هذا أول مقالٍ لي في صحيفة كل الوطن الإلكترونية بدعوةٍ مُقدَّرةٍ من سعادة رئيسة التحرير الأستاذة هداية درويش سلمان فلها مني كل الشكر والاحترام. في مقالي الأول سأتحدث عن الجرح العربي النازف في اليمن، والقراءة الراهنة للحال والمآل! يبدو المشهد اليمني أكثر تعقيداً، وقتامةً، باستمرار اشتعال جبهات القتال، ودعوات انفصال جنوب اليمن عن شماله، ناهيك عن الأوضاع الإنسانية المُزرية في الكثير من المدن والقرى اليمنية! وحتى الآن لا توجد مؤشرات إيجابية، لإنهاء أكبر وأخطر أزمة تواجه اليمن في التاريخ المعاصر! منذ أول مفاوضاتٍ بين طرفي الصراع في جنيف برعاية أممية منتصف عام 2015 مروراً بمشاورات بييل السويسرية وانتهاءً بمفاوضات الكويت خلال العام نفسه التي امتدت لنحو أربعة أشهر، وانتهت بالفشل ، تُخيِّم على ساحة الصراع اليمني أوضاع سياسية وعسكرية صعبة، ومُقلقة في الوقت نفسه! فالحكومة الشرعية لديها إشكالاتٌ إدارية وخدمية وأمنيةُ ومالية خطيرة، في المناطق والمُديريات الجنوبية! يصاحب ذلك دعوات انفصالية، تضغط باتجاه عودة التشطير، والدولة الجنوبية السابقة. أكثر من ذلك تتجه الأعمال العسكرية، نحو الجمود، ومَنْحى الكرِّ والفرِّ ! إذن فالقراءة الواقعية للأزمة اليمنية تشي بضرورة نقلها من مرحلة التمترس خلف مواقف متشددة، لطرفي الصراع، ومواقف أُحادية الجانب، إلى مرحلة التنازلات المتبادلة، المُمهِّدة للتسوية السياسية، عبر التعاطي بمرونة أكبر مع القرار الأممي 2216 ! هذه التنازلات المُفترضة، ربما تكون مؤلمة لهذا الطرف أو ذاك، لكن من المؤكد أنَّها ستحقن دماء اليمنيين! دون ذلك، سوف يستمر الصراع، وبوتيرةٍ أكثر عنفاً، ويفاقم من المشكلات الإنسانية، التي يدفع ثمنها الأبرياء والأطفال، والنساء، ويُدمر ما تبقى من البُنى التحتية، مُفضياً إلى دولة يمنية فاشلة بامتياز! حسب تقارير منظمة الأمم المتحدة فإنَّ نحو 80% من سكان اليمن، البالغ عددهم 26 مليون باتوا بحاجةٍ إلى مساعدات إنسانية، كما أنَّ نحو مليون طفل يمني يعانون من سوء التغذية. في حين أسفر الصراع حتى الآن، وبأرقامٍ متحفظةٍ جداً عن مقتل أكثر من 10 آلاف وجرح 40 ألفاً ونيف! ناهيك عن تهجير ونزوح نحو ثلاثة ملايين في داخل اليمن، ولجوء أكثر من 170 ألفاً إلى خارجه! خارطة الطريق، بصيغتها المُحدّثة، التي تبنتها الرباعية الدولية، وطرحها المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ على طرفي الصراع، هي في تقديري خارطة متوازنة وتُشكّل قاعدةً لبناء توافق سياسي يمني يُفضي إلى تشكيل حكومة توافقيه تعمل على تنفيذ استحقاقات التسوية السياسية، بما فيها الانسحابات وتسليم المؤسسات والسلاح للدولة، وإعادة إحياء النشاط السياسي والدستوري وفق مخرجات الحوار الوطني الذي جرى في صنعاء 2014م واتفقت عليه كل الأحزاب والنُّخب السياسية اليمنية. وكل ذلك يُفترض أن يتم، بغطاءٍ أممي ودولي وإقليمي، للمحافظة على زخم العملية السياسية، ومراقبة تفاصيلها، ومُجرياتها، وحتى معاقبة الخارجين، عن أُطرها، وقواعدها، المُنبثقة، عن القرارات الأممية، ذات الصِّلة! على اليمنيين معالجة أزمات بلدهم بجهودهم ومبادراتهم، وتنازلاتهم، وعدم التعويل على المجتمع الدولي الذي ثبُت للجميع خذلانه لكل القضايا العربية وفي مقدمتها قضايا فلسطين وسورية، والعراق! وعدم التعويل تحديداً على الولايات المتحدة الأمريكية ، فهي لا تريد أساساً حسم أي ملفٍ في المنطقة، بل تتغذى مصالحها على إدارة الأزمات واستنزاف الموارد! وتحويل دول المنطقة إلى كياناتٍ هشة سياسيا واقتصادياً واجتماعياً يسهُل الهيمنة والسيطرة عليها. على اليمنيين أن يدركوا أنَّ استمرار الصراع سوف يزيد من احتمالات توسع الأنشطة الإرهابية في اليمن، والأخطر من ذلك سوف يدفع بإيران للتدخل أكثر، وهي تُخطط بالفعل لبناء قواعد عسكرية بحرية لها في اليمن وسورية. وأخيراً على اليمنيين أن يدركوا أنَّ مشروع الحوثيين في استعادة الفكرة الإمامية على نهج ولاية الفقيه ترفضه جُلّ المكونات السياسية اليمنية ، ولكن من المؤسف أنَّ المناكفات السياسية والمصالح الضيقة بين الأحزاب والقوى السياسية والقبائل اليمنية قد خدمت هذا المشروع بشكلٍ غير متوقعٍ حتى من الحوثيين أنفسهم! لذا، فإنَّ من شأن التسوية السياسية الشاملة في اليمن والمصالحة الوطنية بين كافة مكوناته، أن تُضعف إلى حدٍ كبير من زخم المشروع الحوثي في اليمن. كلمةٌ أخيرة: آن الأوان لطي صفحة سوداء مؤلمة في تاريخ اليمن الحديث، وتبني خطاب عقلاني، والتَّخلي عن أيديولوجيات أسهمت في تمزيق وحدة واستقرار اليمن! والعمل على إعادة بناء وإعمار دولة اليمن الاتحادية، بدستور جديدٍ يكفل لجميع المكونات اليمنية حقوقها في الحرية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة! د عبد المجيد الجلاَّل
مشاركة :