خلال الأيام القليلة الماضية تحدث مسؤولون إيرانيون ، وفي مقدمتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني ، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف ، عن وجود وساطات تقوم بها العديد من الدول ، ذُكر منها تحديداً الكويت والعراق وسلطنة عمان ، وحتى لبنان ، لجهة إحداث اختراقٍ إيجابي في العلاقة السعودية الإيرانية ، وأبدى في هذا السياق الرئيس روحاني والسيد جواد ظريف رغبة إيران بالعمل مع السعودية لإنهاء الصراعات في المنطقة ، وفي سورية ، واليمن خاصَّة! لكن من المؤسف أنَّ هذه الرغبة الإيرانية مشروطة ، بتغيير سياسات المملكة في المنطقة ، وتحديداً إنهاء التَّدخل في اليمن ، وفي الشأن البحريني. وكأنَّ ساسة إيران يرون الفوضى والصراع في المنطقة من هذا المنظار الضيق الأفق والمُخادع! ويتجاهلون الدور الإيراني الخشن خالق هذه الفوضى ، وعرَّابها. والساعي بقوة ، وبطشٍ ، وبَنَفَسٍ طائفيٍ بغيض ومقيت، إلى توسيع المد الشيعي لولاية الفقيه، بأدواته الإجرامية الماثلة في القتل والتهجير والتغيير الديموغرافي ، مستهدفاً بالأساس المُكون السني في لبنان وسورية والعراق واليمن! في تقديري مثل هذه الرسائل الإيرانية يتم تمريرها ، في سياق بروباغندا إعلامية مُخادعة لا تعكس رغبة جادة لجهة بناء علاقة سليمة تخدم استقرار المنطقة، وتُهيئ سبل تعزيز المصالح المشتركة ، وقِيم حسن الجوار. على كل حالٍ على إيران أن تُدرك أنَّ مشروعها للهيمنة والتوسع في المنطقة ، وإنْ تقاطعت معه مصالح دولية، وإقليمية ، في مرحلة زمنيةٍ بعينها ، فإنَّه تقاطع ظرفي، لا يتصف بالديمومة ، ولا يمكن وصفه بالتقاطع الاستراتيجي. روسيا ، على سبيل المثال ، لديها ، أجندتها الخاصة في سورية ، وهي تختلف تماماً عن أجندة إيران. وقد ظهرت إرهاصات تباين هذه الأجندة بشكلٍ واضحٍ بعد سقوط حلب الشرقية! باتخاذ روسيا مواقف محددة ، بمنأى عن الشريك الإيراني، باستبعاد الحسم العسكري أولاً ، والعمل على إنجاز مقاربة سياسية لتحقيق تسوية شاملة متوازنة في سورية ، تشمل النظام والمعارضة ثانياً! ومن أجل ذلك اقتربت روسيا أكثر من تركيا ، فأثمر ذلك التَّقارب المُدهش عن رعاية الدولتين لوقف شاملٍ لإطلاق النار، في سورية ، واطلاق مفاوضات أستانة في العاصمة الكازاخية في الثالث والعشرين من الشهر الجاري. أكثر من ذلك روسيا ، ترى أنَّها من أنقذ النظام من السقوط تحت نيران المعارضة، وهي من يتحكم في إجراءات المسار التفاوضي القادم ، ومن ذلك توجيه الدعوات إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وإلى كل فصائل المعارضة السورية للمشاركة بمفاوضات أستانة باستثناء تنظيم الدولة وجبهة فتح الشام, وكل ذلك يشي برسالةٍ روسية حاسمة للشريك الإيراني بأنَّ الملف السوري تحت العهدة والإرادة الروسية ! وليست الأجندة الروسية وحدها التي تتباين مع الأجندة الإيرانية، فإدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب المُعادية لإيران ستكون في الغالب ، والمتوقع ، حجر عثرة أمام طموحات إيران التوسعية التي تغذت على الانكفاء الأمريكي في ولايتي: أوباما الرئاسية ، إذ سوف تلجأ لممارسة كل الضغوط الممكنة على إيران ، ومن ذلك فرض المزيد من العقوبات ، وبصيغٍ أكثر تأثيراً على الاقتصاد الإيراني المُنهك أصلاً، لوقف العبث الإيراني في المنطقة ، من منطلقات المصالح الأمريكية أولاً وأخيراً ! من دون شكٍ ، هذه المتغيرات ، والتقارب الروسي التركي خاصَّة أثار الامتعاض والقلق الإيراني، فسورية بالمنظور القومي هي قاعدة النفوذ الإيراني الاستراتيجي في المنطقة ، ومركز مشروعها الطائفي والديموغرافي التوسعي ، وهو ما تتمسك به وتُصر عليه، وبأي ثمن، فقد استثمرت فيه موارد الشعوب الإيرانية ، وتحمَّلت من أجله خسائر بشرية كبيرة! وهي في ذلك أشبه بمن يسبح ضد تيارٍ جارف ، لا يقوى على صدّه، فالاقتصاد الإيراني مُحاصر بالعقوبات، وبأسعار النفط المُنخفضة. ناهيك عن اتساع معاناة الشعوب الإيرانية غير الفارسية المُهمَّشة والمسحوقة ، وهي بالمناسبة قنابل موقوتة قد تنفجر في أيَّة لحظة زمنية ، ويتطاير شررها في كل الداخل الإيراني ! على كل حالٍ ، وبعد أكثر من عامٍ على قطع العلاقات ، والحرب الباردة بين ضفتي الخليج ، يبدو أنَّ إثارة مسألة التَّقارب أو المصالحة بين السعودية وإيران ، لا تستند إلى أرضية صُلبة ، فالخلاف بينهما استراتيجي، وليس بالظرفي ، وشروط إذابة جليد هذا الخلاف غير متوفرة ، حتى الآن ! فإيران لا تزال مُصرةً كما أسلفت بالقول، على الاستمرار في مشروعها العقائدي، الطائفي ، والتوسعي ، الذي يُهدد ليس فقط الأمن الخليجي ، بل الأمن القومي العربي ، وجهود الوساطات إن كانت صحيحة ، أو جادَّة فإنَّها في ظل السياسات الإيرانية الراهنة ، ستكون كمن يحرثُ في البحر بلا فائدة ولا نتيجة. د. عبدالمجيد الجلاَّل كل الوطن
مشاركة :