بكين تزيح واشنطن عن صدارة الإنفاق على «البحث العلمي»

  • 3/30/2014
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو أن الصين تسير بخطى ثابتة للإطاحة بالولايات المتحدة من قمة هرم الإنفاق على البحث العلمي خلال أقل من عقد، في وقت تتعاظم فيه قدرة مدينة شنزن القريبة من هونج كونج كمنافس قوي لوادي السيليكون الأمريكي. فقد أظهرت إحصائيات جديدة أن الصين حققت قفزات هائلة في مجال الإنفاق على الأبحاث والتطوير (أحد المعايير الدولية للمقارنة بين الدول من حيث التقدم) إذ زادت بنحو 20 في المائة خلال الأعوام الماضية. وتنفق الصين حاليا 300 مليار دولار سنويا على الأبحاث والتطوير مقارنة بـ 450 مليار دولار لأمريكا، ومن المتوقع أن يتجاوز إنفاق الصين في هذا المجال أوروبا بحلول عام 2018 وأمريكا بحلول عام 2022. وفي ختام تداولات البورصة الصينية يوم أمس الأول، انخفض مؤشر شنغهاي بنحو 0.2 في المائة ليغلق عند حدود 2041.7 نقطة، التراجع وإن عكس مخاوف المستثمرين من تباطؤ الأداء الاقتصادي، فإن مبرره تمثل في أن المكاسب التي تحققت جراء تحسن النشاط الاقتصادي للشركات الكبرى، لم تنعكس إيجابا على البورصة، والسبب يكمن في حرص المستثمرين في شركات التكنولوجيا الصينية على القيام بعمليات بيع ملحوظة لأسهم تلك الشركات لجني الأرباح، يدفعهم في ذلك قناعتهم بأن الأداء الممتاز لشركات التكنولوجيا الصينية في الآونة الأخيرة يقترب من نهايته. إلا أن موقف المستثمرين الصينيين لا يتناقض مع القدرات العملاقة لشركات التكنولوجيا الصينية التي لا تلعب دورا مهما ومؤثرا فقط في البورصات الصينية، وإنما أضحت الىن عاملا أساسيا لدفع نمو الاقتصاد الوطني، بل إن قوتها دفعتها لاحتلال مكانة مرموقة بين كبرى شركات التكنولوجيا العالمية. فثلاثة من كبرى شركات التكنولوجيا في العالم صينية هواوي ولينوفا وZTE وتفوقها لا يقف فقط عند حجم المبيعات، وإنما أيضا قدرتها على الابتكار، فوفقا لإيداعات براءات الاختراع الدولية فإن شركة ZTE تعد الأولى دوليا في هذا المجال. فعلى مدار الأعوام الثلاثة الماضية تقدمت بنحو 50 ألف براءة اختراع . وتتخذ هذه الشركات جميعا من مدينة شنزن القريبة من هونج كونج مقرا لها. وهو ما يدفع البعض إلى التساؤل هل ستكون شنزن بديلا أو منافسا قويا لوادي السيليكون الأمريكي؟ وقال لـ"الاقتصادية " الدكتور وليم كلاويز أستاذ اقتصادات شرق آسيا في جامعة يورك:" يصعب القول الآن ما إذا كانت شنزن يمكن أن تكون بديلا عالميا لوادي السيليكون الأمريكي، ولكن المؤكد أنها تمثل تحديا جادا له". ويضيف "المدينة تضم قرابة 6000 مصنعا لإنتاج الهواتف المحمولة، وأغلب الإنتاج الصيني من الهواتف الجوالة يأتي من هناك، والعام الماضي بلغ إنتاج الصين من تلك الهواتف 2.5 مليار هاتف محمول، وهذا العدد يمثل تقريبا نصف الاستهلاك العالمي، وهذا يعني أن المدينة تمتلك أساسا وأرضية تكنولوجية تمكنها من أن تكون لاعبا رئيسيا في مجال التكنولوجيا، ليس فقط في مجال التصنيع ولكن الأهم الابتكار". وعلى الرغم من ذلك فإن الأمر لا يعدم وجود بعض الأكاديميين الذين يبدون ملاحظات لا تصب كثيرا في صالح القدرات التكنولوجيا لبكين. وتعلق الدكتورة هيزر برايت أستاذه مادة البحث العلمي في جامعة كامبريدج أحد هؤلاء الأشخاص، على تنامي الإنفاق الصيني على البحث العلمي بالقول: "الأمر لا يتوقف فقط على قيمة الميزانيات المحددة للأبحاث والتطوير، بل الاهم هو العائد المحقق من تلك الميزانيات عبر التوصل إلى اكتشافات علمية أو تكنولوجية جديدة، ولا يوجد حتى الآن مقياس دولي لذلك، وإلى أن يتم الاتفاق على مقياس بهذا الشأن، فإنه لن يكون أمامنا ألا الانطباعات العامة" وتضيف "حتى الآن معظم الاكتشافات الرئيسية في مجال التكنولوجيا تأتي من البلدان الغربية، وأنا هنا أضيف اليابان إليها أيضا، كما لا توجد حتى الآن شركة صينية يمكن القول إنها ذات طبيعة كونية مثل أبل أو سوني أو سامسونج، بالطبع الشركات الصينية شركات عملاقة، ولكن طالما بقيت عليها قيود في أكبر سوق عالمية، وأعني الولايات المتحدة، فإن التكنولوجيا الصينية ستظل عملاقة وحسب دون أن تكون رائدة". ومن المعروف أنه تحت دعوى حماية الأمن القومي فإن واشنطن تحظر تقريبا أن تنال شركات التكنولوجيا الصينية تعاقدات في مجال المشتريات الحكومية. ألا أن ضخامة السوق الصينية المحلية مكنتها نسبيا من التغلب على العقبات الأمريكية، إذ أعلن وزير العلوم والتكنولوجيا الصيني أن قيمة العقود التكنولوجية التي وقعت في الأسواق الداخلية بلغت قرابة 100 مليار دولار في حين تصدرت قيمة الإنتاج الكلي من الصناعات التكنولوجية ترليون و600 مليار دولار. الأرقام الفلكية لقدرة الصناعات التكنولوجية الصينية تعززها أرقام مؤكدة أن بكين امتلكت عام 2012 أكبر جيش من الباحثين في العالم إذ بلغ تعداده 3.2 مليون باحث. وكانت دراسة بشأن إنفاق أكبر ألف شركة في العالم على مجالي الأبحاث والتطوير قد قدرت حجم الإنفاق الكلي لتلك الشركات بنحو 638 مليار دولار عام 2013، بزيادة تقدر بـ 5.8 في المائة عن العام السابق. وقد بلغت نسبة إنفاق الشركات الصينية قرابة 3.2 في المائة مقارنة بنظيرتها الأمريكية التي بلغت 39 في المائة من إجمالي المنفق دوليا، إلا أن الصين حققت زيادة في إنفاقها على الأبحاث والتطوير قدرت بما يقارب 36 في المائة، بينما لم تزد تلك النسبة عن 8.6 في المائة في أمريكا الشمالية. ويعلق لـ "لاقتصادية" الباحث الاقتصادي والمتخصص في الشأن الصيني ألكسندر بروك قائلا "لا شك أن المراكز الرئيسية للتطور التكنولوجي على المستوى العالمي تتركز في البلدان الغربية وتحديدا أمريكا واليابان وألمانيا، ولكن بالنسبة للصين نلاحظ التالي أولا أعداد الشركات التكنولوجية ضمن قائمة أكبر ألف شركة تكنولوجيا في العالم ارتفعت من 50 إلى 75، ثانيا شركة ZTE وهي خامس أكبر شركة معدات اتصالات في العالم وصناعة الهواتف المحمولة احتلت المرتبة رقم 100 وخصصت نحو 1.399 مليار دولار للأبحاث والتطوير، ثالثا معظم الشركات الكبرى في الصين تخصص قرابة 2 في المائة أو حتى أقل من 1 في المائة من إجمالي مبيعاتها على الأبحاث والتطوير، وهذا أقل من نظرائها في أمريكا، ولكن الفجوة بين الطرفين في تراجع " ويضيف "السبب الرئيسي في تراجع الفجوة هو الأيدي العاملة الماهرة والرخيصة، وجيش ضخم من الباحثين الصينيين في المجال التكنولوجي. فهذان العاملان أصبحا قوة جذب لكافة مراكز الأبحاث والتطوير في العالم للانتقال إلى الصين وتحديدا مدينة شنزن". بيد أن عددا آخر من الاقتصادين يعتقدون أن بكين تمتلك ميزة نسبية على الولايات المتحدة - على الأمد الطويل - تؤهلها لأن تحتل المركز العالمي الأول في مجال البحث والتطوير. ويتمثل هذ العامل في دعم الحكومة المركزية في بكين للأبحاث والتطوير بدرجة أكبر مما تقوم به الأداة الأمريكية. ويشرح لـ" الاقتصادية "الدكتور جون بلوم المختص في تحليل السياسات العلمية الأمر بالقول "يمكن تقسيم الأبحاث التكنولوجية إلى نوعين رئيسيين. النوع الأول تقوم به الشركات، خاصة الشركات العملاقة مثل أبل وسامسونج، ولكنها في نهاية المطاف شركات ترمي إلى الربح، ولذلك لهذه الأبحاث مدى زمني محدد يستمر عددا محدودا من السنوات والهدف منه تجاري بالأساس. النوع الآخر من الأبحاث التكنولوجية يعتمد بالضرورة على الإنفاق الحكومي لضخامة تكاليفه وطبيعته النظرية، ولأنه في حاجة إلى أن يستمر عقودا لتحقيق النتيجة المرجوة، ولكنه غالبا يؤدي الى اختراقات علمية ضخمة يكون لها تأثير في الصناعة والتوظيف". وتابع " أوباما دعا إلى استثمار 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا على الأبحاث والتطوير، وهذا يتضمن الاستثمارات الحكومية والخاصة، أما بالنسبة للصين فإن هذه النسبة بلغت 1.98 في المائة عام 2012 ،وعلى الرغم من هذا فإن المجلس الرئاسي للمستشارين العلميين والتكنولوجيين للرئيس الأمريكي أقروا أن الاستثمار الصيني في مجال الأبحاث والتطوير التكنولوجية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي يشهد نموا متواصلا ومتعمدا وسيتجاوز الإنفاق الأمريكي خلال عقد واحد". وأيا كان الوضع فيما يتعلق بمستويات الإنفاق الراهن على الأبحاث والتطوير بين أمريكا وأوروبا واليابان والصين، فإن المؤكد حاليا أن القيادة الصينية اتخذت قرارها بزيادة إنفاقها في هذا المجال الحيوي، ليس لأسباب ترفيهية وإنما باعتبار ذلك قاطرتها إلى السيادة الاقتصادية عبر الإبداع التكنولوجي.

مشاركة :