقرير حق المصير للجمهوريات الإسلامية، بمعنى منح الاستقلال عن روسيا لمن يرغب في ذلك، لكن الشيوعيين ما أن تمكنوا من تحقيق مأربهم حتى كشفوا القناع المزيَّف عن وجوههم وأفصحوا عن نيَّاتهم الخبيثة ضد المسلمين في روسيا عمومًا ومسلمي القرم خصوصًا، حيث قاموا بمهاجمة جمهورية القرم التي أعلنت استقلالها واعترفت بها بعض الدول وتبادلت معها السفراء، وكان ذلك بناء على الوعود التي منحها البلاشفة لهم خلال الثورة بهدف استمالتهم إلى جانبهم في صراعهم مع القياصرة، واستطاع الروس البلاشفة بسط سيطرتهم على جمهورية القرم المسلمة بالقوة بعد هجمات متتالية في أعوام 1918 و1919 و1920م، وتعاملوا مع مسلمي القرم بمنتهى القسوة، حيث نصبوا لهم المذابح وشرَّدوهم من ديارهم. ففي عام 1920م وبعد الثورة الشيوعية في موسكو أعلن تتار القرم عن قيام جمهوريتهم المستقلة برئاسة «نعمان حيجي خان»، إلا أن الشيوعيين سرعان ما أسقطوا الحكومة، وأعدموا رئيس الجمهورية وألقوا بجثته في البحر. * تناقص عدد المسلمين هبط عدد التتار من تسعة ملايين نسمة تقريبًا عام 1883م إلى نحو 850 ألف نسمة عام 1941م، وذلك بسبب سياسات التهجير والقتل والطرد التي اتبعتها الحكومات الروسية سواءً في عهود القياصرة أو خلفائهم البلاشفة، وتكفَّل ستالين بتجنيد زهاء 60 ألف تتري في ذلك العام لمحاربة النازيين، في حين هجَّر النازيون عند استيلائهم على القرم زهاء 85 ألف تتري إلى معسكرات حول برلين، وذلك للاستفادة منهم في أعمال السُّخرة. واتهم ستالين التتار المسلمين بالتعاون مع النازيين الألمان في الحرب العالمية الثانية، فقام في مايو 1944م بتهجير أكثر من 400 ألف تتري في قاطرات نقل المواشي إلى أنحاء متفرِّقة من الاتحاد السوفييتي خاصة سيبيريا وأوزبكستان، وقد قضى نحو 14 ألفًا منهم نحبهم في القُطُر التي استُخدمت لتهجيرهم، كما توفِّي عام 1948 زهاء 45 ألفًا في المخيمات التي وُطِّنوا فيها بسبب المرض والجوع. وقام الجنود الروس بحرق ما وجدوه من مصاحف وكتب إسلامية، وأعدموا أئمة المساجد، وحوَّلوا المساجد إلى دور سينما ومخازن، كما أن مؤلَّفات المسلمين في ما قبل الشيوعية طُمست تقريبًا، وما نجا منها صار نادر الوجود جدًا، إلا أن إرادة المبدعين التتار استمرَّت فيما بعد القيصر، وفي أوائل عهد لينين استطاع التتار أن يُنتجوا أدباء ومفكرين جددًا، ولحسن الحظِّ فإن الشيوعية لم تقمعهم في بادئ الأمر فعادت الصِّحافة وعاد الأدباء وإن كان ذلك لمدة وجيزة. ومن أدباء ما بعد القيصر: شهاب الدين مرجاني وهو صاحب اجتهادات كثيرة في الفقه الإسلامي والحضارة والمدنية وعلم الاجتماع، وهو الرائد في إعطاء المرأة حقَّها ومشاركتها في السياسة التي أخذت أولى اهتمامه، وهو أحد المناضلين من أجل دينه وحضارته وأدبه، ومؤلَّفاته التي تدعو إلى الحرية والانفتاح كلُّها مترجمة إلى اللغات الفرنسية والألمانية وغيرها. * إلغاء جمهورية القرم وأصدر مجلس السوفييت الأعلى قرارًا في 20 يونيو 1946م بإلغاء جمهورية القرم ذات الاستقلال الذاتي وإلحاقها بأوكرانيا، وذلك كما ورد في القرار لخيانة شعب القرم لدولة اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، وفي عام 1967م ألغى مجلس السوفييت الأعلى قراره السابق باتهام شعب القرم بالخيانة، ولكنه لم يسمح لهم بالعودة إلى وطنهم. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وإعلان غورباتشوف آخر زعيم للاتحاد السوفييتي برنامجه الإصلاحي عام 1985م تحت شعار إعادة البناء بريسترويكا»، بدأ المسلمون التتار رحلة العودة إلى بلادهم في شبه جزيرة القرم التي أصبحت جزءًا من أوكرانيا ولكن بلا أي حقوق، ويقدَّر عدد الذين عادوا منهم بزهاء ثلاث مئة ألف شخص يعيشون في ديارهم عيشة بائسة وسط ظروف مأساوية بالغة الصعوبة، حيث يخيِّم عليهم شبح المجاعة، ومات عشرات الألوف بسبب الجوع، وإضافة إلى الجوع والتشرُّد وعدم وجود مأوى لهولاء العائدين، فهم يعانون من إهمال الحكومة الأوكرانيَّة لهم وعدم منح الجنسية الأوكرانية لأي عائد ليس له منزل، ومن يبني منزلًا دون ترخيص حكومي - الذي يعد الحصول عليه من المستحيلات- يُهدم منزله ويُترك هو بلا مأوى، وهذا قد انعكس على أوضاعهم الصحية والاجتماعية، حيث تفشَّت بينهم الأمراض وخاصة الأطفال، حيث أصيب 80% من أطفال القرم بأمراض فتَّاكة جرَّاء نقص المستشفيات والأدوية، وليس في القرم كلِّها سوى مستوصف واحد، كما يعاني مسلمو القرم من جهل شديد بالدين الإسلامي لدرجة أن غالبيتهم لا يعرفون نطق الشهادتين، وعندما يرغب أحدهم في أداء الصلاة فإنه يخرج ورقة من جيبه وينظر فيها كي يعرفَ ترتيب الحركات في الصلاة، وقد تقلَّص عدد المساجد في جزيرة القرم، حيث كان عددها سنة 1940م 1200 مسجد، ليصل بعد حرب الإبادة والتشريد التي شنَّها الشيوعيون على أهالي القرم إلى سبعة مساجد فقط تعاني التصدُّع والإهمال، كما ليس ثَمَّ إلا مدرسة دينية واحدة فيها عدد من المدرِّسين الأتراك الذين يعلِّمون القرآن الكريم. مجلس أعلى لتتار القرم وعندما نالت أوكرانيا استقلالها عن الاتحاد السوفييتي عام 1991م عقد التتار مؤتمرهم الأول في 26 حزيران (يونيو) 1991م في مدينة سيمفروبل، حيث أُسِّس المجلس الأعلى لتتار القرم ممثِّلًا للشعب التتري المسلم، وانتُخب المناضل التتاري - الذي كان قد حُكم عليه بالسجن مدَّة 15 عامًا- «مصطفى جميل» رئيسًا للمجلس. وبدأ مصطفى جميل نضاله من أجل الحصول على حقوق شعبه تحت شعار «لقد عادت إلينا شخصيَّتنا الإسلامية التي لا يمكن أن نفرِّط فيها»، إننا مسلمون وسنبقى مسلمين، وسنعمل جاهدين على تعلُّم ديننا. وفي شهر أيار (مايو) سنة 1999م تظاهر أكثر من 200 ألف مسلم في شوارع العاصمة الأوكرانية (كييف)، مطالبين الحكومة الأوكرانية بتعويضات عما قامت به من قتل وهدم وتشريد للمسلمين أيام العهد الشيوعي، وضرورة إصلاح أوضاعهم المعيشية والاقتصادية وتوسيع دائرة عضويَّتهم في البرلمان، واستقبل الرئيس الأوكراني عقب المظاهرة زعماء المسلمين واستمع إلى مطالبهم ووعدهم بإجراء بعض الإصلاحات وتحسين أوضاع المسلمين المعيشية مع العمل على توسيع عضويتهم في البرلمان. وينظر تتار القرم لمستقبل وجودهم في ظل الحكم الروسي بشيء من القلق، إذ يرون أن العيش في ظل حكم شيوعي ربما يشهد تضييقًا في مجال الحريات وممارسة الشعائر الدينية. كما يعبر قادة تتار القرم عن مخاوفهم من انتقام روسيا منهم بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس الأوكراني السابق الموالي لروسيا يانوكوفيتش. ورغم الزيارة التي قام بها بعض قادتهم إلى روسيا مؤخرًا ورسائل الطمأنة التي تردهم من موسكو من وقت لآخر، لا يزال تتار القرم ينتظرون ماذا يحمل لهم المستقبل في ظل العيش تحت النظام الروسي. المزيد من الصور :
مشاركة :